خبر المبادرة الفرنسية واستحقاق أيلول ..صلاح الوادية

الساعة 12:58 م|05 يونيو 2011

المبادرة الفرنسية واستحقاق أيلول ..صلاح الوادية

تمر السلطة الوطنية الفلسطينية بمجموعة من الأزمات والضغوط الداخلية والخارجية وهذا شيء طبيعي نسبة إلى سلطة تدير شئون مواطنيها تحت الاحتلال الفعلي والمعنوي، وأهم تلك الأزمات هي أزمة المرجعية الدولية أو الراعي الدولي فالولايات المتحدة الأمريكية هي الراعي الأول لأي مفاوضات أو مؤتمر سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومنذ اللحظة الأولى ومع أول مؤتمر للسلام في مدريد كان واضحا تحيز الراعي الأمريكي للمفاوض الإسرائيلي والمصالح الإسرائيلية وإن كان تحيزا غير معلن وبالعودة إلى التاريخ القريب نجد الراعي الأمريكي متحيز جدا للمفاوض الإسرائيلي على حساب المفاوض المصري في مفاوضات كامب ديفيد الأولى، أما اليوم فإن الولايات المتحدة لا تجد حرجا في أن تساند المصالح الإسرائيلية بكل السبل الشرعية وغير الشرعية وذلك لعدة اعتبارات أهمها: - حالة الخنوع العربي للإدارة الأمريكية - تغليب المصالح القطرية على الأمن القومي العربي - تحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع فلسطيني إسرائيلي .

 

في ظل أجواء عدم الثقة التي باتت سمة العلاقة بين السلطة الوطنية والولايات المتحدة جاء وزير الخارجية الفرنسي جوبيه على رام الله ليعلن أن في جعبته خطة فرنسية لإعادة إطلاق محادثات السلام على أسس واضحة ووفق إطار محدد ومتفق عليه وأن المبادرة تتمحور حول الاتفاق على حدود 1967 مع تبادل أراضي متفق عليه بين الطرفين مع تقديم ضمانات أمنية لكلا  الدولتين ومعالجة قضايا اللاجئين والقدس في مرحلة لاحقة (إطار زمني لا يتجاوز العام) طبعا هذه المبادرة أرضت السلطة الفلسطينية حيث قبل الرئيس أبو مازن مبادرة فرنسا للسلام وقال أنها مأخوذة من خطاب أوباما وهي مرضية لنا، في حين ينتظر جوبيه الرد على المبادرة من الإسرائيليين خلال أيام.

 

أعتقد أن هذه المبادرة لو جاءت بها فرنسا الشيراكية ستكون أكثر صدقا أو على الأقل مريحة لنا ليس لأنها كانت ديغولية الأفكار والنهج فقط ولكن لأن جاك شيراك كان يتمتع بمصداقية عالية على صعيد شخصه، أما ساركوزي فقد نقل فرنسا من المثلث الحاكم في أوروبا مع ألمانيا وانجلترا إلى الحظيرة الأمريكية وأصبح مؤيدا للحملات الأمريكية على الإرهاب ومعجبا بالعولمة والسوق الحر، وبعد أن فشل نوعا ما في تحقيق الدور الريادي الذي يطمح به في المنطقة مع تعثر مشروع الاتحاد من أجل المتوسط ربما تكون المبادرة الفرنسية للسلام مدخل جديد لتحقيق الطموح الساركوزي، ولكنها لن تكون بعيدة عن رؤية أوباما للسلام ولن تخرج عن الإشراف الأمريكي الكامل. القارئ السياسي العادي يرى أن مضمون المبادرة الفرنسية هو تماما ما جاء في خطاب أوباما وهذا ما نوه له الرئيس محمود عباس، كما أن توقيت المبادرة له الكثير من الدلالات ويثير التساؤلات حولها.

 

من غير المجدي أن نمني أنفسنا بآمال واهية إذا اعتقدنا أن فرنسا الساركوزية سوف تكون وسيط محايد وإيجابي وغير خاضع للضغط الأمريكي أو الرؤية الإسرائيلية للحل، وليس معنى هذا أن نرفض المبادرة الفرنسية بل يجب أن نقبلها ولكن وفق أسسنا نحن، كفانا هرولة في الملعب الإسرائيلي، علينا أن نكون أصحاب موقف ومبادرين، يجب أن نشترط سقف زمني لانتهاء المفاوضات قبل أيلول غير قابل للتمديد بأي حال من الأحوال، ربما يكون وراء الأمر أمر وربما يكون هذا اتفاق أمريكي- إسرائيلي- فرنسي لتسويف خطة أبو مازن في التوجه للأمم المتحدة في أيلول، فالسقف الزمني يحفز على العمل ويحمينا من أي إجهاض مبيت لمشروع أيلول ويظهر النوايا إذا ما تم رفض التقيد بسقف زمني.

 

وطالما أن الخيار الأول والثاني والثالث للسلطة الفلسطينية هو المفاوضات كما أعلن الرئيس عباس فلنتفاوض بشكل علمي وسليم خاصة أن المفاوض الفلسطيني ذاهب إلى المفاوضات وخلفه معظم أطياف اللون السياسي الفلسطيني وذلك بعد تصريح مشعل بأن حماس سوف تترك الرئيس عباس يجرب المفاوضات وهذه نقطة قوة لم تكن متوفرة من ذي قبل لأي مفاوض فلسطيني، فالمفاوض الفلسطيني عانى كثيرا في مختلف الجولات التفاوضية وكان يدور دوما في فلك الرفض والتقزيم والتعنت الإسرائيلي، إلى جانب أن أهدافه كانت صغيرة لا ترقى إلى مستوى التضحيات الفلسطينية، حيث كان طموح المفاوض الفلسطيني الحصول قدر المستطاع على مكاسب من المفاوض الإسرائيلي وتأجيل الحديث عن الثوابت لأن المفاوض الإسرائيلي غير مدرجها للتفاوض أصلا، أما اليوم وبعد أن تأكدنا من عدم جدوى المفاوضات المفتوحة وغير المشروطة والتي كانت دوما تلتئم في إطار الود والشراكة مع الجانب الإسرائيلي، يجب أن نذهب إلى المفاوضات ضمن أسس وطنية محددة أولها: تحديد سقف زمني قبل أيلول لانتهاء المفاوضات، ثانيا: عدم تأجيل قضية القدس واللاجئين إلى فترة زمنية لاحقة فالإسرائيليون كثيرا ما أجلوا ولم يتحقق الأجل، وهم غير أوفياء بوعودهم وغير حافظين لأي عهود، وإن لم يتم التوافق حول كل القضايا في هذه المفاوضات وفي ظل وجود راعي جديد (فرنسا في حال صدقت نواياها) فمتى سوف تكون النوايا الإسرائيلية أصدق في الحل.

 

إن المفاوضات علم له أصول ومبادئ يجب التقيد بها لكي تحصل على ما تريد، فالمفاوضات تبدأ بعروض افتتاحية لكل طرف في عملية التفاوض، يحتوي هذا العرض على ما يريده هذا الطرف من المفاوضات، ويقوم كل طرف برفع سقف مطالبه من الطرف الآخر حتى إذا ما أضطر للتنازل يستطيع المناورة لكنه يكون محدد الحد الأقصى للتنازلات ضمنا، ونحن الفلسطينيون ذاهبون إلى المفاوضات بعرض افتتاحي معلن وهو إقامة الدولة على حدود 1967 مع استبدال أراضي وتأجيل القدس واللاجئين، وخلال عملية التفاوض سوف يضطر المفاوض الفلسطيني للتنازل وذلك للحصول على تنازلات بالمقابل فماذا سيتبقى للدولة الناشئة إذا ما تنازل المفاوض الفلسطيني عن أشياء داخل حدود 1967 وللأسف هو مضطر لذلك، لذا يجب أن ترفع السلطة الفلسطينية سقف طموحاتها وتطلعاتها وليدخل في العرض الافتتاحي مطالبة إسرائيل بما لديها، فلا تنسوا أن كل ما لديهم هو ملك لنا في الأصل.

 

كما أن تقديم التنازلات تتم بأصول، وليبقى موقفك قوي لا تبدأ بالتنازل وإذا اضطررت للتنازل أولا لا تتنازل مرة ثانية قبل أن تحصل على تنازل بالمقابل يكون بحجم تنازلك أو أكثر وهكذا، ويجب أن تضع خطوط حمراء تنتهي عندها التنازلات حتى لو لم توفق في المفاوضات، بهذه الطريقة قد نحصل على شيء يناسب طموحات الشعب الفلسطيني بكل فئاته.

 

أدرك أن المفاوض الفلسطيني يعي جيدا هذه المعلومات وأكثر ولكنه اعتاد دوما على خلع ملابسه في جولات المفاوضات والعودة عاريا.

 

 

 

كاتب ومحلل سياسي