خبر هيكل: إيقاع التغيير بعد الثورة لا يتناسب مع آمال الشعوب

الساعة 07:41 ص|10 يونيو 2011

هيكل: إيقاع التغيير بعد الثورة لا يتناسب مع آمال الشعوب

فلسطين اليوم- القاهرة

«امتناع مبارك عن مغادرة مصر عقب تنحيه عن الحكم، جاء لرغبته فى الخروج من مصر كرئيس سابق وليس متهما، وحتى لا يعيش مصير شاه إيران الذى شهده بنفسه، ولعلمه أنه سيلاحق قضائيا فور خروجه، كما أنه كان على يقين بأن اكثر شئ سيتعرض له فى مصر، أقل مما سيتعرض له فى المنفى».. هكذا فسر الكاتب محمد حسنين هيكل خيار مبارك فى البقاء.

هيكل الذى أجرى حوارا مطولا مع فضائية الجزيرة، باسم ( حديث الثورة ) والذى أذيع الجزء الثانى منه، مساء أمس الأول، كشف عن لقاء جمعه والرئيس السابق «استمر ست ساعات»، قال مبارك خلاله إنه « عندما يصيبه الملل مما تشهده البلد من أحداث تتداخل فيها المعارضة والأحزاب والجرائد، سيغادرها ويتركها للقوات المسلحة».

وتطرق هيكل إلى «محاكمة رموز النظام فى مصر وتونس»، مشددا على ضرورة «الفصل بين جرائم الماضى، وخطوات المستقبل»، داعيا إلى «تشكيل جهة سياسية تشرف على تحقيقات قضايا الفساد وتفرزها وتحيل ما هو جنائى منها إلى المحاكم، وترسل ما هو سياسى إلى المتخصصين».

ولفت هيكل إلى أن «الانشغال بجرائم الماضى قد يدخلنا فى متاهات»، ضاربا مثلا بقضية تصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل «والتى تعانى مزيدا من التداخل والتشابك والغموض فى بعض جوانبها، كأسماء شركاء حسين سالم، وأسماء الموقعين على اتفاقية الغاز»، وفيما يخص تقدير حجم ثروة الرئيسين السابقين مبارك وبن على، اعتبر هيكل أن عملية تقديرها «ليست بالأمر السهل».

وردا على السؤال الخاص حول امتلاكه مستندات تقدر حجم ثروة مبارك، قال هيكل: «ليست من مهامى كصحفى، البحث عن مستندات تقدر ثروة مبارك». معتبرا أن ما حدث فى مصر وتونس «ليس بثورة ولكنها مقدمات لثورة، تمثلت فى إسقاط الحواجز.. النظم الحاكمة القديمة لم تختف بالكامل ومازالت موجودة ومتشابكة بمصالح، ولابد من تحويل مقدمات الثورات التى أطاحت برؤوس الأنظمة الحاكمة إلى عمل ثورى حقيقى يوضع له جدول أعمال واضح ومنظم».

تقييم الثورة

واستشهد هيكل بالثورة الفرنسية (عام 1848) والتى اعتبرها «من أهم الثورات التى شهدها العالم»، وقال: «حين قام الثوار فى فرنسا اختلفوا فيما بينهم فى قضيتين، وهما تقديم الحرية الاقتصادية على الحرية السياسية أم العكس، وهو ما يتشابه كثيرا مع ما يحدث بين صفوف جماهير الثوار فى مصر حاليا، ويظهر ذلك واضحا فى اختلافهم حول إصدار الدستور أولا أم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية».

وأضاف: « الاختلاف بين الثورتين الفرنسية والمصرية، أن المصريين يختلفون على غير جدول أعمال تدرج فيه خطواتهم ورؤاهم المستقبلية، وحالة الجدل التى تثار حول توقيت إصدار الدستور وإجراء الانتخابات تجرى دون دراسة لأبعاد كل منهما من خلال فتح حوارات بين جميع القوى الممثلة للمجتمع فى مؤتمر وطنى حقيقى تحضره القوات المسلحة يمتلك جدول أعمال واضحا».

وانتقل هيكل إلى تقييم الثورات التى تشهدها بعض الدول العربية حاليا ومن بين ما تشهده سوريا التى وصفها بأنها «أصعب بلد تشهد عملية تغيير ، لأنها تعانى ظروفا معقدة»، شارحا : « الرئيس بشار حاول أن يغير ولكنه ليس حرا فى اتخاذ قراره، والأمر معقد فى سوريا. ففى تونس على سبيل المثال، كنا نتحدث على رئيس وأسرة حاكمة أما فى سوريا فنحن نتحدث عن علويين وحزب حكم طويلا، وله قواعد كبرى فى البلاد».

وأبدى هيكل تخوفه من «امتداد الفراغ الذى يعانيه العراق إلى سوريا ، مما يجعل العالم العربى مقبلا على تفريغ استراتيجى مهم، لأن سوريا امتداد استراتيجى مهم على البحر الأبيض المتوسط». وقال: « عملية تغيير سوريا، قد تؤثر كثيرا على الموازين فى المنطقة». وأضاف : « التغيير واجب، على شرط أن يلزمه الحرص والتخطيط لجداول أعمال»، وتابع: «الرئيس بشار قد سبق له ودعانى لزيارته فى سوريا أكثر من مرة وكنت اعتذر له وأبلغه أن زيارتى توقع بى فى وضع قد يضعف موقفى تجاه ملف التوريث فى مصر».

ولفت إلى «إغفالنا التساؤل حول ما الذى تفعله إسرائيل فى الأزمات التى تمر بها المنطقة العربية»، وحول التخوف من الممارسات الإسرائيلية عقب وأثناء الثورات العربية، قال: «إسرائيل تدخل من ثغرات من صنع العرب أنفسهم.. والذى يتمكن من التعامل معها بشكل واع يضيع عليها استغلال الدخول من أى ثغرة.. اسرائيل وغيرها من الخصوم تنفذ من ثغرات من صنعنا نحن، وإسرائيل تعلم أن الجولان لن تعود بالتفاوض، وعندما تنظر إلى المستعمرات هناك تتأكد أنها لن تزاح من الجولان سوى بالقوة».

القذافى شكانى للسادات

وانتقل هيكل إلى الثورة فى اليمن، مبديا قلقه مما تشهده من تغييرات لطبيعتها الجغرافية والقبلية، موضحا أن «ظروف الانتقال من القبلية إلى الدولة أمر صعب للغاية»، متخوفا من «إمكانية إقبال اليمن على حرب أهلية»،وتمنى هيكل أن يكون لمصر والسعودية دور فى عملية تيسير انتقال اليمن.

 

وفى تقييمه للوضع على صعيد الثورة الليبية قال: « نهاية القذافى ستكون مأساوية، لأنه لا يستطيع الفرار خارج بلده نهائيا، واتخوف من تقسيم ليبيا».

وأضاف : « عند رؤيتى للقذافى للمرة الأولى تصورت أنه رجل فى منتهى البراءة، والآن أتعجب من كيفية نجاحه فى قيادة ثورة 1969، وكيف استولى على السلطة التى مكس فيها لمدة 40 عاما».

وتابع هيكل : «تقابلت مع القذافى عدة مرات،وشاهدت خلافاته المتكررة مع السادات والتى كان بعضها يثير الضحك، زارنى القذافى فى إحدى المرات فى مكتبى بصحيفة الأهرام وأبلغنى عن قراءته خبرا حول تعطيل مجموعة مصانع بسبب نقص المواد الخام، وابدى استعداده دفع 300 مليون جنيه إسترلينى لشراء المواد اللازمة لها.. أبلغت السادات بذلك، فقال لى: احضره حالا إلى مكتبى، فانتقلت بالقذافى فى سيارتى إلى منزل الرئيس الراحل على الفور»..

وأضاف هيكل: « القذافى قال للسادات : أنا أشكو لك من هيكل، واعرب عن استيائه من نشر صورة كبيرة للملك فيصل فى جريدة الأهرام، فقلت إن ما نشر مجرد إعلان، فما كان منه إلا أن قال للسادات : كيف تنشرون صورة لعدوك، واصفا فيصل بالرجعية، فرد عليه السادات : لا تصف فيصل بالرجعيه لأنه صديقى، فعلق القذافى، لأ مش صديقك ولا حاجة، مما اضطر السادات إلى رفض منحة القذافى، وقال له: «انت حتشترينا بفلوسك».

الملاك والشيطان

وتطرق هيكل إلى ما تشهده البحرين، مؤيدا الرأى القائل أن «دعاة التغيير فى البحرين ظلموا». مرجعا ذلك لـ «استبدال العالم العربى للصهيونية بالتشيع» مستنكرا معاملة إيران باعتبارها العدو لا إسرائيل، وقال : « أعلم أن إيران ليست ملاكا، ولكن لدينا شيطانا فى قلب المنطقة (إسرائيل)».

 

وحول موجة التغيير فى دولة الخليج اعتبر هيكل أن السعودية «أهم دول الخليج التى يقع على عاتقها إجراء إصلاحات اجتماعية وسياسية حقيقية عاجلة، مبديا تخوفه تجاه «الخلل الذى تعانيه دول الخليج تجاه علاقتها بالدول المحيطة لها»، وأضاف : «السعودية كانت دائما تقاتل وتدير معاركها من بعيد باستخدام الآخرين ولأول مرة نجدها متداخلة ومتشابكة بشكل مباشر مع ما يحدث فى الدول العربية، وهذا تطور مهم، مما يعنى أن دول الخليج ليست بمعزل عن التغيرات التى تشهدها المنطقة».

 

قال هيكل: «إننا فى لحظة مليئة بالآمال الكبرى، والتى تتخللها فى ذات الوقت مخاطر كبرى أيضا، لأن المنطقة العربية مفتوحة ومكشوفة أمام العالم. « مشيرا إلى أن الشعوب العربية لديها آمال كبرى فى التغيير ،والتى ولدت مخاطر كبرى لأنها كشفت أمام الجميع، فأصبح أمامها قوى متربصة تترقب بحرص لحماية مصالحها فى المنطقة».

وأضاف: «هذه القوى تعمل بعدة وسائل، أولاها العمل السرى، ثم الضغوط الاقتصادية والسياسية، ثم تنتهى باستخدام العمل العسكرى إذا استوجب الأمر، فنحن الآن أمام عالم عربى لم يمر بمرحلة خطورة كالتى يحياها حاليا».

وشدد هيكل على ضرورة «اتضاح الرؤية سريعا فى الدول التى بدأت فيها الثورة (مصر وتونس)، ولتستقر أوضاعهم عن طريق رسم خطط مستقبلية يسيرون على خطاها خلال المرحلة المقبلة وتدفعهم إلى التطور وخاصة مصر»،موضحا أن مصر «تمثل ثلث العالم العربى تقريبا، لأن مصر تؤدى دور ضابط الإيقاع فى المنطقة العربية ، مما يعكس بدوره الأهمية الشديدة لما تشهده مصر من أحداث بعد الثورة».

الصندوق المغلق

ورأى هيكل أن خروج مصر من العالم العربى «أخل بتوازن المنطقة، فعملت كل دولة على التمسك بموقفها وتجمدت فى مواقعها ،لأن مصر هى محرك العالم العربى»، مرجعا صعوبة تحقيق تغييرات سريعة بعد الثورة فى مصر وتونس إلى تجريف النظم الحاكمة فى كلا البلدين للبشر وثروات البلاد، مضيفا أنه فيما يخص الوضع المصرى فهى بلد على وشك أن توضع فى صندوق مغلق. ففى شرقها توجد إسرائيل وقطاع غزة المغلق، وفى جنوبها السودان الذى يعانى من التمزق بداخله» فمصر بلد تقع عليها مسئولية كبيرة تجاه المنطقة فى الوقت التى تقيد فيها حركتها».

وفسر هيكل بطء إيقاع التغيير فى مصر وتونس بأنه «نتيجة المفاجأة التى أحدثتها الثورتان وأفسدت ترتيبات النظم الحاكمة، فقامت ثورة فى مصر لأول مرة بلا قيادة أو فكرة أساسية محركة.. فنحن أمام وضع مفاجئ، ايجاد نوع من البطء فى تحقيق الطموحات فى وقت تنطلق فيه آمال الشعوب على أشدها»، وأبدى هيكل تخوفه من «وفود عناصر قادمة من باكستان وغيرها تتجه إلى الجبل الأخضر فى ليبيا، قد نستيقظ فى يوم من الأيام ونجد فى الجبل الأخضر بؤرة مجهولة وخطرة تتكون بشكل ما، ولا يشترط أن تكون إرهابية».