خبر نتنياهو في جنيف-معاريف

الساعة 08:13 ص|22 مايو 2011

نتنياهو في جنيف-معاريف

بقلم: بن – درور يميني

 (المضمون: يكاد لا يبني نتنياهو غرفة واحدة في المستوطنات ولكنه يتلقى الضربات على رأسه وكأنه كبير البناة الذين يصفون فرص السلام. وهو يعرض صيغة توجد فيها حلول وسط هائلة، ولكنه يتخذ صورة الرافض - المصدر).

        خلافا لجملة الشجب التي تعرض لها رئيس الوزراء هذا الاسبوع، في اعقاب خطابه السياسي، فان قيادة مبادرة جنيف بالذات نشرت وثيقة توضح بان نتنياهو في الطريق الى خطوة تاريخية. فهو يقترب، بخطى واسعة، من مبادىء اتفاق جنيف.

        أين المشكلة؟ بالذات نتنياهو، رجل الكلمات، البيان والخطابات، يفوت الامر الاساس. فاذا كان ينفذ منذ الان حلا وسطا تاريخيا – فينبغي مرافقته بدراما ما. مثلا، طلب الاستضافة له في البرلمان الفلسطيني، وليس في الكونغرس في واشنطن، كي يعرض حله الوسط التاريخي. وبدلا من دراما، نشهد رئيس وزراء معذب. يكاد لا يبني غرفة واحدة في المستوطنات ولكنه يتلقى الضربات على رأسه وكأنه كبير البناة الذين يصفون فرص السلام. وهو يعرض صيغة توجد فيها حلول وسط هائلة، ولكنه يتخذ صورة الزعيم المضغوط الذي ينجر الى مطارح ليست له، لا يقصد حقا، ويدفع ضريبة شفوية. لماذا؟ بسبب المعارضة اليمينية داخل الائتلاف؟ هذا ما يفزعه؟ فاتجاهه سيحظى بدعم ليس فقط من اغلبية الليكود بل ومن اغلبية الكنيست واغلبية الشعب. إذن ممَ يخاف هو بالضبط؟ من تسيبي حوتوبيلي؟ أهكذا يتصرف الزعيم الجدي؟ فقد كان هناك من قبل. وهو على مسافة لمسة من يوسي بيلين. إذن لماذا يتلقى الشجب من كل العالم بصفته رافض للسلام يتنازع مع كل العالم؟ أوليست الشرعية الدولية أهم من شرعية النائب داني دانون؟

* * *

        لا ينبغي الفزع من الاعلان عن دولة فلسطينية. غير أن فيها شوكة. قرار التقسيم يتحدث عن دولتين، يهودية وعربية. القرار المرتقب في ايلول ينطوي في داخله على معارضة فلسطينية لصيغة "دولتين للشعبين". لو كانت اسرائيل ذكية، لبادرت الى اقتراح كهذا بنفسها – على اساس قرار التقسيم للعام 1947، الذي يعترف بدولتين – "دولة يهودية" و "دولة عربية"، مع الاخذ بالحسبان التغييرات الديمغرافية التي طرأت منذئذ، وبالمعايير الدولية التي تستبعد وهم اسمه "حق العودة". نتنياهو يعرف هذا. نتنياهو في هذا الاتجاه ولكن اسرائيل تخسر في المعركة الكبرى، وابو مازن يقودنا نحو هزيمة اخرى. نتنياهو يقبل صيغة الدولتين للشعبين وابو مازن يرفض. ورغم ذلك نتنياهو يأخذ صورة الرافض، وابو مازن صورة رجل الحل الوسط التاريخي.

* * *

        هذا الاسبوع انعقد مؤتمر في جامعة تل أبيب حول خيار الدولة الواحدة. أربع جلسات تقررت للمؤتمر. وكان يفترض ان اشارك في واحدة منها. غير أن احدى المشاركين، البروفيسورة يولي تمير أعلنت بانها لا يمكنها المشاركة بحيث الغيت الجلسة. رئيس دائرة العلوم السياسية، كما قيل لي، الغى الجلسة لاعتبار "انعدام التوازن".

        ينبغي الاعتراف بان الحديث يدور عن بشرى مفرحة. فنهاية كل نهاية توجد دوائر في الجامعة تعترف بالحاجة الى "التوازن". لا مزيد من المؤتمرات السياسية، دوما من جانب غريب الاطوار ما، بل مؤتمرات يوجد فيها انعكاس واسع للاراء. غير أن قائمة المشاركين والاقوال التي قيلت اوضحت بان الفرحة كانت سابقة لاوانها. مؤتمر اكاديمي آخر تحت سيطرة اليسار غريب الاطوار. رجلا اليمين المتطرف كانا، الى هذا الحد أو ذاك من معسكر ميرتس. د. تسفيا غرينفلد، نائبة سابقة لميرتس، اطلقت انتقادا لاذعا على اليسار المتطرف الذي يجعل اسرائيل مرضا عضال (ظننت أنها تقرأ من مقال انتقادي لي على اليسار)، ود. اليكس يعقوبسون، هو الاخر في ماضيه من ميرتس، يدافع بحماسة وكفاءة باهرة بمعرفة واسعة عن الدولة القومية اليهودية. غرينفلد ويعقوبسون (ولاحقا بمبي شيلغ ايضا) كانا شاذين. اذا لم تكن الاكاديميا قادرة على أن تعرض طيفا أكثر جدية بقليل من المواقف، فهذه ليست اكاديميا. يدور الحديث عن ميل للعقائد. ولما كانت احدى الجلسات قد الغيت لاعتبارات "انعدام التوازن" ويتبين ان حتى في الاكاديمية مسموح الاستبعاد لاعتبارات انعدام التوازن، فقد سألت المنظمين: عن أي توازن بالضبط تتحدثون. كيف لم تلغى ندوات اخرى منذ البداية لم يكن فيها أي توازن؟

        ايها القراء الاعزاء، مثلما تلقيتم اجابة – هكذا أنا ايضا. وهل ترغب الاكاديميا في أن تعرف لماذا الشكاوى الدائمة من "حرية التعبير الاكاديمي" تبدو ممجوجة وصدئة بهذا القدر، فلينظروا رجاءا الى أنفسهم. فمن هم يخدعون؟

* * *

        ومن حيث جوهر الامر، فكرة الدولة الواحدة لا تفتن فقط الفلسطينيين واليساريين غريبي الاطوار. بل وايضا رجال اليمين. ائتلاف مشوق. لدى الفلسطينيين هذا جزء من الحلم القديم. لدى جزء من اليسار يدور الحديث عن المدارس ما بعد الاستعمار وما بعد القومية. لدى بعض اليمين يدور الحديث عن حلم بلاد اسرائيل الكاملة. يوجد بين المجموعتين تقسيم عمل. اليسار يعمل على العلاقات العامة، واليمين مسؤول عن ملف التنفيذ.

        هذه فكرة غريبة الاطوار. دول متعددة الجنسيات، بشكل عام، تعاني من سفك دماء دائم، ولا سيما اذا كانت في الشرق الاوسط. مثلا، لبنان والعراق. الويل لنا ولمن يريد أن يكون مثلها. الاقليات في دول الشرق الاوسط، مثل الاقباط في مصر، الاكراد في تركيا او في سوريا، يعانون من القمع. لا يوجد مثال واحد للانسجام متعدد الاعراق في الشرق الاوسط، وليس فقط في الشرق الاوسط. الاتحاد السوفييتي السابق تفكك الى دول قومية. تشيكوسلوفاكيا تفككت الى دولتين قوميتين. يوغسلافيا السابقة تفككت الى اربع دول قومية. قبرص تفككت الى كيانين عرقيين. السودان ينشق. بلجيكيا في الطريق الى الانشقاق. سكوتلندا تريد أن تتحرر من بريطانيا. وفي تلك الدول القومية التي يوجد فيها اقلية عرقية كبيرة، تهدد بان تجعل الدولة "دولة واحدة"، بمعنى ثنائية القومية، المشاكل تحتدم فقط.

* * *

احيانا، حتى اليسار الاسرائيلي يفهم هذا. توجد مستوطنة يهودية في الشيخ جراح. اليسار يفهم بان هذه العودة، عمليا، هو نوع من الاستفزاز. وعليه، ففي كل يوم جمعة يتظاهر اليسار من أجل حقوق الفلسطينيين في احياء فلسطينية صرفة، دون تسلل يهودي. وهكذا ينشأ تقارب معين بين الحاخام الياهو من صفد، الذي يعارض الاستيطان العربي بين السكان اليهود وبين اليسار الذي يعارض الاستيطان اليهود بين السكان العرب. هذا ليس ذات الشيء. يوجد فصل ويوجد فصل آخر. يوجد فصل يقترب من العنصرية والقومية المتطرفة. ويوجد فصل هو جزء من حق تقرير المصير والقومية. عندما يكون من شأن الهجرة، التسلل، الاستيطان، العودة، ان تزيد التوتر والاحتكاك، وخلق المواجهة، الفصل هو التسوية المناسبة. هكذا بحيث أن متظاهري الشيخ جراح قد لا يكونوا يعرفون، ولكن في كل اسبوع يتظاهرون من أجل فكرة الفصل على أساس قومي. قد يكونوا ينفون، ولكنهم قريبون من الحاخام الياهو أكثر بكثير ممَ يخيل لهم.