خبر عندما تقول « لا ».. معاريف

الساعة 09:58 ص|25 مايو 2011

بقلم: بن كسبيت

(المضمون: كانت رسالة نتنياهو المركزية أمس انه "لا شريك" فلسطيني. يعلم رئيس الحكومة ان لا فلسطيني في العالم يقبل الشروط التي عرضها وانها ستغضب براك اوباما. كان الهتاف في مجلس النواب عاليا لكن الرئيس الامريكي هو الذي يقرر السياسة - المصدر).

لم تكن تلك خطبة حياته ويُشك في أن تكون. فلا  أحد في العالم سيغير علاقته ببنيامين نتنياهو في أعقاب هذه الخطبة. ولا أحد سيغير علاقته باسرائيل على أثر هذه الخطبة. ولن تنشأ مسيرة سلام على أعقاب هذه الخطبة (أما الحرب فربما نعم). ولم يُعرض مخطط سلام في هذه الخطبة.

من جهة ثانية، قوي الائتلاف وتشجع اليمين وزاد عدد نواب الليكود (في استطلاع "معاريف – تلسكير" البارحة). تأثر جزء كبير من الجمهور الاسرائيلي بهذه الخطبة، وبحق. فقد كانت خطبة جيدة، عُرضت بطريقة لامعة، مع جميع الحيل والألاعيب الدعائية، والذُرى في الاماكن الصحيحة. بل ان الصيحة البينية الوحيدة التي أُطلقت في جو القاعة أصبحت مريحة لبيبي الذي كان أمس في أحسن حالاته. كان مُركزا وقوي الحضور وواثقا بنفسه. وخطابته ليست أمرا جديدا فهو عارف بها. الكلام هو جانبه القوي ولا سيما بالانجليزية وخاصة إزاء جمهور منزلي هاتف. اجل، كان لنتنياهو أمس في مجلس النواب الامريكي مساء كله نصر. كان نصرا شخصيا كاسحا. فماذا عن المستوى القومي؟ حسن، يتعلق الامر بمن تسألون ومن أي جهة تنظرون وما الذي تخافون. فالخائفون من السلام حصلوا أمس على مطلوبهم. والخائفون من الحرب سيخافون أكثر منذ اليوم.

كانت رسالة نتنياهو المركزية أمس حادة واضحة: لا شريك. نحن خاصة نريد مسيرة سلام، لكن لا يوجد من نصنعه معه.

أدخل نتنياهو يده في قفاز حريري وحقن مسيرة السلام المحتضرة باليد نفسها حقا حقنة الموت. والجزرة التي عرضها جزرة ضئيلة جدا. والعصا التي أمسكها باليد الثانية هراوة ضخمة. وقد قدّم في الشأن الايراني عنوانا صحفيا رئيسا مدويا لا يحتمل اللبس. فقد قال بيبي للامريكيين اذا لم تعالجوهم فسنعالجهم نحن. هذا دفاع عن النفس ولن يكون لاسرائيل أي تردد حينما يحين الوقت. سيستعمل نتنياهو هذه الخطبة باعتبارها سندا عندما يأمر بهجوم على ايران اذا استجمع الشجاعة وأمر. وسيقول آنذاك للامريكيين: "قلت لكم لكنكم تجاهلتم".

يعلم نتنياهو على نحو ممتاز ان الشروط التي اشترطها أمس لمسيرة السلام هي عدم بداية مطلق، لا فلسطيني في العالم يقبله، ولا دولة عربية في العالم تؤيدها ولا أحد في اوروبا ينظر اليها بجدية، وأن براك اوباما سيغضب منها فقط. يجب ألا نتأثر بالهتاف في مجلس النواب. فالرئيس هو الذي يقرر سياسة الولايات المتحدة. ومجلس النواب يؤيد دائما رئيس حكومة اسرائيل. يكون ذلك احيانا بسبب عينيه الجميلتين واحيانا بسبب سياسته وهذه امور تتغير. وما لا يتغير أبدا حقيقة ان المال اليهودي (لا الصوت اليهودي) هو الذي يحرك عجلات حملة أكثر المشرعين الامريكيين. كذلك الاغراءات المشار اليها التي أقامها نتنياهو باعتبارها حافزا تأتي من عالم مفاهيم قديم كان ذات مرة. وأصبح العالم في مكان مختلف تماما. في واقع جديد. ما يزال نتنياهو يحارب الحرب القديمة. الجميع يتقدمون وبيبي ايضا، لكن بايقاع مختلف تماما. فالعالم يطير وهو يسير.

قال نتنياهو "لا" مدوية لاوباما أكثر من الجميع. وتلقى مخطط الرئيس الذي عُرض في الاسبوع الماضي صفعة مجلجلة اخرى منه. أومأ الى أنه "سيكون سخيا" اذا اعترف الفلسطينيون بدولة يهودية، وأومأ الى أنه سيوافق على ان تبقى مستوطنات اسرائيلية وراء الخط (وصدق بذلك "نظرية الجيوب" خاصته التي كُشف النقاب عنها في "معاريف" قبل شهور كثيرة وتبناها في المدة الاخيرة الرئيس شمعون بيرس). وقد غمز وجعلنا نفهم وتضمن كلامه انه قد يكون في ظروف ما اذا وجدت حلول خلاقة وأصبحت الكتل كبيرة من جهة السكان صغيرة من جهة المساحة، ان تكون المساحة التي سيحصل عليها الفلسطينيون مساوية، أو تُذكر على نحو ما بسعة المساحة التي كانت لهم قبل 1967. هذا فرح شيخوخة الفلسطينيين. يجب كي يفوا بجميع شروط نتنياهو المسبقة ان يكونوا اسكندنافيين وليسوا كذلك.

ما الذي يعتقده الجمهور؟ بحسب استطلاع النواب البرلمانيين، بيبي يقوى. ليس كثيرا لكنه ما يزال يقوى. يزداد الليكود اربعة نواب، وينخفض كديما بثلاثة (27 – 30). وبالمناسبة لا يجتاز اهود باراك نسبة الحسم. مُحي من الخريطة السياسية. ومن جهة الملاءمة لرئاسة الحكومة لا يوجد تغيير ذو شأن. فنتنياهو يتقدم على لفني بفرق ضئيل. أما المعطى الأكثر ادهاشا فهو العدد القليل من اولئك الذين يعتقدون ان باراك يلائم ان يكون رئيس حكومة (أقل من 3 في المائة – لا أذكر رئيس حكومة سابقا في وضع كهذا).

بعبارة اخرى عدد الناس الذين يعتقدون ان ليبرمان يجب ان يكون رئيس حكومة في اسرائيل أكبر بأربعة أضعاف من اولئك الذين يؤيدون باراك. وفي مقياس الرضى عن نتنياهو لم يتغير الوضع كثيرا.     فـ 42 في المائة راضون في الحاصل العام، و56 في المائة غير راضين. هذا سلبي لكن مستقر. في الاستطلاع السابق كان عدد الراضين مساويا في حين كان عدد غير الراضين أقل. ومن جهة ثانية تضعف لفني ايضا في هذا المجال بحيث نتحدث عن تعادل.

المعطيات الأكثر إثارة ترجع للسؤال الذي تناول تفصيلات "مبادرة اوباما". سُئل المشاركون في الاستطلاع ماذا كان يجب على نتنياهو ان يرد على مخطط اوباما كما عُرض في خطبته في الاسبوع الماضي. اعتقد 10 في المائة انه كان يجب ان يرد بـ "نعم". واعتقد أكثر من 36 في المائة انه كان يجب عليه ان يرد بـ "لا". واعتقد نحو من 47 في المائة انه كان يجب عليه ان يرد بـ "نعم، لكن". وفي الحاصل العام اولئك الذين يعتقدون "نعم" مع اولئك الذين يعتقدون "نعم، لكن" يبلغون نحوا من 57 في المائة. وهي أكثرية كبيرة. وتذكرون ان نتنياهو رد بـ "لا" أو بالقدر الأقصى، "لا، لكن". يتبين ان الجمهور يفضل توجه شارون كما مثّله عرض خريطة الطريق.

اعتقد شارون آنذاك انه يفضَّل ان يُقال للامريكيين "نعم، لكن" من ان يُقال "لا، لكن". لماذا نؤكد الفاصل؟ يفضَّل ان ندع الطرف الثاني يقول لا. فضل نتنياهو يوم الجمعة في الغرفة البيضوية الخروج لمواجهة معلنة مع اوباما استمرت أمس ايضا وان يقول له "لا" مدوية. ويتبين ان الجمهور لا يحب هذا تماما. يوجد كما يبدو غير قليل من الناس سبب لهم اجراء نتنياهو (الشجاع جدا) فخرا، لكن يمكن في نفس الوقت ان نقول ان هناك قلقا كبيرا الى جانب الفخر.

انقضت مرحلة الخطب. انتهى اسبوع ثرثرة وسيعود بيبي الى البيت متوجا بالمجد. أُقدر أن يزول عن عنقه عبء ثقيل. لاول مرة منذ تم انتخابه أزال الغموض ووقف على منصته. استوعب بنيامين نتنياهو انه رئيس حكومة يمين في اسرائيل ويسلك بحسب ذلك. ويجب ألا نوجه عليه الدعاوى بسبب ذلك. فقد فاز اليمين في الانتخابات الاخيرة ومن حقه ان يحقق سياسته ما لم يحاول التنكر بزي اليسار. الائتلاف مستقر، واستطلاعات الرأي مشجعة والنماء مستمر والحدود هادئة (نسبيا). يمكن الاستمرار في التلذذ بحياتنا الجميلة هنا. بعد قليل سيأتي الصيف وبعده ايلول. ماذا سيكون بعد ايلول؟ حرب أو جلبة أو مجرد تشرين الاول. لننتظر ونرى.