خبر دولتان في هذه الأثناء- هآرتس

الساعة 09:17 ص|27 مايو 2011

دولتان في هذه الأثناء- هآرتس

بقلم: اوريئيل أبولوف

محاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة تل ابيب

ما العلاقة بين الخير والشر؟ كان للفيلسوف الامريكي جون رولز فكرة تطورت كعادة الفلاسفة لتصبح تمرينا تفكيريا: لنتخيل أنفسنا في "نقطة بدء التكوين"، من وراء حجاب جهل، من غير أن نعرف من نحن وما هو موقعنا في الحياة – أثرياء أم فقراء، يابانيون أم اسرائيليون أم صوماليون. اعتقد رولز أننا من غير ذلك العلم المسبق ستحركنا جميعا المخاوف والآمال أنفسها، وسنخلص الى استنتاجات مشابهة في شأن الحلول العادلة لمشكلاتنا. ربما حان وقت القاء الشعبين وراء حجاب الجهل وأن نتساءل: من غير ان نعلم هل ننهض يهودا أم عربا صباح الغد، أي مخرج سياسي سنختار اليوم، وأي عالم سياسي نطلب أن نخلص اليه من خلال حجاب الجهل؟.

ليست هذه تجربة سهلة ولا سيما عندما تكون الفروق بين شعب وشعب أكبر احيانا من الفروق بين شخص وشخص. هذا هو مصير اليهود الاسرائيليين والعرب الفلسطينيين الذين تجعل صلتهم المختلفة بالارض هاوية سياسية تفغر فاها بينهم. تقول وثيقة الاستقلال: "في ارض اسرائيل نهض الشعب اليهودي"، فيها لا منها – أما الارض بالنسبة للفلسطينيين فهي هي التي تنشيء الهوية؛ والتخلي عن أجزاء منها فضلا عن أكثرها أصعب بأضعاف مضاعفة.

من هنا ينبع التضليل في فكرة الدولة الواحدة: فهي من جهة نظرية تماما – لانه لا احتمال في المستقبل القريب لأن تنشأ دولة ثنائية القومية لان "دولة واحدة" ستكون بالضرورة تقريبا عربية، ولهذا ستثير منذ البدء معارضة مطلقة من قبل اليهود؛ ومن جهة اخرى هي عملية حتى النهاية لا بسبب الواقع الذي أخذ ينشأ على الارض بعد أكثر من اربعين سنة احتلال بل لانها ما تزال تجسد أشواق القيادة الفلسطينية وجزء كبير من الجمهور الفلسطيني.

يجب على الفلسطينيين في ظاهر الامر ان يعرضوا وجها "عمليا"، وأن يؤيدوا حل الدولتين لكنهم في واقع الامر مقيدون بضرورة "الدولة الواحدة"، ولهذا لا يعارضون فقط الاعتراف باسرائيل باعتبارها دولة يهودية بل حتى نهاية عبارة "دولتين للشعبين". أصبحت القضية في السنين الاخيرة أكثر الألغام انفجارا في طريق السلام فضلا عن الاختلافات في قضايا القدس والحدود ومستقبل المستوطنات والدولة المنزوعة السلاح. فما الذي تستطيع اسرائيل والفلسطينيون والولايات المتحدة فعله؟.

يجب على قادة اسرائيل ان ينشئوا واقعا جديدا بدل الشكوى من الواقع الراهن. فبدل ان يكشفوا عن معارضة الفلسطينيين الاعتراف باسرائيل باعتبارها دولة يهودية وينددوا بذلك، يجب على نتنياهو أن يجند قدراته الدعائية لاقناع الجمهور الأشد تحديا من الجميع – الجمهور الفلسطيني. يجب ان يتجه اليه مباشرة ويُبين له موقف اسرائيل. ليست هذه مهمة غير ممكنة. فاستطلاعات رأي عام تدل على زيادة متواصلة في نسبة الفلسطينيين المستعدين لحل دولة يهودية ودولة فلسطينية. وقد يتبين ان العودة الى خطاب 1948 مثل عنزة ستنتج الحلوى. في النهاية، قرار الامم المتحدة 181، الذي اتكلت عليه منظمة التحرير الفلسطينية يرشد الى تقسيم البلاد الى دولة يهودية ودولة عربية. وقد يعود القرار ليصبح قاعدة التسوية المبدئية مع تعديلات مناطقية.

في مقابل ذلك يجب على القيادة الفلسطينية ان تكف عن استلاب الرأي المزدوج نحو اسرائيل ونحو الشعب الفلسطيني ومعاودة الدعوة الى انشاء دولة واحدة على أساس مساواة تامة بين اليهود والعرب بين النهر والبحر. كان التخلي عن حل "الدولة الواحدة" براغماتيا في ظاهر الامر فقط. إن تلك "السياسة الواقعية" جعلت الحركة الوطنية الفلسطينية تكذب على نفسها كذبا أصبح مكشوفا للجانب اليهودي الاسرائيلي منذ أُثير (ورُفض) الطلب الصريح بالاعتراف بحق الشعبين في تقرير المصير.

هاتان توصيتان متناقضتان في الظاهر، لكن الواحدة تتمم الاخرى في الواقع. لن تحظى الدعوة الفلسطينية القديمة الجديدة بموافقة اسرائيل في الحقيقة، لكنها ستُتلقى باعتبارها نقطة بداية صادقة للتفاوض قد تعرض مخرجا جديدا من الورطة – أي توجها يعاكس فكرة التسوية البينية: فبدل "دولة واحدة ونصف" (اسرائيل والمناطق) قبل التسوية الدائمة للدولتين للشعبين، يكون الاتفاق على حل الدولتين باعتباره تسوية بينية تُعرض – بعد سنين – لاختيار من جديد في استفتاء شعبي مشترك. وبعد عشرين سنة يبت مواطنو الدولتين على نحو مشترك هل يريدون الحفاظ على التقسيم أو الاتحاد في دولة واحدة. تدل ظروف البداية والتجربة التاريخية على ان التقسيم سيظل على حاله لكن من ذا يكون حكيما عالما.

في النهاية يجب على الولايات المتحدة ان تمنح المسارين دعما اخلاقيا وعمليا، وان تشمل في ذلك – كما فعل اوباما في خطبته الاخيرة – حق تقرير المصير باعتباره مبدءا موجها لحل الصراع، وهذا هو البرنامج المشترك بين كل تسوية وراء حجاب الجهل.