خبر دلالات إحياء الذكرى الـ 63 للنكبة ..عوني فرسخ

الساعة 07:12 ص|20 مايو 2011

دلالات إحياء الذكرى الـ 63 للنكبة ..عوني فرسخ

إحياء ذكرى النكبة هذا العام مختلف كيفياً عما جرت عليه العادة، كما تجلى ذلك بما شهدته القدس ويافا وبقية المدن والبلدات العربية التي اغتصبت عام 1948، والضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر، كما في المظاهرات والمسيرات التي شهدتها كل من مصر والأردن ولبنان وسوريا وغيرها من الأقطار العربية. وشوارع وميادين لندن وباريس وأكثر من عاصمة ومدينة أوروبية. كما تمايزت كيفياً ردات فعل صناع القرار السياسي والعسكري الصهيوني ورعاتهم الأمريكيين والأوروبيين.

 

فالشعارات المرفوعة والهتافات المنادى بها في كل المواقع، وكذلك مقالات غالبية الكتاب والمحللين السياسيين، وحوارات الفضائيات غير المطبعة مع العدو، لم تعد ماضوية تبكي ما فات، ولا متشائمة تندب ما هو غالب وطنياً وقومياً، وإنما غدت مستقبلية مفعمة بالتفاؤل والأمل، تشيع فيها روح التحدي والإصرار على التصدي للتحالف الإمبريالي - الصهيوني، والثقة بامتلاك القدرة على التقدم الحثيث على طريق التحرير والعودة واستعادة كامل الحقوق الوطنية المهدرة. ففي مدن وغالبية بلدات الجليل والساحل والمثلث والنقب خرج عشرات الألوف، من مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري العربي الفلسطيني، مجمعين على إحياء ذكرى النكبة في تحد متعمد لقانون "الولاء للدولة" العنصري، الذي يحرم عليهم إحياء ذكرى نكبتهم الوطنية. مؤكدين بالممارسة العملية عزمهم على مواصلة تصعيد نضالهم السلمي لانتزاع الاعتراف لهم بحرية ممارسة كامل حقوقهم السياسية والمدنية والثقافية، والتعبير عن هويتهم الوطنية وانتمائهم القومي، والتواصل الحر وغير المشروط بأي قيد مع عمقهم العربي العام والفلسطيني منه الخاص، في دلالة واضحة على التطور الكيفي المتنامي لحراكهم السياسي، وتعاظم ثقتهم بأنهم قادرون على إفشال مخطط التطهير العرقي الذي يستهدفهم بالتسفير القسري "الترانسفير" المعتمد في الأدبيات الصهيونية، وأن ما أمكن تحقيقه والكيان الصهيوني في المرحلة التي التقى فيها المعسكران الرأسمالي بقيادته الأمريكية والاشتراكي بزعامته السوفييتية على إقامته، وشعوب الأمة العربية مغيبة الدور ومعطلة الفعل تجاوزها الزمن، وبالتالي بات مستحيلاً التطهير العرقي في الزمن الراهن.

 

وفي الضفة المحتلة والقطاع المحاصر التقى منتسبو فصائل المقاومة جميعها مع الشباب والصبايا غير المنتسبين لأي فصيل، في مسيرات سلمية حاشدة مجمعة على الهتاف بشعار "الشعب يريد إسقاط الاحتلال" ورافعين لافتات تؤكد أن "حق العودة حق لا عودة عنه". وعلى الرغم من أن بعضهم رفع رايات فصائلية إلا أن الهتاف للوحدة الوطنية والالتزام بالثوابت التي تأسست عليها منظمة التحرير الفلسطينية كان القاسم المشترك الأعظم لهتافات الجميع. وندر للغاية، إن لم ينعدم، الذين نادوا بإقامة "الدولة" في دلالة على اتساع دائرة المدركين حقائق الواقع في الضفة الغربية المحتلة، وأنه ليس من الواقعية في شيء تصور إمكانية قيام دولة فيها كاملة السيادة ومستقلة الإرادة ومتواصلة التراب الوطني بعد ما أحدثه توسع الاستيطان الاستعماري الصهيوني من تمزيق وحدة ترابها الوطني ولم يبق عربياً منها سوى بضع كنتونات معزولة بعضها عن بعض ومحاصرة بالمستوطنات الصهيونية. فضلاً عن فقدانها السيطرة على حدودها مع الأردن، وأجوائها ومياهها الجوفية.

 

وكان المجمع عليه في المظاهرات والمسيرات التي انطلقت في مصر والأردن ولبنان وإلى الجولان السوري المحتل إنما هو الهتاف للتحرير والعودة، وتأكيد الالتزام العربي بالقضية الفلسطينية وإعادة التأكيد بأنها لما تزل القضية المركزية للأمة العربية. وفي مصر طالب المتظاهرون أمام السفارة "الإسرائيلية" بإلغاء معاهدة كامب ديفيد وطرد السفير، وفي الأردن طالب آلاف المحتشدين في الكرامة بإلغاء اتفاقية وادي عربة. وفي كل المسيرات العربية كان الإجماع على رفض اتفاقيات الصلح وإجراءات التطبيع مع العدو الصهيوني. وفيما شهدته القاهرة في "جمعة الوحدة الوطنية ونصرة فلسطين"، ما يؤشر إلى بداية نهاية مرحلة الردة عن الموقف القومي في الصراع العربي الصهيوني التي بدأها السادات ولم تنته بخلع مبارك بدليل قمع المظاهرة أمام سفارة العدو.

 

وفي لندن وباريس وبقية العواصم والمدن الأوروبية التي شهدت مسيرات في ذكرى النكبة شارك فيها إلى جانب النشطاء العرب أعداد غير يسيرة من أحرار أوروبا وأنصار حقوق الإنسان من الجنسين، رافعين لافتات تؤيد حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، وتندد بالممارسات الفاشية الصهيونية وعدوان "إسرائيل" على حقوق الإنسان في عموم فلسطين المحتلة. وفي هذه المشاركة والإدانة الأوروبيتين دلالة تنامي تحدي أحرار أوروبا وأصحاب الضمائر الحية فيها لفزاعة "معاداة السامية" التي طالما وظفت في تمرير الادعاءات الصهيونية، بل وفرض الصمت على عدد من أبرز مفكري ومؤرخي القارة غنية الموروث الحضاري.

 

وعندما يكون الشعار الغالب في مظاهرات ومسيرات إحياء الذكرى الثالثة والستين للنكبة إنما هو الإصرار على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هُجروا منها قسرًا، واستعادتهم أملاكهم والتعويض لهم بدل استغلال الصهاينة لها، ففي ذلك تأكيد إجماع اللاجئين على رفض كل مشروعات التوطين، وهو الإجماع الذي توالى تأكيده خلال السنوات الثلاث والستين الماضية. فضلاً عن أن في ذلك دلالة رفض الشعب العربي الفلسطيني لطروحات "الوطن البديل" إذ لا يرتضي هذا الشعب عظيم الممانعة عن فلسطين بديلاً.

 

وليس من شك أن هذا الإحياء المتميز لذكرى النكبة إنما هو نتاج ما أحدثه ربيع التغيير العربي من إطلاق إرادة الشعوب العربية ودفعها على طريق صيرورتها صاحبة الدور الأول في صناعة قراراتها الوطنية. وفي ذلك الدلالة على أن تقدم الشعوب العربية على طريق الديمقراطية يواكبه تقدم وطني فلسطيني وقومي عربي على طريق التحرير والعودة، وأن الزمن إنما بات يسير لمصلحة القضية الفلسطينية وشعب الممانعة التاريخية وإبداع الانتفاضات المتوالية.

 

وقد جاء الرد الصهيوني عنيفاً دامياً، بحيث تساقط الشهداء والجرحى في مارون الراس والجولان وقطاع غزة والضفة الغربية. وليس دليل قوة الرد بالرصاص الحي على مسيرات سلمية تطالب بحقوق مشروعة في القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة بالصراع العربي - الصهيوني، وإنما هو البرهان الساطع على عمق المأزق الصهيوني وعميق انعكاسات متغيرات الواقع العربي على الكيان الدخيل، وشعور قادته ورعاته الأمريكيين والأوروبيين بالخطر الداهم على مستقبل الكيان لمجرد أن بدأ الشارع العربي يعبر عن ذاته بقدر من الحرية. وفي هذا أبلغ دلالات إحياء الذكرى الثالثة والستين للنكبة. والسؤال الأخير هل يعي صناع القرار العربي، خاصة الفلسطينيين منهم، الضالعين في ما يسمى "عملية السلام" حقائق الواقع المستجد بعد ربيع الشعوب العربية فيرتقوا في إدارتهم للصراع إلى مستوى نبض الشوارع العربية؟