خبر ربيع خطابات..يديعوت

الساعة 08:25 ص|20 مايو 2011

بقلم: ناحوم برنياع وشمعون شيفر

تستقبل واشنطن اليوم نتنياهو بسلسلة عواصف رعدية قصيرة، مصحوبة بمطر منهمر وهذه ظاهرة معتادة جدا في فصل الربيع. لا حاجة للقلق فرئيس حكومتنا لن يبتل. فهو سيقطع المئة والعشرين مترا بين بلير هاوس، منزل الضيافة الرسمي، والبيت الابيض بالسيارة وعندما يخرج منها عند مدخل الجناح الغربي تحميه، اذا احتيج الى الحماية، مظلة امريكية كبيرة.

        اللقاء بين اوباما ونتنياهو هو لقاء بين سياسيين لهما آراء صارمة وخطوط موجهة وغرائز، لكن لا سياسة لهما في كل ما يتعلق بحل الصراع. هذه ايام شرق اوسطية في برنامج عمل البيت الابيض، وفي يوم الثلاثاء التقى اوباما مع عبد الله ملك الاردن، وفي يوم الاربعاء استضاف مجموعة يهودية وبشر بخطة مساعدة لمصر، وأمس كان يفترض أن يخطب خطبته، واليوم سيلتقي نتنياهو وفي يوم الاحد سيخطب في مؤتمر جماعة الضغط اليهودية. إن تتابع الأحداث يثير انطباع ان اوباما قرر الانقضاض على الصراع وحسمه دفعة واحدة والى الأبد.

        هذا انطباع مخطوء. فالرؤساء الامريكيون يواجهون عددا كبيرا جدا من الموضوعات الداخلية والخارجية. ولا يستطيع أي بشر مهما يكن من الموهبة السيطرة على جميع التفاصيل، وإظهار حساسية بجميع التنوعات وصوغ رأي في كل قضية. الحل هو حصر الذهن. يستعد الرئيس لجولته الشرق اوسطية كما يستعد طالب جامعي لامتحان. فهو يحفظ عن ظهر قلب أسماءا وتواريخ وتفاصيل تاريخية. وهو يُدهش سامعيه بخبرته. بعد يوم من انتهاء الجولة سينسى نصف ما تعلم لان جولة جديدة تنتظره على الباب.

        فرض نتنياهو عليه توقيت الجولة الحالية. نشب جدل مدة شهور بين مستشاري اوباما في مضمون الخطبة التي يفترض ان يخطبها وفي توقيتها. فقد اقترح جورج ميتشل ان يضع الرئيس على المائدة مخططه لاحراز اتفاق؛ وحذر دنيس روس من ان خطبة صريحة جدا ستولد فشلا. وقد عدّل هذان الاثنان بعضهما بعضا. كُتبت مسودات كثيرة ولم تجر صياغة سياسة.

        في اثناء ذلك انقلبت المنطقة مع امريكا أو من غيرها في الأساس. أيد اوباما ثورة تونس ومصر وانضم متأخرا الى تأييد التمرد في ليبيا، وتردد في سوريا، وعارض مضي الفلسطينيين الى الامم المتحدة، وحار في شأن المصالحة مع حماس. أما ميتشل فضاق ذرعا. لم يزر المنطقة منذ كانون الاول. واستقر رأيه على الاستقالة بعد سنتين عقيمتين بصفة المبعوث الخاص للرئيس. ويوشك من حل محله مؤقتا، أي هيل، أن يستقيل هو ايضا. بعد قليل ستبدأ سنة انتخابات في امريكا وهي وقت غير مريح لبدء مبادرة سياسية في الشرق الاوسط.

        منذ اللحظة التي دُعي فيها نتنياهو الى أن يخطب في مجلس النواب الامريكي لم يعد لاوباما خيار سوى ان يسبقه بخطبته. سيلتقي الاثنان ويتبادلان الابتسامات التي لا معنى لها إزاء عدسات التصوير ويقولان كل ما اعتيد قوله في هذه اللقاءات. لاوباما رأي مصوغ في نتنياهو فهو لا يصدقه. ولا توجد كلمة سحرية تستطيع أن تغير رأيه فيه، واذا كانت توجد كلمة كهذه فان نتنياهو لا ينوي قولها. فالثمن السياسي الذي سيضطر الى دفعه، في تقديره، عال جدا.

        قبل اسبوعين التقى نتنياهو رئيس حكومة بريطانيا، ديفيد كامرون، وسأله كامرون ماذا ستقترح على اوباما.

        "كل ما سأقترحه قد يبدو غير ذي صلة"، قال نتنياهو. "نعيش في منطقة تتغير من يوم الى يوم".

        أصر كامرون. بحسب احدى الروايات، أجاب نتنياهو بأنه سيكون مستعدا لاخلاء أكثر الضفة لكنه سيرفض اخلاء مناطق في شرقي القدس، وسيصر على وجود مؤقت للجيش الاسرائيلي في غور الاردن وعلى ضم كتل الاستيطان السبع الى دولة اسرائيل.

        أدرك كامرون ان ليس الحديث عن اقتراح عملي: فالحديث عن قضية من اجل الدعاية. عرض اولمرت تبادل اراض واخلاء أحياء عربية في القدس وغور الاردن وضم ثلاث كتل استيطانية فقط الى اسرائيل. سيصعب على رؤساء دول في الغرب ومنهم اوباما النظر بجدية الى موقف اسرائيلي يعرض أقل من ذلك.

        سمع وزير رفيع المستوى التقى نتنياهو عشية سفره الى واشنطن، سمع منه كلاما شديدا عن الضغط الذي يخضع له. "يشكو نتنياهو أن اوباما والاوروبيين يطلبون اليه ان يقول على رؤوس الأشهاد انه مستعد لاجراء تفاوض على أساس خطوط 1967 مع تعديلات حدودية. وهو يرفض. فـ 67 غير موجود في معجمه. وهو لا يؤمن بأن اعلانا كهذا سيُقرب السلام: حتى لو قال هذه الكلمات الصريحة فان الفلسطينيين سيتهربون من التوصل الى تسوية لكنه كان سيُقضى عليه في الليكود، ولهذا يرفض.

        "يزعم نتنياهو ان شمعون بيرس هو الذي غرس عند اوباما الصيغة التي تقول إن اسرائيل ستعرض على الفلسطينيين مساحة تعادل ما احتلت في 1967. وبحسب زعمه ألقى بيرس وباراك على مسامع الامريكيين ايضا اقتراحات مفصلة من غير أن يُجهدا أنفسهما في طلب موافقته. في الاقتراحات التي أثاراها خُبيء الانسحاب الى خطوط 1967 تحت طبقات الكلمات، لكن الماهية نفس الماهية. لعب بيرس وباراك لعبة مزدوجة كما قال. فقد أيداه علنا لكنهما من وراء ظهره شجعا الامريكيين على مناوءته.

        سأل نتنياهو ما الذي يتوقعه الامريكيون بالضبط. هل يمكن أن يعرض هو زعيم الليكود الانسحاب من المناطق كلها وأن يفعل هذا من غير ان يُضمن له أن يقبل الطرف الثاني هذا العرض؟".

        في التباحث في شروط التسوية الذي قد يصحب نتنياهو طول الزيارة، شيء من صرف الانتباه. يعلم الجميع ماذا ستكون خطوط التسوية. والسؤال هل القادة عند الطرفين معنيون الآن بدفع الأثمان السياسية التي تشتمل عليها التسوية. مع افتراض ان جواب ذلك بالنفي، عند الاسرائيليين بضعة اسباب جيدة ليكونوا قلقين. عندما وقعت اسرائيل على اتفاق اوسلو نشأ حراك ايجابي دونما صلة بما حدث في غزة والضفة: فقد جاء أكثر من مائة شركة دولية الى اسرائيل؛ وجرى تطوير علاقات دبلوماسية؛ وجرى توسيع علاقات أمنية؛ وفُتحت أجزاء من العالم العربي لنشاط أعمالي وسياسي. إن قرارا عن مجلس الامن في ايلول قد يدفع الى حراك معاكس حتى وإن لم تنشب انتفاضة جديدة في الضفة وغزة: فستغادر شركات وتغلق مفوضيات وتوسع القطيعة مع اسرائيل. بقي لاسرائيل في العالم صديقتان مهمتان: امريكا اوباما والمانيا انجيلا ميركل، ولا تستطيع ان تسمح لنفسها بأن تخسرهما.

        سيعرف نتنياهو كيف يقنع في خطبه بأن العرب سيئون. فهو جيد في ذلك. بيد ان اللعبة الآن ليست بين فريقين أحدهما يهودي والآخر عربي في حين يجلس العالم على مقعد المراقبة. لقد نزل العالم الى الملعب وهو ضدنا في اللعب.

        مُنتحرو الفيس بوك

        وقف واحد من وجهاء الدروز في مجدل شمس، وهو رجل جليل مهيب في ظهر يوم الاحد قرب سور الحدود الذي تم اختراقه، بين الفلسطينيين الذين جاءوا من سوريا وجنود الجيش الاسرائيلي. بُني العائق – وهو سوران وطريق دوريات احتُل بينهما – على طول الوادي الضيق الذي يفصل بين آخر بيوت القرية والتل المقابل، تل الصرخات، والموقع السوري فوقه. عندما يفكر الناس في الحدود بين اسرائيل وسوريا، يتخيلون ملاجيء حصينة عميقة وحقول ألغام حتى الأفق. لكن هنا في مجدل شمس كل شيء قريب ومقلص وحميم. الفلسطينيون الذين كانوا في الجانب السوري من الحدود رموا الجنود بالحجارة. والفلسطينيون الذين انتقلوا الى الجانب الاسرائيلي تحصنوا في بيت كان في منتصف بنائه وجمعوا الطوب الذي اجتمع في الساحة وكسروه ورموا الجنود بالكسر.

        لم يُفرق مطر الحجارة بين جندي ومدني وبين يهودي ودرزي. قال ذلك الرجل من الغد: "خفت كما لم أخف قط في حياتي". طلب الى الفلسطينيين الكف عن رمي الحجارة. لانهم اذا استمروا فسيطلق الجنود النار وسيُقتل ناس كثيرون.

        لم يؤثر ذلك في الفلسطينيين فقد أجاب أحدهم: "جئنا لنموت هنا".

        جاء شخص من القرية بمكبر صوت وأسمع صيحات تحذير للقادمين: لا تقتربوا. السور ملغم. فتجاهلوا تحذيره.

        "سألتهم بعد ذلك ألم تخافوا؟ قال أحدهم لا. فكرنا ان يمضي بعض الرفاق في البدء فيضحون بأنفسهم ويأتي بعدهم آخرون".

        انحصر النقاش في اسرائيل في أحداث يوم النكبة في سؤال أكان هناك اخفاق استخباري في رد الجيش الاسرائيلي على اجتياز السور ومن كان مذنبا في ذلك. اجل كان اخفاق. وأول من اعترف بذلك – وتحمل مسؤولية كاملة – هو أحد أكثر ألوية الجيش الاسرائيلي تقديرا وهو قائد منطقة الشمال، غادي آيزنكوت.

        لكن مع الاحترام كله للاخفاق لم يكن هو الأساس. فأحداث يوم الاحد مهمة لاسباب اخرى. أولا، المواجهة بين اسرائيل والفلسطينيين عادت تلبس أبعادا اقليمية: فلم تعد أي حدود حصينة في وجهها لا السورية ولا المصرية ولا اللبنانية؛ وثانيا، ليس للجيش الاسرائيلي رد على عصيان جموع المدنيين غير المسلحين وبينهم نساء وغلمان؛ وثالثا، لم يعد يمكن الاعتماد على نظم الحكم العربية ان تسيطر على حدودها مع اسرائيل. من المعقول افتراض ان الحكومات هناك ستكون أضعف. ومن المعقول افتراض ان تتغير أذواقها؛ ورابعا، سقوط حاجز الخوف ظاهرة معدية. فمن فقد الخوف من دبابات الاسد لن يخاف ألغام الجيش الاسرائيلي.

        إن ما حدث في الجولان حدث على حدود لبنان ايضا: في أفلام صورها الجيش الاسرائيلي و"المنار"، تُرى جماعات من الفلسطينيين ينزلون عن الجبل في مارون الراس ويتلقون النار من جنود جيش لبنان ومن جنود الجيش الاسرائيلي، ويحملون الجرحى والقتلى ويعودون لينزلوا الى السور. ينزلون أمواجا أمواجا وكأنهم مُخدرون. هذه صور رأيناها في الاشهر الاخيرة في ميدان التحرير وفي بنغازي ودرعا وبانياس. لكننا لم نرها حتى هذا الاسبوع على حدود اسرائيل.

        ليسوا منتحري حماس انهم منتحرو الفيس بوك.

        وسيعودون: فبخلاف الشؤون الاخرى التي تحتل برنامج العمل الاسرائيلي بعاصفة وتختفي بعد يوم كما جاءت، سيعود هذا الصراع ليضربنا في ايلول. هذا هو الدرس الاول الذي جرى تعلمه في هذا الاسبوع عن جانبي الخط الاخضر.

        والدرس الثاني انه لا توجد اعمال هرب سهلة: فمن يتهرب من مواجهة مشكلة 1967 يضطر الى ان يواجه في النهاية مشكلة 1948.

        اطلاق النار على الأرجل

        منذ نهاية شباط اجتمعت في القيادة الشمالية أنباء عن تنظيمات مسيرة نحو الحدود. استُمدت المعلومات في الأساس من شبكات اجتماعية. جرى الحديث عن مارون الراس وكيلا وبوابة فاطمة، وهي مراكز ثلاثة على حدود لبنان، وعن المحطة الحدودية مع سوريا عند ظاهر القنيطرة. أقامت قيادة الشمال كتيبتين قبالة القنيطرة.

        في العاشرة والنصف صباحا بدأت محطات المراقبة تُبلغ عن حركة حافلات نحو تل الصرخات. لم تُقدر الاستخبارات معنى الحركة تقديرا صحيحا. عندما بلغ عدد الاشخاص فوق التل 400 اتُخذ قرار ارسال كتيبة الى هناك. في اثناء ذلك وصل الى التل آلاف. قدّر ضابط رفيع في القيادة عددهم هذا الاسبوع بـ 4 آلاف كان نصفهم على المنحدر قبالة القرية والنصف على التل.

        يحظر اتفاق الهدنة بين اسرائيل وسوريا دخول جيش سوري المنطقة الحدودية. يمكث في الموقع العسكري على التل على الدوام عشرة رجال شرطة مسلحون ببنادق كلاشينكوف. وقد كانوا هناك ايضا في يوم الاحد. راقبوا الجموع مُتنحين لم يشجعوا ولم يصدوا. وضُرب واحد منهم. بعد ذلك اختطفوا سلاحهم ورد رجال الشرطة باطلاق النار في الهواء.

        في الساعة 12:21 دقيقة بدأ نزول جماعي الى أسفل نحو السور. واجههم بضع عشرات من الجنود من كتيبة عوز 77 – وهي الكتيبة المدرعة في اللواء السابع الذي حظي بالفخار بفضل المعركة البطولية التي قام بها تحت إمرة افيغدور كهلاني، غير بعيد من هناك، في غور بكا في حرب يوم الغفران. ربما كان عدد أكبر من الجنود يردع القادمين وربما لا. على كل حال لم يكن الاستعداد كافيا.

        في المراسلات في الفيس بوك جرى الحديث عن مظاهرة لا عن نزول الى الحدود. كانت مظاهرات لفلسطينيين على تل الصرخات في الماضي. وقد افترضوا في القيادة ان تكون هذه واحدة من تلك المظاهرات.

        قدّر ضباط قيادة المنطقة وما زالوا يُقدرون ان النزول الى السور كان عفويا. فالفلسطينيون لم يخططوا سلفا للانقضاض على سور الحدود. إن قرار الجيش السوري على تمكين الحافلات من المرور اتُخذ في مستوى متوسط لا بأمر من الاسد. فالجيش مشغول الآن بحرب المدنيين. وقد فقد السيطرة.

        كان الامر الى جنود الجيش الاسرائيلي اطلاق النار على الأرجل. أُصيب اربعون فلسطينيا. وليس واضحا كم عدد الذين قُتلوا: فقد قال السوريون اربعة وقالوا بعد ذلك عشرة. جاءت الى القرية خلال النهار جثتا رجلين أُطلقت النار على رأس أحدهما وصدر الثاني. اذا وقع قتلى آخرون فقد عولجوا في الجانب الثاني.

        دخل نحو من 180 متظاهرا اسرائيل. تفرق أكثرهم في القرية وتحصن فريق منهم. بعد اربع ساعات ونصف عاد 137 الى سوريا على نحو منظم بحماية الدروز واعتقل اربعة. لم يعرف الجيش بيقين ما الذي حدث لآخرين، هل بقوا في اسرائيل أم عادوا من غير أن يُعدوا. واعترف قائد المنطقة بأن ذلك "أمر سيء". في مقابل ذلك، وصل مارون الراس 6 – 7 آلاف متظاهر هم في الأساس لاجئون من الجيل الرابع من الرشيدية وعين الحلوة. وقفت أكثريتهم قرب النصب التذكاري الى أعلى. ونزل بضع مئات الى سور الحدود. لاقوا سرية من جيش لبنان عُززت بعد ذلك، بدأ الجنود بالضرب وانتقلوا الى اطلاق النار. يقول ضابط من الجيش الاسرائيلي في تهكم: "أطلق اللبنانيون النار في الهواء بزاوية 60. ولما كان المنحدر بزاوية 70 فقد أطلقوا النار على رؤوس الناس".

        وقع من الفلسطينيين عشرة قتلى وستون جريحا بعضهم بنيران جيش لبنان وآخرون بنيران قواتنا. أطلق قناصة الجيش الاسرائيلي النار عندما وصل المتظاهرون سور الحدود وهزوه ورموا بأعلام فلسطين وراءه الى طريق الدوريات. كان الأمر العسكري هذه المرة ايضا اطلاق النار على الأرجل. يقول أحد قادة الجيش الاسرائيلي: "إن الاحداث السياسية رسخت رسوخا قويا في رؤوسنا".

        من الغد قدمت حكومة لبنان شكوى الى مجلس الأمن على استعمال اسرائيل المفرط للقوة. واشتكى السوريون ايضا: فهم حساسون بحياة مواطنيهم الى درجة كبيرة.

        توسيع فلسطين

        يرى أكثر الاسرائيليين أن مجدل شمس محطة في الطريق الى جبل الشيخ وهو مكان جيد لاحتساء القهوة في يوم ثلجي. أنا أعشق القرية منذ سبت من السبوت في 1981. سافرت لأغطي صحفيا احتجاج السكان من مواطني سوريا على قرار حكومة بيغن ان تفرض عليهم جنسية اسرائيلية. ووافقت أمي على الانضمام الى الرحلة. عندما خرجت من السيارة في ميدان القرية قرب تمثال سلطان باشا الاطرش، تلقت رشقة أرز على رأسها. سرنا في وسط الشارع وما تزال رشقات الأرز تتوالى علينا من كل بيت وكل نافذة، كان احتفالا حقيقيا. سألت الراشقين لماذا تستحق أمي كل هذا التكريم.

        كانوا على ثقة بأنها "بليتسيا لانغر"، المحامية التي ناضلت في المحاكم من اجلهم. وقفتهم على خطئهم مما خيب أمل أمي كثيرا.

        في الثلاثين سنة التي مرت منذ ذلك الحين زادت القرية لتصبح نحوا من عشرة آلاف نسمة، لكن تصورها العام لم يتغير كثيرا فما يزال سكان مجدل شمس يناورون في دهاء بين الدولتين، ويمطون الحبل احيانا ويرخونه اخرى لكنهم لا يقطعونه أبدا. برغم الاضطرابات في سوريا وصل في يوم الخميس الماضي عن طريق المعبر الحدودي في القنيطرة 12 مليون دولار، وهي الدفعة عن الارسالية السنوية من التفاح. جاء المال نقدا، ملفوفا في أكياس.

        يدفع السوريون الى الدروز عن الكيلو دولارا دونما صلة بسعر السوق. لا يأتي المال من تجار الفاكهة بل من الحكومة، علامة على دعم الدولة لمواطنيها الذين يناضلون الاحتلال. قال لي أحد وجهاء القرية: "لولا نحن لنسيت سوريا الجولان منذ زمن".

        طلب ألا يُعرف اسمه ومثله آخرون. عندما ودعت واحدا منهم قال لي بهدوء من الفم الى الأذن: "نحن أقلية. وأنتم اليهود كنتم أقلية حتى انشأتم دولة. يجب أن تتفهمونا".

        جرى استقبال الفلسطينيين في القرية بود مُظهر وتوقع أن ينصرفوا في أسرع وقت. "لا يستطيعون أن يقولوا فينا كلمة واحدة سيئة في سوريا"، قال لي أحد المحليين. تركوهم يرفعون علما فلسطينيا على تمثال سلطان باشا الاطرش، لكنهم لم يدعوهم يدخلون بيت الشعب ويتحصنون هناك. أنزلوا العلم في الغد. أطعموهم وسقوهم وأعطوهم سجائر بالمجان، لكنهم رفضوا أن يُخبئوهم.

        أركبت شابة من القرية واحدا مد يده طالبا توصيلة. سألته "الى أين؟"، قال: "خُذيني الى يافا". أنزلته في ذلك المكان.

        عرض فلسطيني آخر مفتاحا وقال: "جئت بمفتاح بيتي في الخالصة. أنا مسافر الى هناك".

        قال لي الرجل الذي التقاه: "قلت له لا توجد خالصة. فالخالصة الآن هي كريات شمونه. لا تطلب إلي أن آخذك الى هناك.

        "قال آخر انه يجب ان يصل الى الناصرة في فلسطين. قلت له: هنا الجولان وفلسطين بعيدة".

        الجهل الجغرافي أمتعه. "أرادوا توسيع فلسطين"، قال.

        الناس الأهم في الطائفة الدرزية هم الشيوخ. والامور تجري على حسب أوامرهم. قبل سنة كادت القرية تنفجر عندما أرادت قوة شرطية اعتقال مشتبه فيه بجنايات أمنية. توسط الشيوخ وهدأوا النفوس. يعمل طاهر أبو صلاح شيخا في مجدل شمس منذ سنتين ونصف وكان أبوه شيخا. وعمه شيخ. هو شخص يثير الانطباع وذو سلطة وذو شارب ابيض وعينان زرقاوان صافيتان ذكيتان. وافق على التحدث إلي لسبب واحد فقط. قال: "يهمني أن يعلم الشعب الاسرائيلي بما يحدث هنا. يؤلمني أن يعتقدوا أننا رمينا حجارة. كنت هناك. الفلسطينيون رموا، أما ناس القرية فلم يرموا. الأنباء التي نشرت في وسائل الاعلام لم تكن صحيحة. كل الاحترام للجنود الذين تصرفوا بضبط للنفس. كان قائدهم رجلا.

        "يوم السبت اتصل بي قائد مركز الشرطة في كتسرين. سمعنا انهم في يوم الاحد سيفعلون شيئا ما على تل الصرخات، قال. اتصلت بناس من القرية. قلت لهم لا صلة بيننا وبين يوم النكبة. قالوا، لن نتكلم. سنقف إزاء المتظاهرين فقط. اتفقت مع الشرطة على أن يقف سبعون رجلا لا أكثر من القرية.

        "عند الظهر نظرت من الشرفة. رأيت ناس ينزلون الى السور. خشيت أن يحدث شيء غير حسن. جريت الى هناك. وقفنا على السور ثلاثة شيوخ.

        "مر ناس من الجانب الثاني وقبلوني ولم أعرف أحدا. سألتهم من أنتم.

        "طلبت أن يكفوا عن رمي الحجارة. قالوا جئنا لنموت. حاولنا تسكين نفوسهم. لا تموتوا، لا تموتوا هنا. لكنهم شباب وما الذي يفهمه الشباب.

        "طلبت الى الجيش ألا يطلق النار. وقفنا بين الجيش وبينهم. سألني الضابط من المسؤول. قلت أنا أتحمل المسؤولية. نحن سنقوم بالعمل أفضل منكم. إمنحونا وقتا فقط سننهي هذا في كرامة.

        "فوجئنا بما حدث. أدركنا ان الامر خطر جدا وأننا سنكون الضحية في نهاية الامر. أحسنا الى أنفسنا بأن منعنا سفك الدماء.

        "لا فرق بين درزي في الجولان أو الجليل أو جبل الدروز أو لبنان. الدرزي أمين. وهو لا يدع الآخرين يُعرضون أمنه للخطر".

        وافق أحد الاشخاص المركزيين في القرية وهو طبيب على ان يقول: "الناس في سرائرهم يؤيدون من جاءوا من سوريا، لكنهم لا يريدون فوضى. اذا لم يحل العالم العربي كله المشكلة الفلسطينية أفتحلها مجدل شمس؟ قلنا، الأصل ان نمنع كارثة، فعل الشيوخ ما فعلوا من اجل القرية لا من اجل الجيش. سيأتي يوم يضطر فيه الدروز في هضبة الجولان الى بت الامر: فاما الترك الى اسرائيل وإما البقاء هنا تحت سلطان سوريا. برغم أننا نتمتع بمستوى عيش مرتفع تحت سلطان اسرائيل، فلا تتوقع أن يترك الناس. هذا المكان بالنسبة الينا أهم من الدولة".

        الاستعداد لحرب

        "كانت 37 سنة هادئة جدا في الجولان"، قال أحد ضباط قيادة المنطقة. "تعودنا. لم تهمنا حقوق الانسان في سوريا. أهمنا الهدوء.

        "ليس سور الحدود هو الذي أوقف الناس حتى اليوم بل الخوف مما يصنعه بهم النظام السوري. والسؤال ماذا سيكون تأثير الأحداث هناك وفي دول عربية اخرى في الوضع على الحدود. يجب علينا أن نتبنى فروضا متشددة.

        "في لبنان ايضا كُسر حاجز الخوف ولم يعد الاسد يخيفهم. قد يكون هذا هو تفسير سلوك جيش لبنان المفاجيء. يراقب حزب الله التغيير بقلق. وليس واضحا الى أين يمضي. "نحاول ان ندرب الجنود هنا بمنطق يختلف عما هو موجود في اسرائيل ويهودا والسامرة. يجب عليهم هنا أن يستعدوا لحرب. ويجب أن يكون ردهم حادا. لكن في اللحظة التي يدخل فيها الأمر مدنيون ونساء واولاد يصبح الامر أكثر تعقيدا. يجب إدخال تقدير الامور. واذا لم يوجد مناص تطلق النار على الأرجل. وتطلق على نحو انتقائي. مع ذلك لا يوجد لهذا الوضع حل مدرسي.

        "لا نستطيع ان نسمح بأن تنشأ على الحدود الشمالية قواعد لعب تلائم الاخلال بالنظام"، قال الضابط. "لن تكون مجدل شمس بلعين".