خبر 63 عاماً على النكبة... فلتقرع أجراس العودة ..جيهان الحسيني *

الساعة 07:49 ص|06 يونيو 2011

٦٣ عاماً على النكبة... فلتقرع أجراس العودة ..جيهان الحسيني *

لم تحظ ذكرى النكبة منذ عقود بهذا القدر البالغ من الاهتمام كما حظيت به في ذكراها الثالثة والستين. تجسد ذلك في مسيرات الزحف التي انطلقت من كل صوب متوجهة إلى حدود فلسطين التاريخية والتي كانت تضم ثور عرب إلى جانب شباب فلسطينيين، وذلك تلبية لدعوة انطلقت لبدء الانتفاضة الثالثة من أجل تحرير فلسطين، كي تكون ذكرى يوم النكبة هي يوم التحرير.

 

 هنا في القاهرة خرج شباب ثوره ٢٥ كانون الثاني (يناير) إلى ميدان التحرير حاملين شعار "تحرير القاهره لا يكتمل إلا بتحرير القدس" وتوشح الميدان بالأعلام الفلسطينية. ليس بإمكان من رأي هذا المشهد الرائع المفعم بالحماس وبالمشاعر الصادقة المتوهجة والمليء بالحيوية والعنفوان إلا أن يختزله في ذاكرته ليحفظه عن ظهر قلب لأنه بحق كان بمثابة صوره حية ناطقة بل ولوحة فنية معبرة تكاد تقرأها ولا تملك إلا أن تتأثر بها.

 

وتحت عنوان “الشعب يريد العودة إلى فلسطين” تحركت المسيرات لا يحول دون زحفها حدود ولا سدود، شباب أعزل مسلحين بروح التحدي في مجابهة أعتى ترسانة عسكرية في المنطقة (...) فاقدين الثقة في كل القرارات والمواثيق الدولية، والمفاوضات التي باتت بلا جدوى، فلقد أصبح هناك حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى فعل حقيقي يراه العالم رأي العين، ليعيد للقضية الفلسطينية إعتبارها وفي مقدمها حق عودة اللاجئين.

 

هذا المشهد العظيم يعكس روحاً جديدة مفعمة بالإرادة والإصرار والعزيمة ويحمل معاني كبيرة قد تعجز الكلمات على تجسيدها، لكنها في مجملها تؤكد أن الانطلاقة بدأت وليس هناك تراجعاً أو عودة إلى الخلف.

 

هذه الهبة الشبابية الرائعة التي اقلقت الإسرائيليين واقضت مضاجعهم أكدت أن الأجيال الفلسطينية والعربية لن تنسى فلسطين مهما طال الزمن، وأن أرض فلسطين ليست للفلسطينيين وحدهم بل للعرب والمسلمين أجمعين، وأفشلت رهان الصهاينة من مؤسسي الدولة العبرية الذين توهموا أن الأجيال الفلسطينية القادمة ستنسى أرض الأجداد عندما قالت رابع رئيس وزراء للحكومة الإسرائيلية غولدا مائير: “إن الكبار سيموتون والصغار سينسون”.

 

إن هذا الحراك الشعبي غير المسبوق ودماء الشهداء الذكية التي سالت في الجولان ومارون الراس أكدا أن الفلسطينيين يرفضون التوطين في الدول التي لجأوا إليها وأنهم متشبثون بحقهم في أرض الآباء والأجداد وأن هذا الحق يتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل.

 

لذلك المطلوب من القيادة الفلسطينية استثمار هذا الحدث الفريد لصالح القضية الفلسطينية وذلك من خلال التمسك بحق عودة اللاجئين على اعتباره حقاً فردياً ولا يملك أحد أن يتخلى عن حقوق الجميع وهذا ما حدث بالفعل.

 

وكذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) منوط في القيام بدور فاعل وحقيقي من أجل تحسين ظروف حياة الفلسطينيين في البلدان العربية التي لجأوا إليها لأن الخشية من ضياع الهوية ونسيان القضية لم يعد قائماً، لذلك يجب إعادة النظر في النظم الموضوعة والتي يخضع لها الفلسطينيون في هذه الدول خصوصاً بالنسبة للقوانين المتعلقة بالحصول على حق الإقامة وتصاريح العمل والتأشيرات لذلك يجب على الرئيس الفلسطيني العمل من خلال علاقاته الطيبة مع كثير من الزعماء العرب على إزالة كل المعوقات التي تحرم الفلسطينيين في هذه البلدان من أبسط حقوقهم الإنسانية، فماذا تعني إيجابية العلاقات إذا لم يتم حقاً ترجمتها على أرض الواقع بشكل يلمسه المواطن الفلسطيني المقيم في هذه الدولة العربية أو ذاك من التي يزورها أبو مازن ويلتقي كبار مسؤوليها.؟!

 

ولا يمكننا أن نغفل أيضا بأن هذا الحراك الهادر الذي قام به الشباب العربي أحدث نقلة نوعية على صعيد القضية الفلسطينية بشكل يتطلب ويفرض على الحكومات العربية الارتقاء إلى هذا المستوى من خلال الاستجابة لاستحقاقات الحدث والتجاوب مع مطالب الجماهير التي لم يعد بالإمكان الاستهانة بها أو القفز عليها كما كان يحدث في السابق.

 

ولعلي أشير هنا بكل وضوح ومباشرة إلى الإجراءات المجحفة المتبعة والمفروضة على الفلسطينيين في بعض الأقطار العربية وفي مخيمات اللجوء والتي تحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، لذلك إذا كانت الحكومات العربية معنية حقاً بدعم القضية الفلسطينية عليها أن تبدأ بتحسين أحوال الفلسطينيين المقيمين على أراضها فليس بالإمكان بعد دماء الشهداء التي سالت أخيراً من أجل دعم القضية الفلسطينية أن تبرر الإجراءات المتبعة بحق الفلسطينيين في بعض الدول العربية بأنها من أجل حماية الهوية الفلسطينية من الضياع أو كي لا يذوب الفلسطينيون في المجتمعات التي يعيشون بها. إن تمسك فلسطيني 48 الذين يعيشون داخل الخط الأخضر بهويتهم الفلسطينية رغم ما تعرضوا له من تنكيل وإذلال ومن سياسات مبرمجة من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلية لطمس هويتهم وذلك منذ أن دنس الإحتلال أرض فلسطين يزيل هذا اللبس وتلك المخاوف التي تعتري البعض، ويكذب أيضاً إدعاءات الآخرين ممن يروجون لمثل هذه الأفكار ويسوقونها من أجل عدم منح الفلسطينيين فرصتهم في حياة كريمة في أي من هذه البلدان العربية.

 

أود أن أنوه هنا إلى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي يقدره الشعب الفلسطيني عالياً لإحتضانه لهم ولقضيتهم ولمعاملته لابنائه معاملة المصريين وأذكر على سبيل المثال لا الحصر قضية التعليم وهي أبسط الحقوق، إذ إن عبدالناصر فتح أمام الفلسطينيين أبواب المدارس والجامعات وسمح لهم كذلك بممارسة العمل ومنها مهنة التعليم، وما زال هناك معلمون فلسطينيون يقبضون تقاعدهم من الحكومة المصرية إلى يومنا هذا. وكذلك أجاز لهم تملك الأراضي الزراعية، لكن للأسف الشديد معظم هذه المكتسبات تلاشت منذ عقود وحل محلها نهجاً منظماً ينغص على الفلسطينيين عيشتهم ويحرمهم من أبسط الحقوق وكأن المعاناة باتت حكراً على الفلسطينيين في بعض البلدان العربية.

 

من الإنصاف الإشارة إلى أن ما قامت به السلطات المصرية أخيراً من إجراءات لتسهيل حركة عبور الفلسطينيين المسافرين من قطاع غزة وإليه عبر معبر رفح، هي خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها ليست كافية، إذ إن المطلوب أن تسترد مصر دورها الطليعي كحاضنة للقضية الفلسطينية ليس فقط على المستوى السياسي بل على المستوى الإنساني أيضاً.

 

 أعتقد أنه من حق الكثيرين أن يتملكهم الارتياب تجاه القوانين والإجراءات المتبعة بحق الفلسطينيين والتساؤل متشككين عمن يقف وراء هذا!! وما الهدف سوى دفع الفلسطينيين وإرغامهم إما على الهجرة إلى الخارج ليبتعدوا عن عمقهم العربي لنسيان قضيتهم أو استمرار بقائهم في الدول العربية، ما يعني أنهم اختاروا الدخول في دوامة من الهم والغم وإثقالهم في مطالب فوق طاقتهم من أجل فقط توفير حياة كريمة لأسرهم.

 

إن هذه السياسة تشكل ضرراً بالغاً على القضية الفلسطينية لأنها تضعف الفلسطيني وتجعله مشتتاً منشغلاً بشؤونه الخاصة لا وقت لديه للاهتمام بقضيته الوطنية.

 

 ومن هنا نخاطب الأنظمة والدول العربية ونقول لهم إن دعمكم للقضية الفلسطينية لن يتحقق إلا بمنح الفلسطينيين حقهم الطبيعي في العيش بكرامة إلى حين عودتهم إلى ديارهم، فالقضية الفلسطينية ليست مجرد قضية أرض وجغرافيا فحسب بل هي أيضاً قضية إنسان وكرامة.