خبر مع بنيامين أوباما وباراك نتنياهو..علي عقلة عرسان

الساعة 02:48 م|27 مايو 2011

مع بنيامين أوباما وباراك نتنياهو..علي عقلة عرسان

 

يزعم بعض الصهاينة والأميركيين والعرب أن هناك خلافاً بين أوباما ونتنياهو حول تفاصيل تتعلق بقضية فلسطين، يرقى إلى مرتبة صراع بين الرجلين، انتصر فيه نتنياهو على أوباما في عقر داره، أمام مجلسي الكونغرس الأميركي وإيباك. وقد تبينت الانتصار الصهيوني ولم أتبين نقاط الاختلاف الجوهرية بين الرجلين بمقدار ما تبين لي كم أصبح أوباما قريباً من الصهيونية وإسرائيل إلى الحد الذي يجد فيه أن مصلحته تقتضي السير في اتجاه يرى أنه يخدمها أكثر مما يخدمها الاتجاه الذي يختاره نتنياهو.. وإذا كان ذلك نوع من صراع فهو داخل البيت الواحد لخدمة ذلك البيت وحده، ولإظهار الولاء أمام أفراد الأسرة الواحدة "من الناخبين لكسب ودِّهم وتأييدهم أكثر منه تعارض جوهري بين وجهات نظر استراتيجية تستند إلى مبدئية وتعلق بالحقوق والعدالة والقيم وما شابه ذلك، مما يتصل على نحو ما بمواقف متناقضة من قضية الشعب الفلسطيني العادلة ومعاناته الطويلة.. إنه في جوهره حرص على أن تبلغ إسرائيل كل أهدافها المعلنة على لسان نتنياهو أو سواه، وأن تأمن وتتوسع وتهيمن وتأخذ القدس والمستوطنات وتبعد سكان المثلث والجليل العرب، وتتنكر لحق العودة الفلسطيني الذي قال نتنياهو " هو بمثابة خيال"، وذلك وفق تكتيك مختلف، تكتيك أكثر ملاءمة سياسياً ودولياً وواقعياً لتحقيق المطلوب عالمياً، وأبلغ وأبعد مدى في ضمان النتائج والتعاطف الدولي وإضعاف الخصوم العرب.

وقد بدا لي أن أوباما أقدر على خدمة استراتيجية " إسرائيل" التوسعية العنصرية العدوانية من نتنياهو، لأن الثاني يتصرف بحمق وعنجهية مستنداً إلى قوة جيش الاحتلال والتصفيات المعنوية والمادية لأبناء الشعب الفلسطيني ولقواه الحية، أما الأول أوباما فينهج نهجاً سياسياً ويسخر أدوات دبلوماسية وإعلامية، ومكانة الولايات المتحدة الأميركية وتحالفاتها وعلاقاتها وإمكاناتها كافة في خدمة "إسرائيل"، ويلوح من خلف ذلك بالقوة العسكرية التي لا يمكن أن تكون غائبة أو محايدة أو ساكنة في موضوع إسرائيل وأمنها وتفوقها..إلخ إنه يميل إلى استخدام ذلك كله بصمت من دون فرقعة إعلامية وعاطفية، لتأتي الأمور كلها في صالح "إسرائيل" ومشروعها اليهودي ـ التهويدي الكبير من جهة، وبما يرضى الشعب الأميركي عن رئيسه ويمكِّنه من تجديد انتخابه لرئاسة ثانية، من جهة أخرى.

بعد عودته من واشنطن وصف نتنياهو زيارته بقوله: "الزيارة كانت هامة. وجدنا فيها تأييدا أمريكيا واسعا لمطالب إسرائيل الأساسية وأولا وقبل كل شيء الاعتراف بدولة إسرائيل بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي، والحاجة إلى حدود آمنة والتنكر التام لحماس"، وهذا كله وأكثر منه ورد في خطاب أوباما الذي سبق خطاب نتنياهو أمام مجلسي الكونغرس وإيباك، فما الذي اختلف فيه الرجلان أحدهما عن الآخر يا ترى، ويرقى بنظر البعض إلى درجة الصراع بينهما؟! قد يكون أوباما "الشخص" من الداخل غير مرتاح لأسلوب نتنياهو "الشخص" من حيث التصرف والغطرسة والسلوك وحتى التطاول، ولكن المسؤولَين، الأميركي والصهيوني، أكثر من متفقين سياسياً، وهما يلتزمان تنفيذ سياسة يفرضها العنصريون المتطرفون الأميركيون والصهاينة حيال العرب والمسلمين عامة، وحيال قضية فلسطين خاصة. وعلينا أن نتذكر أن قوة اللوبي الصهيوني " إيباك وسواه" لا تساوي شيئاً حيال قوة أتباع الكنيسة "المسيحية اليهودية" أو الصهيونية الذين يتجاوز عددهم الثمانين مليون أميركي متطرف يؤيدون " إسرائيل والتطرف الصهيوني، عدا عن نفوذهم الواسع هم واليهود في مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام وأماكن صنع القرار السياسي الغربي والصهيوني كله.

لقد ابتلع الرئيس الأميركي أوباما مواقفه ووعوده السابقة من موضوع الاستيطان الذي كان يصرح بأنه عقبة في طريق السلام، وتراجع عن القرار 242 الذي أقرته حكومته، وهو قرار يقضي بانسحاب إسرائيل التام من الأراضي التي احتلتها بعد الرابع من حزيران 1967، كما تراجع  عن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 194 لعام 1948 الذي يضمن حق العودة والتعويض للفلسطينيين الذين شُردوا من وطنهم وفي وطنهم منذ 1948، وعن القرار رقم 181 لعام 1947 الذي أنشأت الأممُ المتحدة بموجبه دولةَ الكيان العنصري الصهيوني إنشاء مشروطاً بقيام دولة فلسطينية على 46% من أرض فلسطين التاريخية ـ على ما في ذلك كله من إجحاف بحق الشعب الفلسطيني والحقوق الوقفية الإسلامية في القدس خاصة وفلسطين عامة ـ وأخذ أوباما يعارض وحدة الشعب الفلسطيني، وحدة فتح وحماس، ويصفها بأنها عقبة في طريق السلام، بعد أن كان يقر الإسرائيليين حين يقولون إن الخلاف بين فتح وحماس لا يبقي على شريك فلسطيني نفاوضه.. مبدياً تفهمه لمواقف إسرائيل من حماس " الإرهابية وفق تقييمهم" بينما يتغابى عن فهم مواقف وزير خارجية الكيان لصهيوني أفيغدور ليبرمان وكل الصهاينة الذين هم على شاكلته الإرهابية البشعة، من الشعب الفلسطيني الذي يعملون على إبادته بكل الوسائل.. كما أخذ يعارض لجوء الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة لعرض قضيتهم على المنظمة الدولية التي أنشأت على أرضهم كياناً عنصرياً بغيضا هو "إسرائيل"ً، بهدف الاعتراف بدولة لهم على أرضهم، ويرى في الأمم المتحدة مكاناً غير ملائم لحل الصراع.. بعد أن مضت عقود من الزمن، استحوذت خلالها الولايات المتحدة الأميركية على أوراق الحل ومفاتيحه وعطلته، بينما سمحت خلالها للكيان الصهيوني بفرض واقع استيطاني توسعي جديد على الأرض في القدس والضفة الغربية، يقولون عنه اليوم: " إنه واقع لا يمكن تجاهله." مما يقتضي عدم عودة الكيان الصهيوني إلى حدود الرابع من حزيران 1967؟!

لقد حول الرئيس أوباما مسألتي القدس وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى موضوع وجداني، وفق تصريح له في لندن:" القدس واللاجئون هما موضوعان جد وجدانيين" يتعلقان بالهوية القومية للطرفين، ويجب أن يحلا بالمفاوضات بين الطرفين.".. وهكذا أدخل الحق الفلسطيني المشروع والمشمول بالقوانين الدولية والبعد التاريخي في متاهة الوجدانيات وحوله إلى قضية "وجدانية مشتركة" تحل بالتفاوض بين الضحية والجلاد، بين مجردين من السلاح والقوة ومدججين بكل أنواع السلاح والقوة والدعم الأميركي ـ الغربي خاصة والدعم الدولي عامة؟! الرئيس أوباما " يعتقد بأن الأمم المتحدة لن تكون المكان الذي تقوم فيه دولة فلسطينية.. ويقول: "السبيل الوحيد الذي سنرى فيه إقامة الدولة الفلسطينية هو إذا اتفق الإسرائيليون والفلسطينيون على سلام عادل"؟! ألأ يدخل هذا في باب التنكر العجيب الغريب لمؤسسة دولية أنشأت الكيان الصهيوني، ولها قرارات تتعلق بالشعب الفلسطيني وقضيته، وتلجأ إليها الأمم أو ينبغي أن تلجأ إليها، لتحل المشكلات والأزمات المستعصية!؟.

لقد اعتاد الرئيس الأميركي كما اعتاد رؤساء أميركيون سابقون على جعل المؤسسات الدولية أدوات تخدم سياساتهم واستراتيجياتهم ومصالحهم ومصالح حلفائهم، لا أكثر ولا أقل.. ولم يسأل الرئيس الأميركي نفسه عن معنى السلام العادل، والقوة الأعظم، وعن دور القوانين والمؤسسات الدولية وقيمتها، ولم يراجع مفاهيمه التي كانت له على الأقل، وما طرأ عليها من تبدل وتحول، منذ ترشح للرئاسة الأولى حتى بداية حملته الانتخابية للرئاسة الثانية؟!

يؤسفني أنني لم أعد أفرق تفريقاً يذكر بين باراك بيبي، ولا أجد بأساً من القول بأن باراك نتنياهو وبنيامين أوباما وجهان لعملة واحدة، ومسؤولان يتداخلان بشكل عجيب ومريب.

أما عن شأننا نحن مع هؤلاء العنصريين، بعد كل السنوات العجاف التي مرت والأثمان الفادحة التي دفعناها: دماً ودماراً ومعاناة وتمزقاً مكلفاً.. فهو شأن محزن ومخزٍ.. وإذا ما بقينا على وضع التبعية والتخاذل والاستجابة المطلقة لكل ما يطلبون، فإننا لن نحصل على شيء من حقنا، وسوف نستباح أكثر ويذهب ما تبقى في أيدينا من أرض وحق.. إنهم لا يتورعون عن الإعلان عن نواياهم وبرامجهم، ويصرحون بادعاءاتهم الكاذبة المريضة النابعة من جهل مطبق وتزييف محكم للتاريخ والوقائع يزري بالعقل والمنطق والحقائق التاريخية والوقائع.. ومن ذلك قول الكذاب الأشر بنيامين نتنياهو أمام مجلسي الكونغرس إن فلسطين أرض أجدادهم منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة"؟! وهو يدرك أو لا يدرك أن توارته تذكر أن العرب الكنعانيين، الذي هم نحن ونحن ورثتهم عبر التاريخ، ومن اعتنق الإسلام حين جاء، نحن الذين عمرنا البلاد وأنشأنا القدس وكنا في فلسطين التاريخية التي هي جزء من سورية الطبيعية، بلاد الشام، أرض الكنعانيين العرب، كنا وفعلنا ذلك منذ ألاف السنين يسجل التاريخ المكتوب أنها أربعة آلاف سنة قبل الميلاد.. وأنا نحن من بنى القدس اليبوسية، واستضاف إبراهيم الخليل عليه السلام وأعطاه مغارة "المكفيلة" ليدفن سارة فيها، وهو إبراهيم الخليل أبونا نحن أبناء إسماعيل من هاجر، والأب الروحي للإسلام وأول الموحدين، فما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً بل حنيفاً مسلماً، وأقام بيننا في خليل الرحمن بعد خروجه من "أور" وسكناه مكة، وإقامته البيت العتيق فيها مع إسماعيل الذي افتداه الله بذبح عظيم.. وأننا نحن العرب الكنعانيين المسلمين اليوم، أهل البلاد التي نشأ فيها من نشأ وأقام فيها من أقام من قبائل العرب التي لم تغادرها مطلقاً ومن غيرهم من أقوام غازية مرت على الأرض وطواها النسيان.. نحن أهل البلاد الأصليين، أل فلسطين، وهم الدخلاء عليها حتى مع غزو يوشع بن نون، وبقاء دولة يهودية أقامها داود وسليمان لمدة تقارب سبعين سنة لا أكثر ولا أقل ـ 993 ق ب 923 ـ لا تؤسس لحق ولا تصنع تاريخاً وليس لها من أثر في الآثار..نحن أهل البلاد التي لا يمكن أن تُستعاد إلا كما أخذت.. بالقوة والتضحية والتصميم.

        يقول العنصري الصهيوني سلفان شالوم، بعد ما كان من كلام نتنياهو وأوباما ومواقفهما الأخيرة:"البلاد بلادنا. نحن لسنا محتلين هنا – بل مالكين. الأفعال على الأرض هي التي تقرر الحدود في البلاد. البلدات كلها يجب أن تنمو وسنواصل تنمية الاستيطان". هذا هو بالذات المنطق الذي ينبغي أن يستوعبه ويرد عليه الفلسطينيون والعرب، وبالطريقة التي يفهمها شالوم ونتنياهو وليبرمان وغيرهم من عصابات الإرهاب.. البلاد بلادنا نحن العرب، ونحن من يتصرف بها، ومن لا حق ولا وجود لأحد سواه فيها. وإذا لم ينفع اللجوء إلى الأمم المتحدة ـ وهو ما نحث عليه لمجرد التذكير بالحق وتعرية الخصوم ـ على الرغم من أنه لجوء العاجزين الذين يتنازلون عن أكثر من 74% من حقهم وأرضهم، هذا إذا استمع المجتمع الدولي لهم واستجاب لمطالبهم.. إذا لم ينفع اللجوء ولن ينفع، فإن الاستعداد للتحرير هو الأساس والمخرج والمفتاح الذي نفضي بواسطته إلى عصر جديد فيه أمن وكرامة وعدل وحرية حقيقية، وأساسه وقوامه امتلاك قوة بالمعنى الشامل للقوة، علمية وتقنية وثقافية ومعرفية واقتصادية وعسكرية.. إلخ، واستعمالها بمسؤولية أخلاقية وإنسانية، وحنكة ووعي وعدل هو أساس الإيمان الناضج الصحيح.

إن الشعب العربي اليوم يصنع التغيير ويبشر بما هو أكثر من تغيير أنظمة الحكم وأشخاص الحكام.. إنه يصنع تغييراً يبشر بما يشمل تحديث العقل والثقافة والمنطق والسلوك والخيارات المبدئية، وأساليب التعامل مع مقومات الوجود والهوية وحقائق وحدة الشعب والأرض والمصير.. ويأتي على رأس ذلك كله ما يتصل بنظرته إلى قضية فلسطين بوصفها قضية تقرير مصير شعب، واستعادة حق تاريخي، بكل الوسائل الممكنة، وبنظرته إلى الصراع العربي الصهيوني بوصفه صراع وجود وليس نزاعاً على حدود كما أراد له بعض الساسة العرب الذين تخاذلوا وتآمروا أن يكون، وقايضوا على الأمة وأرضها وحقوقها، لكي يبقوا في سدة الحكم بعض الوقت بينما تهلك الأمة ويموت الحق ويعاني البشر.؟! إنها مرحلة استعادة الوعي والثقة والمبادرة من جهة، واستعادة القضية المركزية لنضال العرب الحديث لمكانتها، ووضعها في موقعها الصحيح، بعد سنوات البؤس السياسي التي ألحقت بالقضية الفلسطينية والأمة العربية وبالقيم والمعايير والأخلاق، وبالعباد والبلاد، الكثير من الذل والخذلان والإحباط والتبعية وما يرقى في الوصف إلى درجة البؤس الروحي والانحطاط العام.. لكن الشباب العربي اليوم يصنع الأمل، ويجدد الرؤية والالتزام والموقف المبدئي والروح ويستعيد الثقة والإيمان.. ليس بالله تعالى وبتعاليم الإسلام فذلك لم يتزعزع إلا في أنفس لم يدخلها الإيمان بصدق أصلاً، وإنما بالحق والعدل والحرية والأمة العربية والشعب الذي يصنع المعجزات، وبالقوة والإرادة الحرة والتصميم والتضحية التي هي طرُق الخلاص وأبواب الجهاد والاجتهاد.. لنكون نحن أصحاب القول الفصل في وطننا ومنطقتنا وقضايانا، وليس بنيامين أوباما أو بارك نتنياهو.

 

وإن غداً لناظره لقريب.