خبر 25 أيار.. من تحرير الجنوب اللبناني إلى تحرير فلسطين

الساعة 12:29 م|24 مايو 2011

25 أيار.. من تحرير الجنوب اللبناني إلى تحرير فلسطين

في الذكرى الحادية عشر لتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني، في أيار 2000،

لا بد وأن نستعيد أهمية هذه الملحمة المشرقة التي شكلت محطة مهمة في تاريخ عالمنا العربي والإسلامي، في معركته ضد الظلم والاحتلال والتبعية والاستكبار العالمي.

يحاول البعض في وطننا العربي التقليل من أهمية هذا الحدث وحصره في حدود لبنان، البلد الصغير، لمنع دراسته واستخلاص العبر باتجاه تحرير فلسطين والامة العربية والاسلامية من العدوان والنهب كما يحاولون تفسيره بما يسمونه "الخصوصية اللبنانية" لكي تبقى المقاومة والتحرير ضمن الحالة الضيقة اللبنانية التي رسمتها اتفاقيات سايكس بيكو وكرسها الاحتلال الفرنسي.

 

ولكن، منذ قيام كيان العدو الصهيوني على أرض فلسطين، كان لبنان هدفا للأطماع الصهيونية، أرضا ومياها، وظل شوكة في حلقه بسبب وجود اللاجئين على أراضيه الذين حاولوا "التسلل" الى فلسطين المحتلة. ومنذ قيام هذا الكيان، شكلت المجازر الصهيونية بحق أهل لبنان والفلسطينيين اللاجئين سمة أساسية من تاريخ البلد وخاصة في جنوبه. لقد احتلت دولة العدو أراضي لبنانية منذ 1948 وخلال حرب حزيران 1967 وفي آذار 1978، وذلك قبل احتلال الجنوب والبقاع الغربي عام 1982. واستعان عام 1978 بالعملاء لإدارة المناطق المحتلة التي سميت بالشريط الحدودي الذي كان يضم جزءا واسعا من الجنوب اللبناني.

 

مع ان مقاومة العدو الصهيوني كانت إحدى السمات الاساسية في تاريخ جنوب لبنان، وقد شاركت بها عدة تنظيمات لبنانية وفلسطينية، إلا ان احتلال لبنان عام 1982 شكل نقطة فاصلة، اذ أدى الى تشكيل حزب الله الذي سيقود حرب تحرير على مدى 18 سنة لينتصر أخيرا ويطهّر أرض الجنوب من الاعداء والعملاء في أيار 2000.

 

واجب وضرورة وأحقية مقاومة الاحتلال

 

لم تكشف بعد المقاومة الاسلامية كل تفاصيل عملياتها وخططها العسكرية في تلك الفترة، ولكن يمكن القول ان المقاومة كانت شعبية وعسكرية جهادية في آن واحد، شارك بها المجاهدون من داخل الاراضي المحتلة ومن مناطق أخرى. لقد آمنت المقاومة الاسلامية في حزب الله بضرورة وواجب وأحقية مقاومة الاحتلال ورفضت أي تنازل ولو اعتبره الغير شكلي ولفظي. ومن أقوال الشيخ الشهيد راغب حرب : "إنّ أي تنازل للمحتل ولو كان صغيراً، سيتبعه تنازلات أخرى أكبر منه، ونحن غير مستعدين للتنازل حتى ولو عن قيد شعرة من حقوقنا". لم تعترف المقاومة الاسلامية بقرارات الامم المتحدة ولم تجعل منها سقف مطالبها اذ اعتبرت ان ما يسمى بالشرعية الدولية ليس معنيا بالعدالة بل يريد، في أحسن الأحوال، الحفاظ على الهيمنة الغربية والأمر الواقع.

 

منذ احتلال عام 1982، شكلت المقاومة الشعبية والانتفاضات المتتالية ضد جنود الاحتلال ظاهرة عامة في الجنوب اللبناني، واستشهد الكثير من المقاومين وعلى رأسهم القيادي في حزب الله الشيخ راغب حرب الذي واصل مقاومته رغم التهديدات بالقتل. وكان قد رفض مصافحة جنود العدو الذين قدموا اليه في محاولة لتطبيع العلاقة بين المحتل والأهالي.  اعتقل العدو المئات، بعد اعتقاله الآلاف عام 1982، وزجهم في سجونه في الداخل الفلسطيني المحتل وفي سجن الخيام الذي أشرف عليه العملاء، الذين مارسوا أبشع أنواع التعذيب على أجساد الرجال والنساء، انتقاما من أبناء بلداتهم أحيانا ومن المقاومة، ولم يسمح للجنة الصليب الأحمر بزيارة سجن الخيام إلا في آخر سنوات الاحتلال.

 

يطلعنا موقع مليتا الجهادي الذي افتتحه حزب الله العام الماضي في الذكرى العاشرة للتحرير العمل الجبار الذي قامت به المقاومة الاسلامية في التسعينيات، بقيادة الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد عباس الموسوي، لمقارعة قوات الاحتلال وعملائه في الجنوب وحجم التضحيات التي قدمها المجاهدون في سبيل تحرير الأرض والانسان من الاحتلال والطغيان، الى جانب تضحيات الشعب الأعزل الذي صبر على المجازر الممتالية التي ارتكبها العدو بحقه، والتي اعتبرها الشعب من علامات ضعفه أمام المقاومة.

 

ثم جاء التحرير وسقط الاحتلال دون قيد أو شرط، وهرب العملاء الى فلسطين المحتلة في مشهد مذل، دون التوقيع على أي اتفاقية مع العدو، رغم محاولات جهات دولية واقليمية ومحلية لإنقاذه من الهزيمة الكلية أمام المقاومة. ولم تمر اسابيع بعد التحرير حتى بدأت قوى الاستكبار واصدقاؤها في لبنان والعالم العربي من التعاون لمحاصرة المقاومة والتقليل من أهمية التحرير على المستوى العالمي من خلال اختلاق ملفات داخلية وخارجية، وكان الهدف منها وما زال، منع الشعوب العربية وخاصة الشعب الفلسطيني من التجاوب واستخلاص الدروس من هذه التجربة الرائدة التي خاضتها المقاومة الاسلامية في لبنان.

 

لقد اسقط حزب الله عمليا المقولة اللبنانية الشهيرة التي رددتها السلطات اللبنانية طوال الحقبات الماضية لتبرير عدم الرد على الاعتداءات الصهيونية وهي "قوة لبنان بضعفه"، أي التوجه الى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بعد كل اعتداء "اسرائيلي". كما أثبت عمليا ان المقاومة المسلحة والعمليات العسكرية المدروسة والهادفة قادرة على دحر الاحتلال وذلك لأن المحتل لا يفهم إلا قوة السلاح ومجتمعه لا يتحمل الخسائر البشرية. لقد أثبت ايضا ان الثقافة الشعبية الاسلامية هي ثقافة مقاومة أساسا ترفض الذل والهوان وترفع مقام وتقدّر المقاومين شرط ان يكونوا صادقين مع ربّهم ومع شعبهم.

 

مواجهة ومقاومة في أصعب المراحل

 

لقد تصاعدت مقاومة الاحتلال في حقبة التسعيتنيات أي الحقبة الزمنية الأشد خطورة على الأمة العربية والاسلامية بعد حرب الخليج ومؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو، والتي شهدت هبوطا مدويا لسقف التطلعات العربية. اعترفت الدول العربية بالوجود الصهيوني، فعليا أم ضمنا، وقبلت بالوجود العسكري الامريكي في المنطقة كما وقّعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على إتفاقية شرعنت الوجود الصهيوني. وسار الكل في موكب السيطرة الاستكبارية على المنطقة إلا حفنة من الشباب المقاوم في فلسطين (عمليات الجهاد الاسلامي وحماس قبل انتفاضة الأقصى) الذين شنوا هجمات مؤذية على العدو اضافة الى المقاومة الاسلامية في لبنان.

 

فمن هذا المنطلق ايضا يمكن اعتبار انتصار حزب الله بتحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الصهيوني حدث تاريخي شبيه بالزلزال على المنطقة لانه إنتصار لنهج المقاومة في حين كان الجميع يركض وراء سراب التسويات الاميركية الصهيونية. فتح هذا الانتصار عهدا جديدا حيث لم يعد هناك من بعده أي هزيمة للشعوب العربية المقاومة للاحتلال الصهيوني كما اكدته فيما بعد حرب تموز 2006 وحرب غزة 2008- 2009 .

 

اندلاع انتفاضة الأقصى

 

 وظهرت مفاعيل انتصار أيار 2000 أسرع بكثير من المتوقع مع اندلاع انتفاضة الأقصى في ايلول من العام ذاته لتضع حدا لتدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية حيث توسّع الاستيطان بشكل جنوني وبدأت عملية تهويد القدس على نطاق واسع، في إطار اتفاقية أوسلو.

 

رفضت يومها الأقلام العربية التابعة للهيمنة الاميركية ربط انتفاضة الأقصى بانتصار أيار 2000 التاريخي مشددة على خصوصية كل بلد وكل حالة ومركزة على الطبيعة الاستيطانية الخاصة للعدو في فلسطين كما رفضت بعض هذه الأقلام الاعتراف بمبادئ الانتصار على العدو أولها التمسك بالحق وعدم التفريط به، لاجئة الى مقولة مركزية فلسطين في الصراع الدولي وصعوبة معاداة "المجتمع الدولي". لا أحد ينكر هذه المركزية ولا أحد ينكر خصوصية الساحات، ولا أحد ينكر ان الشعب الفلسطيني قاوم ويقاوم منذ حوالي مئة عام ضد الاحتلال والاستيطان، وكيف ابتكر أشكال نضالية مناسبة لكل مرحلة ولكل مكان. ومع ذلك، شكل انتصار ايار 2000 دافعا قويا لاستعادة المبادرة من قبل الشعب الفلسطيني الذي ضاق صدره وهو يشاهد كيف تُسرق الأرض منه وكيف تُهود القدس وتواطؤ الانظمة العربية وما يسمى المجتمع الدولي مع الاحتلال بكل تصرفاته.

 

اعطى انتصار المقاومة الاسلامية في لبنان زخما قويا لكل إرادات التحرير في الوطن العربي، أولها في فلسطين التي هي أصلا أرض خصبة للثورة والانتفاضة. فاندلعت انتفاضة الأقصى ومن بطولاتها، معركة مخيم جنين في نيسان 2002 التي سطرت ملحمة عنوانها التضحية والشجاعة والصمود في مواجهة أقوى جيش في المنطقة، الذي كان قد عاد من لبنان مهزوما. وكانت رؤية جنود الاحتلال وهم عائدون خائبون من لبنان الى كيانهم كافية لرفع معنويات الأمة وشد الهمم، اضافة الى الأزمة الحقيقية والعميقة التي بدأت تنخر بالمؤسسة الصهونية.

 

كما أكّد انتصار المقاومة الاسلامية في لبنان ان نهج المقاومة المتمسك بالمبادئ والذي لا يفرط بحقوق شعبه هو المنتصر أخيرا على كافة القوى والجيوش المعادية، لأنه يملك أولا الحق والارادة ومن ثم الاستعداد والتنظيم. وفي معركة التحرير والتصدي للعدوان، فالاتكال على الشعب بعد الاتكال على الله هو الأساس، وليس للأمم المتحدة وقراراتها وما يسمى الشرعية الدولية أو المجتمع الدولي أي دور ايجابي على الاطلاق في مساندة الشعوب وطموحاتهم، بل على العكس تماما، كما يبرهن يوميا الوضع في فلسطين، حيث المجتمع الدولي متواطئ ومشارك فعليا بكل الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني وأرضه.

 

اثبت تحرير الجنوب في ايار 2000 انه يمكن تحرير أرض عربية، دون قيد أو شرط، ودون التوقيع على اتفايقة مع العدو تحفظ له بعض الامتيزات. بعد تحرير الجنوب، انسحب العدو من قطاع غزة عام 2005، وفكك مستوطناته المقامة على اراضي فلسطينية ، وذلك لأول مرة في تاريخ الكيان، واعتبر قطاع غزة "كيان معادي" أي لا تربطه فيه اي اتفاقية "سلام".

 

أدى الانتصار عام 2000 الى قلب المعادلة التي كانت سائدة في التسعينيات والتي تقول ان مصير الأمة العربية وشعوبها بيد الولايلات المتحدة والصهاينة ولا يمكن الحصول على أي حق من حقوق الشعوب العربية إلا برضى الاستكبار العالمي الذي يوزّع عطاءاته حسب درجة الخضوع له. جاء الانتصار ليؤكد ان باستطاعة الشعوب الحصول على حقوقها بنفسها عندما تكون مستعدة للتضحية. لقد كشفت انتفاضة الأقصى والحرب الأخيرة على قطاع غزة لشعوب العالم مدى همجية الاحتلال وعنصريته ، مما ساعد على محاصرته وتصاعد الحملات العالمية المطالبة بمقاطعته ومقاطعة مؤسساته ومحاكمة قادته وجنوده.

 

فان كانت حقبة التسعينيات هي حقبة سيطرة الاستكبار العالمي على أمتنا الى حدّ التبشير بالاعتراف بالكيان وبامكانية العيش بسلام مع الاحتلال والقهر تحت مسميات التعايش والقبول بالآخر والشراكة الاقتصادية وغيرها من المصطلحات الكاذبة، كانت حقبة الألفين مع فاتحة تحرير الجنوب وإنتفاضة الأقصى وحرب تموز 2006 وحرب غزة 2008 اضافة الى انتشار ثقافة المقاومة في العالم العربي والاسلامي، رغم التحديات الكبرى من احتلال العراق وشن حرب عالمية ضد ما يسمى "بالارهاب" وسقوط الأنظمة العربية في التبعية الكاملة للولايات المتحدة، كانت هذه الحقبة اساسا ومنطلقا لثورة الشعوب العربية التي تشهدها اليوم أمتنا، ثورة ضد انظمتها الخاضعة والمهترئة التي سمحت وشاركت في نهب ثروات البلاد وإضعاف امكانيات وطاقات شبابها.