خبر قمع حرية الصحافة في الضفة الغربية.. مصطفى إبراهيم

الساعة 09:22 ص|07 يونيو 2011

قمع حرية الصحافة في الضفة الغربية.. مصطفى إبراهيم

مضى شهر على توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية، ولم نشعر حتى اللحظة بتغير ملحوظ من السلطة الفلسطينية وأجهزتها المختلفة في الضفة الغربية تجاه احترام وتعزيز حرية الصحافة، وعدم فرض قيود على الصحافيين والمؤسسات الصحافية وحرية الرأي والتعبير.

 

فالاعتداءات والمضايقات بحق العمل الصحافي والصحافيين مستمرة بطرق وأشكال مختلفة، وكانت المفارقة المثيرة للسخرية ما جرى الشهر الماضي، وما قامت به وكالة الإنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا”، وبقرار رسمي من حجب ومنع التغطية الإعلامية لوقائع المؤتمر الصحافي في رام الله للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، المتعلق بنشر تقريرها السنوي السادس عشر، والذي عادة ما يلقى تغطية إعلامية مميزة من جميع وسائل الإعلام من دون تمييز، ويتم نقله على الهواء مباشرة من بعض وسائل الإعلام خاصة الفضائية منها، لما لهذا التقرير من أهمية بالغة وكبيرة، والذي يرصد حال حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

 

مبرر منع و حجب التغطية الصحافية لتقرير الهيئة السنوي جاء بذريعة أنه “يضر بأجواء المصالحة”، هو مبرر وهمي ومضحك، ومنع التغطية لم يقتصر على وكالة “وفا”، بل ان الصحف المحلية الصادرة في الضفة الغربية الذي غطى مراسلوها المؤتمر الصحافي، إلا أنها حجبت نشر التقرير، وما يرصده من الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان بما فيها الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون ووسائل الإعلام.

 

قيام “وفا” الوكالة الرسمية الناطقة باسم رئاسة السلطة المفترض أنها تقدم العون والمساعدة والدعم للصحافيين، بحجب التغطية الصحافية، ومنع الناس من الحق بالحصول على المعلومات في وقت أصبحت المعلومات متاحة للجميع من مصادر متعددة، أمر غير مستغرب من “وفا”، وهي التي تقوم بنقل رواية السلطة الرسمية حسب سياستها وتوجهها.

 

التوقيع على اتفاق المصالحة، والذي نأمل أن يؤسس لمرحلة جديدة من أجواء الثقة، ومنح مزيد من الحريات العامة خاصة الحريات الصحافية، واحترام النظام الأساسي الفلسطيني الذي كفل صون وحماية حرية العمل الصحافي، وإعادة الاعتبار لحرية وهيبة الصحافة والصحافيين التي انتهكت حقوقهم، ومازالت من قبل أجهزة السلطة المختلفة، وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية.

 

ما جرى من منع تغطية المؤتمر الصحافي للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ليس بعيدا عن ما جرى من ما رصده التقرير السنوي للهيئة من انتهاكات خلال العام الماضي، أو الأشهر الخمسة الماضية من هذا العام خاصة خلال تغطية التجمعات السلمية المؤيدة للثورات العربية أو الحراك الشعبي المطالب بانتهاء الانقسام، من انتهاكات واعتداءات على حرية الصحافة والصحافيين، وحرية الرأي والتعبير والتي يكفلها القانون الأساسي الفلسطيني والمواثيق والأعراف الدولية لحقوق الإنسان.

 

الاعتداء على الصحافيين والرقابة عليهم، وعلى حرية الرأي والتعبير شكلت وما زالت هاجسا مخيفا للصحافيين، وحالت دون قيامهم بنقل الأحداث وتغطيتها بحرية خوفاً من الملاحقة والاعتقال جراء الرقابة الصارمة، وسياسة القمع والتكتيم الإعلامي التي مارستها وما زالت تمارسها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية، وتعرض العديد من الصحافيين إلى اعتداءات معنوية وجسدية بالضرب بالعصي، وتوجيه العبارات النابية والسب والشتم، وتحطيم كاميراتهم ومصادرتها من قبل أفراد الأجهزة الأمنية، أثناء قيامهم بعملهم الصحافي وتغطيتهم الأحداث.

 

وتنوعت الانتهاكات والاعتداءات على حرية الصحافة والصحافيين ومؤسساتهم، ومست بحقوق الإنسان بشكل خطير، حيث تم اعتقال واستدعاء واستجواب عدد من الصحافيين من دون إتباع الإجراءات القانونية كونهم مواطنين قبل ان يكونوا صحافيين، أو تقديم ضمانات المحاكمة العادلة، وتعرض عدد منهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاستجواب والتحقيق معهم حول طبيعة عملهم الصحفي والمهني، وتغطيتهم للأحداث آو التصوير الصحافي، آو الكتابة أو إعداد التقارير الصحافية المكتوبة والمرئية، أو الاتصال مع محطات وصحف منعت من العمل في الضفة الغربية، والتي تطبع وتصدر أو تبث من قطاع غزة.

 

وفي ظل التغني بالأمن والأمان والاستقرار، واحترام حقوق الإنسان في الضفة الغربية، إلا أن الانتهاكات وقمع حرية الصحافة في الضفة الغربية مستمرة، ولم تتوقف ملاحقة الأجهزة الأمنية والانتهاكات بحق الصحافيين بالاستدعاء والاعتقال، بل تم عرض بعض منهم على القضاء العسكري لمحاكمتهم، وعدم تنفيذ قرارات محكمة العدل العليا الصادرة عنها بالإفراج عن الصحافيين الذين حوكموا أمام القضاء العسكري.

 

فحجب التغطية هي جزء من التعتيم والرقابة على حرية الصحافة، ولها تأثير سلبي كبير في نفوس الصحافيين الذي غطوا المؤتمر الصحافي، ولم يسمح لهم بنشر ما قاموا به من عمل، ونقل الأخبار والكتابة كما يرونه هم مناسباً، وليس كما تريده السلطة، والهدف منها التقييد على حق الناس في تلقي المعلومات، وصولا إلى تكميم الأفواه.

 

ومع استمرار هذه الممارسات والانتهاكات وتفاقم أعمال الاعتداء على الصحافيين، ومع توقيع اتفاق المصالحة، بات من الضروري وقف وإزالة كافة القيود المفروضة من قبل الأجهزة الأمنية على ممارسة الصحافيين لعملهم بحرية سواء بتغطية الأحداث أو بثها أو تصوريها، وتشكيل لجان تحقيق مستقلة من مؤسسات حقوق الإنسان، في كافة الحالات التي وقع فيها انتهاكات ضد الصحافيين ومحاسبة المتورطين بارتكابها.