خبر مسيرات العودة - زحف الملايين يرعب إسرائيل../ نواف الزرو

الساعة 10:08 ص|05 يونيو 2011

مسيرات العودة - زحف الملايين يرعب إسرائيل نواف الزرو

رئيس وزرائهم نتنياهو يحذر لبنان، وسوريا من السماح باختراق الحدود الإسرائيلية في الذكرى الـ44 للنكسة، التي تصادف اليوم الأحد، فقال نتنياهو في خطاب ألقاه، مساء الخميس، في القدس أنه أصدر أوامره للجيش الإسرائيلي باتخاذ إجراءات صارمة للحفاظ على الحدود وأمن المواطنين، مضيفا: "سيحاولون تحدي إسرائيل ولنا الحق بالدفاع عن حدودنا- الخميس 2 / 06 / 2011 ".

 

وذكرت الاذاعة العبرية- الجمعة 3 / 06 / 2011 – من جهة أخرى" إن إسرائيل نقلت خلال الساعات الأخيرة رسائل الى بعض الدول المجاورة والى القيادة الفلسطينية اكدت فيها أنها لن تسمح باختراق حدودها على أي جبهة مع حلول ذكرى النكسة الذي يصادف الأحد "، وأكدت تل أبيب "أن القادة العرب والفلسطينيين سيتحملون المسؤولية عن نتائج أي محاولات لانتهاك السيادة الإسرائيلية". ومن جهته قال رئيس الأركان بيني غنتس "إن الجيش ينشر القوات اللازمة لمواجهة التطورات المحتملة"، بينما أقيمت أسيجة جديدة على امتداد الحدود الشمالية وتم حفر الخنادق بمحاذاة السياج الحدودي ونصب يافتات تحذيرية باللغة العربية.

 

إذن، هي الذكرى الأولى منذ الاحتلال الصهيوني للقدس والضفة وغزة، قبل أربعة وأربعين عاما، التي نشعر فيها بأن هناك تحولا حقيقيا في المشهد الفلسطيني، فبعد ذكرى "النكبة" الثالثة والستين التي صادفت في الخامس عشر من أيار الماضي، والتي شهدت ظاهرة "مسيرات العودة" ها هو "يوم العودة" في ذكرى "الهزيمة-النكسة-67" يطلّ بقوة ليكشف عن قلق متصاعد لدى قادة الدولة الصهيونية من مثل هذه التحركات الجماهيرية التي يخشون أن تتحول إلى زحف ملاييني مرعب في السنوات القادمة، وهو السيناريو الذي كان رئيس وزرائهم سابقا "ليفي أشكول" حذر منه مبكرا جدا منذ عام/1965.

 

ويعود الرعب الصهيوني من الزحف الملاييني حسب وثيقة صهيونية هامة جدا كشف المؤرخ توم سيغف النقاب عنها في –هآرتس- الى عام/1965، فكتب سيغف تحت عنوان: "ماذا لو تحرك مئات آلاف اللاجئين بدون سلاح باتجاه الحدود؟"يقول:"في أعقاب إطلاق الصواريخ من قطاع غزة إلى سديروت، ترتفع الأصوات التي تطالب بمعاقبة سكان القطاع، وحتى إبعاد عدة آلاف منهم من المناطق الحدودية، إلا أن هناك بالطبع إمكانية مقلوبة، لم يقم أحد بفحصها، وتتمثل في تحرك مئات آلاف الفلسطينيين سيراً على الأقدام باتجاه الحدود، ويقومون بـ"تحطيم السياج والمعابر والأسوار ويدخلون إلى إسرائيل في مظاهرة ضخمة لمواطنين غير مسلحين"، ويبدو أن هذا الاحتمال لم يأت من فراغ، فقد سبق وأن ناقش احتمالا مماثلا رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، ليفي أشكول، قبل حرب 1967.

 

ويقول سيغيف"إنه قبل حرب 1967، بسنتين بالضبط، أبدى رئيس الحكومة ووزير الأمن في حينه، ليفي أشكول، تخوفاً من إمكانية حصول أمر كهذا، وقد جرى النقاش في جلسة الحكومة الأسبوعية مع قادة الأجهزة الأمنية، في الرابع من حزيران/ يونيو 1965"، ويردف سيغف: "افتتح أشكول الجلسة في حينه بالسؤال: "كم هو عدد اللاجئين؟ ماذا يأكلون؟ وما هو وضع الهجرة؟"، فأجاب رئيس المخابرات العسكرية آنذاك أهارون ياريف أنهم "يأكلون ما تقدمه لهم وكالة غوث اللاجئين، الأونروا، وأن أوضاعهم ليست جيدة، وهناك حالة تذمر في وسط اللاجئين، ولذلك يتم تجنيدهم للجيش المصري... وقال أشكول إنه يعتقد طوال الوقت بأن قضية اللاجئين هي "عقب أخيل" بالنسبة لإسرائيل"، وتساءل: "ماذا نفعل لو قاموا ذات يوم بدفع النساء والأطفال إلى الأمام؟". وعندها رد عليه رئيس هيئة أركان الجيش في حينه، يتسحاك رابين: "إذا لم يقوموا بذلك حتى الآن، فهم لن يفعلوا ذلك.. وبعد قتل 100 منهم، فإنهم سيتراجعون".

 

ويضيف سيغف: "أن أشكول لم يقتنع، وقال: "إنهم يتكاثرون بسرعة"، إلا أن رابين رد عليه بالقول: "لم يرتفع عدد اللاجئين. في السنوات 1949 و 1950 و 1951 و 1952، وعندما كان النقب خالياً، وكان هناك قرى مهجورة، كان هناك مجال للتخوف من ذلك.. وفي حينه تحدثوا عن مسيرات للاجئين، أما اليوم فلم أسمع أن أحداً يتحدث عن ذلك".

 

وقال أشكول: "في اللحظة التي يصبح عددهم فيها 500-600 ألف، فهم يتكاثرون في كل مرة، ومن الممكن أن ينفجر ذلك في لحظة ما.. أما أن تظل الأونروا تعيلهم، فنحن أيضاً لا نعتقد أن ذلك جيد".

 

وتساءل المدير العام لوزارة الأمن، موشي كشتي، "إذا كان تشجيع الهجرة يعتبر حلاً بناء لحل المشكلة. وأجابه رابين: "لقد عملنا على ذلك في ألمانيا، وفي جنوب أفريقيا، إلا أن المصريين لا يسمحون لهم بالخروج، وهم يقولون ذلك صراحة.. وباتت مغادرة المكان بنظر العرب خيانة لفلسطين".

 

ويتابع سيغيف "إنه بعد سنتين، احتلت إسرائيل قطاع غزة.. ووضع على طاولة أشكول عدة اقتراحات لتخفيف ضائقة اللاجئين في القطاع. ومن جملة الاقتراحات كان نقل بضعة آلاف من عائلات اللاجئين من غزة للسكن الدائم في الضفة الغربية. إلا أن هذا الاقتراح لم ينفذ، لعدة أسباب، من بينها أن الوزراء مناحيم بيغين، وموشي ديان، ويغئال ألون، طالبوا بالحفاظ على الضفة الغربية من أجل الاستيطان. وفي حينه لم يكن بإمكان أشكول أن يشكل ائتلافاً بدون بيغين وديان وألون".

 

وما بين عهد اشكول في ذلك العام قبل ستة وأربعين عاما، وعهد نتنياهو اليوم، نتابع كيف يتحول هذا الكابوس –الزحف الملاييني- إلى حقيقة على الأرض، والذي كان تخوف أشكول منه آنذاك يعود ليحتل المشهد السياسي الاستراتيجي الإسرائيلي اليوم، والذي حذر منه اشكول آنذاك في اجتماع مغلق لحكومته، اخذوا يحذرون منه اليوم صراحة امام وسائل الاعلام.

 

وأخذ الاحتلال الصهيوني يخشى أن تتحول مسيرات العودة واجتياز الحدود الى عمل مبرمج ومنهجي ومستمر... ويستعد جيش الاحتلال، ويتحسب من أن يتحول ذلك إلى تظاهرات دائمة على غرار التظاهرات ضد جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية/ (يو.بي.آي) الجمعة،20/05/2011".

 

والذي راهنوا عليه آنذاك- موت الكبار ونسيان الصغار-..لم يتحقق لهم، فأخذ عشرات الآلاف –وربما مئات الآلاف والملايين مستقبلا- من الشباب يزحفون وقرروا أن يواصلوا الزحف مستقبلا، ليفتحوا بذلك ملفات الصراع كلها على مصراعيها وليعيدوا القضية الى بداياتها.

 

فقد فتحت مسيرات العودة الفلسطينية التي جرت في الذكرى الثالثة والستين للنكبة واغتصاب فلسطين، كما تفتح مسيرات الأحد الحزيراني اليوم، كل ملفات النكبة والصراع لتعيدنا ليس فقط إلى الذاكرة الوطنية الفلسطينية والعربية، وكذلك الى الذاكرة الصهيونية، بل إلى الوراء.. إلى ما قبل ثلاثة وستين عاما...وإلى ما قبل أربعة وأربعين عاما...!

 

فأخذوا هم يتحدثون عن العودة إلى بدايات الصراع وعن أن القضية المتفجرة دائما هي قضية اللاجئين، وأن لا حل سياسيا أبدا طالما لم يتنازل الفلسطينيون عن :حق العودة"..!.

 

بل إن الجنرال احتياط، شلومو غازيت، رئيس سابق للاستخبارات العسكرية وللوكالة اليهودية قال:" إنّه في يوم الاحد 15 ايار (مايو) 2011 بدأت حرب التحرير الفلسطينية، وتشكل التظاهرات التي قام بها اللاجئون في لبنان والجولان وقطاع غزة من أجل تحقيق حق العودة مرحلة جديدة في الصراع الفلسطيني ضد إسرائيل".

 

ولعل المحلل جدعون ليفي كان الأعمق في التعبير عن التداعيات الاستراتيجية لمسيرات العودة إذ كتب في هآرتس 19/5/2011 تحت عنوان:" عودة إلى 1948" يقول: "أنظروا ماذا يستطيع بضع مئات من المتظاهرين فعله في يوم: فقد أُثيرت سنة 1948 في برنامج العمل اليومي، كان اختراق السور في الجولان كافيا لاختراق سور معقد أقدم كثيرا أعلى اختراقه سنة 1948 إلى مركز النقاش السياسي، كنا ما نزال نثرثر ونتكلم حول 1967 – هل سينطق بنيامين نتنياهو بالكلمتين الصريحتين حدود 1967 أم لا، فبعد 44 سنة سلطة عسكرية لا نرى نهايتها، وبعد حفنة فتات أوسلو التي لم تُحسن وضع الفلسطينيين، وخطط سلام يعلوها الغبار في الأدراج وخطب جوفاء في الأكثر من غير الأخذ بعمل شجاع واحد سوى إخلاء قطاع غزة، خرج المارد من القمقم.

 

 إن من لم يُرد 1967 يتلقى الآن 1947، ومن لم يُرد اخلاء أريئيل، سيضطر الى الحديث الآن عن كرمئيل، ومن لم يُرد مصالحة تاريخية يتلقى الآن ملف 1948 على بابه... اليمين مبتهج وليس واضحا لماذا، واليسار مات منذ زمن والقافلة تسير إلى الأمام مخلفة إسرائيل في وضع أخذ يزداد سوءا من يوم الى يوم".

 

إذا، في المشهد الفلسطيني المتبلور اليوم ونحن في فضاءات ذكرى النكبة والهزيمة الحزيرانية، وفي ظل الثورات العربية والمصرية منها على وجه التخصيص، مؤشرات متزايدة متراكمة على أن ما كان قبل هذه الثورات لن يكون ما بعدها، وعلى أن ثقافة الغطرسة الصهيونية أخذت تهتز تحت وقع التطورات الدرامية.

 

فهم يجمعون اليوم على سبيل المثال على أن هذه المسيرات تشكل نقطة تحول استراتيجي مرعبة في الصراع، وعلى "إسرائيل" بالتالي أن تستعد لزحف الملايين من الفلسطينيين والعرب في السنوات القادمة.!