خبر انصتوا له- معاريف

الساعة 08:23 ص|02 يونيو 2011

انصتوا له- معاريف

بقلم: بن كاسبيت

عند الخروج، بعد أن أنهى كلمته، التقى مئير دغان بمعرفة قديمة، رجل اعلام مميز، سأله لماذا يحتاج الى ذلك، فالان بيبي وباراك سيجعلان لك الموت، وسيبدآن بالتشهير بك، لماذا لك كل هذا"، فابتسم دغان وأجاب بجملة واحدة: "كي لا يقال بعد ذلك اني لم أقل".

هذه هي حجة مئير دغان، وهي حجة مظفرة. في الايام الاخيرة يتعاظم الانتقاد على دغان. فقد حدد الرجل لنفسه جولة كلمات عامة صاخبة بعد دقيقة من انهائه مهام منصبه الاكثر سرية في العالم، ويثير العجب بضرباته على الاشخاص الذين كان حتى قبل لحظة خاضعة لامرتهم، وهو لا يأخذ أسرى ولا يكم الفاه للحظة، وكل هذا صحيح تماما.

ولكن حيال كل هذا، يقف وحيدا، يتصدر الاخرين، وذات العلم الاسود الشهير لانعدام الشرعية، الحجة التي صاغها دغان بصبيانية، "كي لا يقال اني لم اقل". هذه الحجة تتغلب. إذ لا يمكن ما يرد فيه على مثل هذه الحجة. اسرائيل هي دولة قاتل في سبيل وجودها. لا مجال للاخطاء، لا مساحة للترهات، وعندما يفكر أحد ما بان شيئا ما خرب في جناح اتخاذ القرارات فان عليه أن ينهض ويقول هذا.

 في ايامنا العاصفة، حين تكون وسائل الاعلام ايضا تتقزم بجموعها ويسيطر عليها، عبارة اثر عبارة من نتنياهو وباراك، فان صوت مئير دغان المرفوع عاليا هو صوت هام لا مثيل له. وهو يقول الامور بدم قلبه. بصوت عالٍ، دون تردد. هذا الرجل كان هناك باكثر من ثماني سنوات، قام باحد المناصب الاكثر تحديا وحساسية في العالم، وعليه فاني اكرر ما كتبته ذات مرة من قبل: الانتقاد على دغان محق، وكذا انتقاد دغان محق. احيانا، ما العمل، الجميع محقون.

في حديثه أمام الجمهور، شبه دغان الوضع بالوضع الذي كان عشية حرب يوم الغفران في العام 1973. التشبيه تقشعر له الابدان. وعليه، قال، محظور الصمت، وعليه فاني أتحدث، كي لا يفاجأ مرة اخرى. لاقواله قوة مضاعفة لان الحديث لا يدور عن مسالم ما من ميرتس أو مؤيد شاذ لتسيبي لفني. هذا واحد من رجال اليمين ذوي نزعة كفاحية عالية ممن تواجدوا عندنا، من ابتلع عربا لوجبة الفطور، الغداء والعشاء، بل ونش قليلا بين الوجبات. هو رجل قاتل تقريبا في كل حروب اسرائيل، لم يأخذ أسرى، يعالج الارهاب منذ أن ولد. وعندما يقول شخص كهذا انه يجب قول "نعم" للمبادرة السعودية (إذن لماذا شارون، سيدك ومقربك، يا سيد دغان، لم يقل هذه النعم؟؟) وعندما يحذر مثل هذا الرجل من أنه من الواجب أخذ المبادرة حيال الفلسطينيين، وعندما يقول مثل هذا الرجل بان ليس للزعامة رؤيا وليس لها مسؤولية، فعلينا أن نكف عن النوم الجيد في الليالي.

حذار من الوقوع في الخطأ: الجرثومة السياسية تتدفق في عروقه بقوة. لو لم يكن خاضعا لقانون التبريد المناهض للديمقراطية لكان دغان سيتنافس في الانتخابات القريبة القادمة. مع من؟ ليس لدى نتنياهو. فهو يحتقر نتنياهو. ليس لدى باراك، رأيه في باراك اسوأ من رأيه في نتنياهو. وعلى ما يبدو ان ليس ايضا في "كديما". تقديري هو أنه سيتنافس مع يئير لبيد (حسب غير قليل من المصادر، التقى الرجلان عدة مرات مؤخرا). ولكن دغان ليس في اللعبة السياسية. هو مبرد. وهو لن يكون ذا صلة الا في الانتخابات ما بعد التالية، حين سيأتي في الايام ومن يدري أين نحن وما هو حالنا. إذن الان ما يتبقى له ان يتكلم، ان يحذر، ان ينبه، وهذا بالضبط ما يفعله.

دغان، قال أمس احد رفاقه، مثله كمثل من افرج عنه لتوه من الزنزانة. ثماني سنوات جلس في هذه الزنزانة، في الظلام، مخفي وخفي عن العين. لا أحد يخرج ولا أحد يدخل، لا ثغرة هنا ولا هناك. وها هو فجأة، بيوم واحد، بدفعة واحدة حر ومحرر أمام الاضواء والميكروفونات. هذا انتقاد يمكن أن يذهب عقول الكثيرين والطيبين ولعل دغان دائخ منه قليلا ولكني افترض انه يعرف على نحو ممتاز ما الذي يفعله.

في احاديث مغلقة حقا، يقول، بصوت عال وواضح بان الثنائي نتنياهو – باراك خطير على أمن الدولة. وهو يستخدم كلمات اكثر حدة، ليس لديه نية لان يبعثها الى الطباعة. وقد وعد، مع تسريحه، بان من الان فصاعدا سيسمعوه كثيرا، وقد أوفى. وبقوة. بالمناسبة، رأي رفيقيه في المثلث الامني، رئيس الاركان السابق غابي اشكنازي، ورئيس المخابرات السابق يوفال ديسكين، بالقيادة الحالية، ليس افضل. فهذان الاثنان ايضا يستخدمان تعابير مشابه. لا يدور الحديث عن مجرد اضواء تحذير حمراء، بل كشافات تحذير هائلة تضيء السماء السوداء التي فوقنا منذ غير قليل من الاشهر. لا يوجد شيء يفرحني أكثر من أن اكتشف بان ثلاثة انبياء الغضب اولئك مخطئون. المشكلة هي أنه يوجد فيّ خوف، اكثر من طفيف، بان يحتمل جدا ان يكونوا محقين.