خبر موجات العشق الفلسطيني.. ظافر الخطيب

الساعة 09:23 ص|17 مايو 2011

موجات العشق الفلسطيني.. ظافر الخطيب

الزمان: تمام الساعة، النكبة المستعادة بأجساد الشهداء

المشهد: مجموعات من الشباب تخترق الحاجز البشري الذي أقامه الجنود اللبنانيون والهدف فلسطين

 

كان مشهدا فلسطينيا بامتياز، وينتمي حقاٌ للنكبة المستعادة بعد ستة وستين عاماً والمتواترة بتواترٍ شديدٍ منقطع النظير، غير أنه يحسب أيضاً في منزلة المفاجآت التي كثرت في القرن الواحد والعشرين، لماذا؟ لأن الكثيرين توقفوا عن الرهان على هؤلاء الشباب، فالرهان دائماً على أن عوامل النحت القادمة من السياسات التهجينية التذوبيبة التهجيرية قد أتت أكلها ولم يعد أمامنا سوى مجتمع مفرغ من داخله، يسير بفعل الإعالات المختلفة الاتجاهات والدوافع.

 

حتى أبناء الدار كانوا في غير وارد هذا الزحف الاستثنائي، أقصد الزحف نحو الحدود، وظنوا أن اختيار مارون الراس اختيار ذكي فهو يضع فلسطين على مرمى حجر لكنها بعيدة الوصول، كما أنها تضمن عدم توتير الأجواء، لذلك فإن ما كنا بصدده لا يعدو عن كونه نشاطاً استعاديا يؤكد فيه الفلسطينيون أنهم في غير وارد نسيان هذا الحق، غير أن حسابات البيدر اختلفت هذه المرة. أبناء الغرام الفلسطيني من الرشيدية، البص، برج البراجنة، مرورا بعين الحلوة و المية ومية، شاتيلا، مار الياس وانتهاءً بالبارد و البداوي يتدخلون لتغيير وجهة التوقعات، لتأتي منسجمة أكثر مع جوهر النكبة وحقيقة ما يريدون.

 

مشهدان صنعا فارقاً على الحدود مع فلسطين، المشهد الأول هو مشهد الخطباء الذين بح صوتهم وهم يتحفون الجمهور بما جادت به ليلتهم التي سبقت موقعة مارون الراس، أما المشهد الثاني فهو غير المكترث بالكلام والنصوص، والمندفع ميدانياً نحو المواجهة، كأن المشهدين على تنافسٍ في حب الوطن، صوت الرصاص وتواتر الأخبار عن سقوط الشهداء على بعد مئتي مترٍ كان الفيصل الحاسم في تحديد بوصلة المعركة وسقفها السياسي، إما فلسطين وإما شهيداً تلو شهيد ودونهما نزالٌ ليس فيه للتكتيكات المتذاكية مساحة أو مجال.

 

والآن والشهداء يدخلون المخيم

والشهوال، تحملهم الأكف على الأكتاف، بصمت التأكيد على قوة الغضب الفلسطيني المتراكم على مدار السنين، والمفعل على وتر المظلومية التاريخية، مؤكداً حضوره بالدم والشهداء وممارسة الحرفة الفلسطينية في مكافحة السياسات التضييقية التعسفية الجائرة أينما وجدت، فهو بلا وطن وموضوع في وضعية الهوية الممنوعة من الصرف والتصرف، وهكذا يفجر مفاجأته المدوية لينتقل إلى قلب الاهتمام، بمعزل عن جعجعات التوطين والوطن البديل، وتهويل العربدات الصهيونية، ومبادئ اللاعدالة الإنسانية عند أوباما ومشتقاته في الغرب الاوروبي.

 

لكن المفارقة في زمن الحراك الثوري والإعجاب الانبهاري بمنجزات الثورة المصرية في خطابات الغرب، أن الدم الفلسطيني هو غير الدم، والسلوك الفلسطيني هو غير السلوك، و الاحتجاج الفلسطيني لا يعتبر احتجاجاً حضارياً مع أنه كذلك، وعليه فإنه لا يعتبر إنسانياً، واللحم المشوي على نار الرصاص الصهيوني ليس لحماً انسانياً، وهو لذلك لا يستحق بيانات إدانة أمريكية أو غربية، تلك البيانات التي كثرت حتى باتت تحسب على مدار الساعة، وبان كي مون الذي يهتدي على هدي هذه البيانات لم ير، لم يسمع، لم يقرأ أي شيء عن مجزرة ترتكب بحق أبرياء عزل من السلاح، ليس لهم من ذنبٍ سوى تأكيد حقهم بالانتماء لوطن الفداء فلسطين.

 

ويحتار الانسان الفلسطيني في توصيف ذلك التجاهل، أهو اعتداء يمارسه أرباب الشرعية الدولية أم هو عدوان، أم أنه محض إرهاب، فإذا قال الفلسطيني بالسلاح ومارس حرفة المقاومة فزغرد رصاصه سمي إرهابياً، واذا فجر المخزون من الألم والمعاناة والظلم أجساداً متفجرة سمي إرهابيا، وإذا مارس بدعة الغرب اللاعقلانية في ممارسة الاحتجاج المدني (المتحضر) تجاهله الغرب المتحضر ومعه (عدالة الشرعية الدولية)، بل ترك ينزف دماً حتى الشهادة، فلا نطق سيراكوزي بعهره ولا قال بيرسلكوني المتصابي، أما أوباما فإنه في غير وارد المساس بقدسية الإرهاب الصهيوني وهو على أبواب الانتخابات الأمريكية.

 

وعليه فإن للشباب الفلسطيني كلمته، يفاجئ بها الآخرين حين ينتهون على قناعةٍ بأن الجسد الفلسطيني تهالك، يحتضر، إذ به يخط سطراً جديداً في سفر التاريخ العالمي، عنوانه جسداً في مواجهة السلك، فلا الأسلاك ولا آلة الحرب قادرة على صد موجات العشق الفلسطيني.

 

واليوم والأكف تحمل الشهداء في لحظة الوداع التراجيدي الفلسطيني، ينبغى أن ننصف هؤلاء بتأكيد بيعة الكفاح والعناد فالحق هو الحق ولا نبدل في ذلك تبديلا، ننصفهم حين نرى بعين الحقيقة تلك المعركة التي خاضوها بعفوية ودون تخطيط، بارتجالٍ ودونما تنظيم، لكنهم بذلك أعادوا تحديد السقف لمن لا يعرف غير لغة الاحتشاد من باب تأكيد الأوزان و الحضور، ذلك أن الحضور الحقيقي كان لأبطال الميدان من شهداء وجرحى، أبناء أحزمة البؤس في المنفى اللبناني..