خبر كرم أوباما على الفلسطينيين في خطابه الجديد!! ..ياسر الزعاترة

الساعة 09:44 ص|21 مايو 2011

كرم أوباما على الفلسطينيين في خطابه الجديد!!  ..ياسر الزعاترة

إذا تحدثنا عن مجرد الكلام، والرجل للأمانة يجيد الخطابة والكلام أكثر من سلفه، فقد كان أوباما في خطابه حول الشرق الأوسط يوم الخميس مميزاً في حديثه عن ثورات العرب ضد الأنظمة المستبدة.

 

صحيح أن الكلام شيء، والفعل شيء آخر، لكنه في الحالة الفلسطينية لم يقدم شيئاً جديداً، حتى على صعيد الكلام. لم يفعل بالطبع لأن ثمة لوبي صهيوني طويل عريض له سطوته في الولايات المتحدة، وهو لا يسمح حتى بمجرد الكلام المتعاطف مع الفلسطينيين. والرجل الذي يحلم بولاية رئاسية ثانية لن ينسى أن مصير حلمه مرتبط بمزاج ذلك اللوبي الذي لا يعنى بهموم الولايات المتحدة، بقدر عنايته بمصالح الدولة العبرية وهواجسها، مع العلم أن تلك الهواجس لا ترتبط فقط بقضية التسوية وتفاصيلها، وإنما ترتبط أيضاً بالموقف العملي من الثورات العربية، إلى جانب ملفات أخرى في مقدمتها الملف النووي الإيراني.

 

من هنا يمكن القول إن خطاب أوباما حول الشرق الأوسط فيما خصّ قضية التسوية لم يكن سوى ترجمة لما يريده اللوبي الصهيوني الذي يصعب القول إنه توقع من أوباما أكثر من ذلك (هم لن يتوقفوا عن العويل كما جرت العادة)، ولو كان جورج بوش هو المتحدث أو كلينتون لما اختلف النص كثيراً. وفي حين ذكّر نتنياهو أوباما بخطاب الضمانات الذي قدمه بوش الابن لشارون عام 2004 (وُصف في ذلك الحين بأنه وعد بوش على غرار وعد بلفور)، فإن أوباما لم يتنكر لذلك الوعد عملياً، ليس فقط لأنه لم يحدد موقفاً من قضية اللاجئين وقضية القدس وتركها لمرحلة لاحقة، وإنما أيضاً لأن قضية الاستيطان التي اعتبرها الوعد إياه محسومة قد وردت في كلمة أوباما في سياق الحديث عن تبادل الأراضي أثناء تطرقه لقضية الحدود.

 

أوباما مثل أسلافه تحدث عن حل الدولتين (نتنياهو وافق عليه)، وتحدث عن حدود 67 مع تبادل للأراضي (الكلمة تعني في قاموس التسوية الإبقاء على الكتل الاستيطانية الثلاث الكبيرة في الضفة واستبدالها بمناطق أخرى في النقب وسواه، مع أن تلك الكتل هي التي تفتت الكيان الفلسطيني)، وعن دولة قابلة للحياة (مصطلح يشي بماهية تلك الدولة، لأنها لو كانت فعلاً على حدود 67 كاملة لكان إيراده بلا معنى).

 

في مقابل الدولة الفلسطينية الموعودة، قدم أوباما التزامات عظيمة لدولة الاحتلال تتعلق بأمنها، بل حتى بعواطف الفلسطينيين والعرب تجاهها (انتقد تلقين الأجيال كراهيتها، وأكد رفضه لمحاولات نزع الشرعية عنها، كما أكد رفضه لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية عن طريق الأمم المتحدة). أما الأهم على هذا الصعيد، فيتمثل في حديثه عن «الدولة اليهودية»، الأمر الذي يعتبر بالغ الأهمية لما له من دلالات خطيرة كما أشرنا مراراً وتكراراً (عدوان على الرواية التاريخية للصراع، وتهديد لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48، فضلاً عن شطبه غير المباشر لحق العودة للاجئين).

 

وفي حين لم يعد أوباما بممارسة أي ضغط على أي طرف (كلام يعني الإسرائيليين لأن الضغوط على الفلسطينيين لا تتوقف، مع ابتزازهم بالمعونات)، فقد قرر أن التركيز يجب أن يكون على قضيتي الحدود والأمن، أما القضايا العاطفية كما وصفها، مثل اللاجئين والقدس فتترك لاحقاً إلى ما بعد فترة انتقالية يجري الاتفاق عليها.

 

هنا يعود أوباما إلى الفكرة التي يُجمع عليها الإسرائيليون ممثلة في الحل الانتقالي بعيد المدى (بحسب تسمية شارون)، والسلام الاقتصادي بحسب تسمية نتنياهو، والدولة المؤقتة، بحسب تسمية آخرين كثر، والتي تبشر عملياً بتحويل المؤقت إلى دائم مع تعديلات طفيفة، فيما تحول النزاع إلى نزاع حدودي بين دولتين يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.

 

فوق ذلك، لم ينس أوباما انتقاد قضية المصالحة الفلسطينية، معتبراً أن على حماس الاعتراف بالكيان الصهيوني وإعلان نبذ «العنف»، والنتيجة أن الخطاب بمجمله كان في صالح الطرف الإسرائيلي. ومع ذلك لم يجد نتنياهو بداً من الردّ عليه سريعا بالإعلان عن بناء 1500 وحدة سكنية في القدس (سيقال إن قرارها كان متخذاً قبل ذلك)، كما لم ينس التذكير بأن حدود 67 يصعب الدفاع عنها، في إشارة إلى مطلبه بالاحتفاظ بغور الأردن الذي يشكل عملياً ثلث الضفة الغربية، مع التذكير بتأكيد أوباما على أن الدولة الفلسطينية العتيدة ستكون منزوعة السلاح.

 

بعد ذلك كله، هل يقتنع سادة أوسلو بأن الرد على أوباما ونتنياهو لا يكون بالمضي العملي في برنامج السلام الاقتصادي والدولة المؤقتة مع رفضه بالكلام، وإنما بإطلاق انتفاضة شعبية عارمة في الداخل تسندها الملايين من الخارج؟!

 

الأرجح أن خيار القوم الذي نتابعه منذ عشرين عاماً سيبقى هو ذاته كما أعلنوا مراراً، والسبب أن خيار الانتفاضة لا ينسجم مع لغة البزنس والفي آي بي، بل يتطلب روحاً ثورية واستعداداً للتحدي مهما كان الثمن (سنحاول بالطبع أن ننسى تماماً وثائق التفاوض وما ورد فيها)!!

 

أما الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب الاعتراف، فلن يغير الكثير، اللهم إلا تأكيد مسار الدولة المؤقتة، وتأبيد النزاع بجعله نزاعاً بين دولتين، لاسيما إذا بادر نتنياهو للانسحاب التدريجي حتى حدود الجدار الذي يسرق ما يقرب من نصف الضفة الغربية.

 

صحيفة الدستور الأردنية