خبر رجال الأعمال يتوافدون إلى القطاع لتفعيل استثماراتهم

الساعة 06:26 ص|29 مايو 2011

رجال الأعمال يتوافدون إلى القطاع لتفعيل استثماراتهم

فلسطين اليوم-وكالات

قبل نحو شهرين فقط عبّر القطاع الخاص عن حالة من اليأس والإحباط لم يعبّر عن مثلها طوال العقود الخمسة الماضية، وباتت الشركات تضع خططها للعمل في ظل انقسام لا أمل في الخلاص منه في المدى المنظور، لكن التوقيع المفاجئ على اتفاق المصالحة في 27 نيسان الماضي قلب الأوضاع رأساً على عقب، ومنذ ذلك الحين يشهد القطاع الخاص حراكاً غير مسبوق؛ تأهباً للعودة إلى قطاع غزة، سواء للعب دور في إعادة إعمار القطاع، أو لتفعيل أنشطة توقفت منذ سنوات، أو لضخ استثمارات جديدة فيه.

في نهاية الأسبوع الماضي، زار قطاع غزة وفد كبير من رجال الأعمال لاستشراف فرص الاستثمار هناك، ورسم صورة غاية في القتامة للوضع الاقتصادي هناك، "فمن الواضح أن القطاع الخاص في غزة يعيش حالة يرثى لها، جراء الضربات الكبيرة المتلاحقة التي تعرّض لها خلال السنوات الماضية، سواء نتيجة الحصار المحكم وإغلاق المعابر، أو الحرب الإسرائيلية الأخيرة، أو تجارة الأنفاق"، قال محمد مصطفى، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، العائد من غزة.

وأضاف: القطاع الخاص هناك بحاجة إلى وقفة جدية لانتشاله، ومسؤولية ذلك تقع على كافة الأطراف: الحكومة، والقطاع الخاص، ودول الجوار، والأطراف الدولية.

مطلوب إعادة نظر في القوانين والإجراءات

على صعيد السلطة، قال مصطفى: إن المطلوب هو إعادة النظر في منظومة عمل القطاع الخاص، من قوانين وإجراءات، "لكن السلطة لن تستطيع تحمّل كامل المسؤولية وحدها، فهناك واجب على دول الجوار التي لها معابر مع القطاع، وخصوصاً إسرائيل، فدون فتحها لن يكون هناك استثمار ولا تنمية حقيقية، وهذا يتطلب من الأطراف الدولية، وخصوصاً اللجنة الرباعية، الضغط على إسرائيل بهذا الخصوص، فالتغيير الحقيقي للأوضاع في قطاع غزة بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي لفتح المعابر".

خطوة مصر بإعادة فتح معبر رفح لاقت صدى إيجابياً كبيراً من قبل القطاع الخاص كما من قبل المواطنين العاديين، واعتبرها مصطفى "خطوةً مهمةً، وستحدث نقلةً نوعيةً في حركة الأفراد، لكننا بحاجة إلى فتح المعابر أمام حركة البضائع، وفي هذا نحن نحتاج إلى تعاون حقيقي من قبل إسرائيل، وعلى الأطراف الدولية وخصوصاً اللجنة الرباعية مسؤولية كبرى في الضغط على إسرائيل في هذا الاتجاه".

وتشير التقارير المحلية والدولية، إلى أن مئات المنشآت الاقتصادية، في مختلف القطاعات، اضطرت إلى إغلاق أبوابها، أو على الأقل إلى العمل بطاقة إنتاجية ضئيلة للغاية، تحت وطأة الحصار من جهة، وازدواج الإجراءات الإدارية والمالية (الضريبية).

شراكات كبرى

وحتى يستعيد القطاع الخاص في قطاع غزة حيويته، مستفيداً من الواقع الجديد بعد المصالحة، عليه تطوير ذاته، والبحث عن آليات وطرق عمل جديدة.

وقال مصطفى: صحيح أن شركات القطاع الخاص في غزة بحاجة إلى دعم، لكن عليها التخطيط للتعامل مع الواقع الجديد، وهذا يحتاج إلى عمل جماعي للبحث عن طرق جديدة للعمل المشترك، وتشكيل شركات كبرى قادرة على مواجهة أوضاع صعبة والصمود أمامها، وإيجاد نماذج جديدة للعمل لتقوية أوضاعها المالية والإدارية، والعمل بطريقة تضمن تنافسية عالية، فعلى سبيل المثال، هناك صناعة خشب ممتازة في غزة، لكنها بحاجة إلى ما هو أكبر من ورشة هنا وأخرى هناك".

في الاجتماع الأخير للهيئة العامة لصندوق الاستثمار، قبل نحو أسبوع، طلب الرئيس محمود عباس من الصندوق، ومن عموم رجال الأعمال، التوجه إلى قطاع غزة "فوراً" والبدء بتنفيذ مشاريع استثمارية هناك، والعمل على جذب مستثمرين من الخارج للمساهمة في تحقيق هذا الهدف.

وقال مصطفى: نحن كصندوق استثمار على ثقة بأننا نستطيع لعب دور مهم، فنحن معنيون بذلك، ومعنيون بوضع يدنا في يد القطاع الخاص للاستثمار في قطاعات إستراتيجية وتلك التي تتمتع بميزة تنافسية".

أولى الخطوات

أولى خطوات الصندوق في قطاع غزة كانت الإعلان عن بدء إنشاء صندوق بمليار دولار للاستثمار في غزة، تعهد صندوق الاستثمار الفلسطيني بضخ مساهمة أولية في الصندوق الجديد تبلغ 200 مليون دولار، وقال مصطفى: إن "فكرة الصندوق كانت وليدة اللحظة، فقد أردنا أن نأخذ مسؤولية المخاطرة على عاتقنا، وبعد إعداد الدراسات التفصيلية سنعرض الأمر على المستثمرين".

كذلك، قال مصطفى: إن صندوق الاستثمار بصدد توسيع برامج قائمة تعمل منذ سنوات في الضفة لتشمل قطاع غزة، كبرنامج "الأمل" للرهن العقاري، و"صندوق النمو" للاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى التخطيط لمشاريع إسكانية جديدة مماثلة لضاحيتي "الريحان" برام الله، و"الجنان" في جنين، والعمل مع "صناعات واعدة" هناك، كالصناعات الإنشائية والملابس والخشب.

وقال مصطفى: اتفقنا مع جمعية رجال الأعمال على إجراء دراسات لمشاريع محددة في هذه القطاعات. نحن معنيون بشكل كبير بالعمل مع القطاع الخاص، فلدينا التجربة والخبرة لعمل شراكات على المستوى المحلي والعربي والدولي".

وفد جديد إلى غزة خلال أيام

وتجري الاستعدادات لترتيب وفد كبير آخر من القطاع الخاص، يتوقع أن يصل إلى غزة في غضون الأيام القليلة القادمة، تقود تحضيراته شركة فلسطين للتنمية والاستثمار "باديكو"، كبرى المجموعات الاستثمارية في فلسطين.

وقال سمير حليلة، الرئيس التنفيذي لـ"باديكو": "اتفقنا مع الحكومة على الترتيب لوفد من رجال الأعمال لزيارة غزة، وأتوقع أن تتم الزيارة في غضون أيام".

وأضاف: أردنا أن يكون هناك وفد من قطاعات محددة، للبحث في تنفيذ مشاريع محددة.

"باديكو" إحدى الشركات التي بدأت تفعيل استثماراتها القائمة في قطاع غزة في الربع الأخير من العام الماضي، بعدما طال انتظار القطاع الخاص للمصالحة، فأعادت تفعيل منطقة غزة الصناعية، وأنجزت مشروعي فندق وشاليهات المشتل، وبدأت خطوات عملية لتنفيذ مشاريع في البنية التحتية، كالمياه ومعالجة المياه العادمة وتدوير النفايات الصلبة.

محطات تحلية وأخرى لتكرير المياه العادمة

وقال حليلة: أنهينا دراسة الجدوى لمشروع تدوير النفايات الصلبة في شمال غزة، وأرسلناها إلى مصر للتحليل وتلقينا النتائج، كما أنهينا دراسة أخرى عن سوق السماد العضوي (الذبال) في غزة، وسأذهب إلى القطاع هذا الأسبوع ومعي نتائج الدراستين، وفي حال وفّرت البلديات المعنية قطعة الأرض فسنوقع الاتفاقية رسمياً ونباشر تنفيذ المشروع".

كذلك، قال حليلة: إن "باديكو" تخطط لإنشاء محطات لتحلية المياه، بطاقة إنتاجية متواضعة لضمان السرعة في التنفيذ.

وقال: سنقوم خلال الأيام القادمة بزيارة إلى باريس لمناقشة إمكانيات إقامة محطات تحلية للمياه، بشكل سريع، مع إحدى المؤسسات الرائدة عالمياً في هذا المجال. اقتراحنا هو إقامة محطات بطاقة إنتاجية 7 - 8 ملايين متر مكعب سنوياً، وربطها بشبكة المياه في مختلف أنحاء القطاع، ونحن نعمل على هذا المشروع مع سلطة المياه وأطراف أخرى.

وأضاف: لدينا، أيضاً، اتفاقية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدراسة إنشاء مشروع لتكرير المياه العادمة في بيت لاهيا، إضافة إلى مشاريعنا القائمة هناك، مثل فندق وشاليهات المشتل، والمنطقة الصناعية.

ومن الواضح، أن جميع هذه المشاريع هي في قطاعات البنية التحتية، وهي قابلة للتنفيذ حتى دون إنجاز المصالحة، وقال حليلة: إن الشركة تتطلع إلى تنفيذ مشاريع جديدة أخرى، ولعب دور في إعادة إعمار القطاع".

جاهزية لتنفيذ مشاريع جديدة

لكنه اعتبر أن "الشروط العامة لإعادة الإعمار ما زالت غير جاهزة بعد، ونأمل أن يلقى الموضوع قبولاً سريعاً من الأطراف الدولية وتجاوباً من إسرائيل".

وأضاف: نحن جاهزون للتعامل مع أية خطة محدثة من الحكومة، أو أية مشاريع خاصة تقترح في قطاع غزة إذا توفرت التسهيلات المطلوبة لحركة البضائع.

كما أبدى استعداد "باديكو" للمساهمة في الصندوق المقترح للاستثمار في قطاع غزة "فمن حيث المبدأ نحن معنيون بأي جهد للاستثمار هناك. نحن لم نطلع على مقترح إنشاء الصندوق أو خطة عمله ولم يتم التشاور معنا، لكننا نتطلع بجدية واهتمام إلى هذا المقترح".

إحدى أبرز الشركات التي كانت ناشطة في قطاع غزة قبل سنوات كانت المجموعة العربية الفلسطينية للتنمية والاستثمار "ايبك"، خصوصاً في القطاعين الصناعي والتجاري، ونتطلع إلى أن يفتح اتفاق المصالحة الباب أمام إعادة إحياء نشاطها هناك.

تفعيل استثمارات قائمة

وقال طارق العقاد، رئيس مجلس إدارة "ايبك": "لدينا نشاط قائم في قطاع غزة، ولم ننقطع حتى في أحلك الظروف، حيث ما زالت اثنتان من شركاتنا تعملان هناك وهما: شركة التوريدات والخدمات الطبية (وكلاء أدوية وتجهيزات طبية)، ويونيبال للتجارة العامة (وكيل للعديد من العلامات التجارية العالمية في مجال الغذاء، والمنظفات، وأدوات العناية الشخصية، والسجائر).

وأضاف: قبل الحصار، كان قطاع غزة يستأثر بنحو 20% من نشاطنا، لكننا فقدنا معظم هذا النشاط، ونحن ندفع رواتب لمعظم كادرنا هناك دون عمل. نحن سعداء بالمصالحة التي انتظرناها لسنوات، لكننا ننتظر حتى نرى ما سيحدث على أرض الواقع".

ولدى "ايبك" استثمارات عديدة في قطاع غزة، تضم مخازن ضخمة للتبريد بمساحة 11 ألف متر مربع، وفروع لشركاتها: يونيبال للتجارة العامة، والتوريدات والخدمات الطبية، الشركة العربية الفلسطينية لمراكز التسوق (بلازا)، الشركة الوطنية لصناعة الألمنيوم والبروفيلات (نابكو)، وشركة سنيورة للصناعات الغذائية، يونيبال وسط وغرب إفريقيا، وشركة سكاي للدعاية والإعلان والعلاقات العامة، وقال العقاد: إن مجلس إدارة المجموعة اتخذ قراراً ببناء منشآت جديدة للشركة الفلسطينية للسيارات "هيونداي" في القطاع.

وأضاف: نحن جاهزون لتفعيل استثماراتنا لذلك بشكل فوري عندما تتاح لنا الفرصة، لكننا ما زلنا نتخوف من نوايا إسرائيل، إذ لا يعقل أن معظم طاقمنا في الضفة غير قادر على زيارة منشآتنا في قطاع غزة.

كذلك، فإن "ايبك" إحدى أكبر المستثمرين في محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة، وقال العقاد: إن مجلس إدارة الشركة قرر مضاعفة الطاقة الإنتاجية للمحطة "لكن هذا بحاجة إلى مولدات ضخمة وكوادر فنية من الخارج، وهذا غير ممكن في ظل السياسة الإسرائيلية الحالية".

وبلغ إجمالي مبيعات شركات "ايبك" في 2010 حوالى 338 مليون دولار، ويتوقع أن تصل إلى 400 مليون دولار خلال العام 2011، وقال العقاد: "بالتأكيد هذا الرقم سيرتفع إذا فتح قطاع غزة أمام حركة البضائع، فهو يحتوي على ثلث سكان

الأراضي الفلسطينية، وهو محاصر منذ سنوات، وبحاجة إلى استثمارات ضخمة، ونحن جاهزون للقيام بدورنا هناك، ونحن نتطلع إلى الدخول إلى القطاع بكل قوة، وبشكل فوري، لكن تجربتنا مع الاحتلال عبر السنوات الماضية لا تبشر بخير".

آمال بإحياء المطار والميناء

منذ سنوات، عبر القطاع الخاص عن رغبته في مشاركة الحكومة بتنفيذ مشاريع إستراتيجية ضخمة في قطاع غزة، كالميناء، وإعادة تأهيل المطار، وأن يسمح اتفاق المصالحة بإعادة إحياء هذه المشاريع، إضافة إلى مشروع تطوير حقل الغاز قبالة سواحل القطاع.

وفي هذا السياق، يرى مصطفى ضرورة إنشاء "برنامج شراكات" بين الحكومة والقطاع الخاص لتنفيذ هذه المشاريع، "فإذا كنا نتحدث عن إعادة تأهيل قطاع غزة اقتصادياً ليكون جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقلة، فلا بد من إعادة تأهيل البنية التحتية".

الجهاز المصرفي في حالة تأهب

عودة الحديث بقوة عن إعادة إعمار قطاع غزة، والحراك الذي يشهده القطاع الخاص، أنعشت الآمال بعودة قوية للجهاز المصرفي إلى القطاع، بعدما تراجع نشاطه إلى أقل من 15% فقط مما كان عليه قبل العام 2006.

وقال مصرفي رفيع، فضل عدم ذكر اسمه: إن هناك عدة أسباب لتفاؤل الجهاز المصرفي فيما يتعلق بعودة نشاطه إلى المستوى الطبيعي في قطاع غزة، "فهناك أكثر من 5ر1 مليون مواطن محرومون من أبسط مقومات الحياة، والتغيير في واقع الحصار يعني انتعاشاً كبيراً للتجارة، كما أن إعادة إعمار القطاع تعني بناء عشرات آلاف الوحدات السكنية وتأثيثها، وإعادة بناء وتشغيل مئات المنشآت الاقتصادية، وربما انتعاش في حركة السياحة على شواطئ غزة. كل هذا بحاجة إلى تمويل وإعادة تمويل بمبالغ ضخمة من الجهاز المصرفي".

وأضاف: كل القطاعات الاقتصادية تطمح للحصول على دور في إعادة إعمار القطاع، كما يأمل المنتجون في الضفة أن يستعيدوا جزءاً مهماً من سوقهم في القطاع . إعادة فتح قطاع غزة تعني استعادة ثلث السوق الفلسطينية".

وتابع: منذ العام 2006، تراجع النشاط المصرفي بأكثر من 85%، فهي لا تقوم بأية عمليات تمويل أو إقراض، وهي فقط قناة لصرف رواتب الموظفين. جميع البنوك تتطلع الآن إلى الحصول على حصة في قطاع غزة، وقد بدأت فعلاً تهيئة نفسها للعودة إلى هناك.

لكن المصرفي أكد أن "تحقيق كل هذه التطلعات مشروط بقبول دولي للمصالحة والحكومة الجديدة".