خبر هبّة النكبة إذ تتنفس هواء الثورات العربية ..ياسر الزعاترة

الساعة 07:22 ص|17 مايو 2011

هبّة النكبة إذ تتنفس هواء الثورات العربية ..ياسر الزعاترة

من العبث القول إن انتفاضة الخامس عشر من أيار التي تابعنا تجلياتها في غير مكان داخل فلسطين وخارجها (بما في ذلك قلب العواصم الأوروبية) كانت بسبب توقيع المصالحة، ليس لأن ذلك غير صحيح من الناحية الواقعية، بل أيضاً لأن فيه قدراً من الإنكار للحقيقة الماثلة أمام الأعين، وهي أن ما جرى كان يتنفس هواء الثورات العربية من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا، إلى جانب الحراك الشعبي في الدول الأخرى. وللتذكير فما جرى أول أمس الأحد كان غير مسبوق في ذات المناسبة التي كانت تمر على نحو أكثر هدوءاً بكثير.

 

لم يكن للشعب الفلسطيني العظيم أن يواصل الوقوف موقف المتفرج حيال ما يجري، هو الذي طالما ألهم الشوارع العربية روح المقاومة، فقرر أن يتحرك بذات الروحية، روحية المقاومة السلمية هذه المرة، مقاومة الجماهير العريضة التي تجوب الشوارع وتتحدى الرصاص بصدورها العارية.

 

ما جرى أول أمس كان رائعاً بكل المقاييس، وقد رأينا الذعر في وجه نتنياهو وهو يقول إن هؤلاء الذي يقتربون من الحدود في مارون الراس والجولان والكرامة، وصولاً إلى الذين تحركوا في القاهرة، ومعهم المنتفضون في الضفة والقطاع لم يكونوا يطالبون بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67، وإنما يتذكرون النكبة التي تعني باللغة الأخرى «تأسيس دولة إسرائيل».

 

نعم، هؤلاء لا يعترفون بالقرارات الدولية، ولا يعترفون بأي شبر من فلسطين لهؤلاء الغزاة، حتى لو اعترف لهم بذلك قادة العرب، ومن ضمنهم قادة السلطة، وحتى لو وقع لهم أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، وصاحب وثيقة جنيف التي تنازلت تماماً عن حق العودة للاجئين.

 

إنهم ينتفضون من أجل فلسطين من بحرها لنهرها، ويرونها بيضاء من غير سوء، لا سيادة للغزاة على أي شبر منها، فضلاً عن أن يسرقوا بعض ما احتل عام 67، ومن ضمن ذلك القدس الشرقية ومقدساتها، ومن ضمن ذلك الكتل الاستيطانية التي تسرق أهم الأراضي في الضفة الغربية.

 

لهبة الخامس عشر من أيار دلالات بالغة الأهمية تؤكد ما قلناه من أنها «بروفا» لما هو قادم خلال المرحلة المقبلة، لا نعني حرفية المناسبة، وإنما فكرة الانتفاضة ضد الاحتلال في الداخل وإسنادها والالتحام بها الخارج.

 

يوم الأحد (15 أيار) توحد الدم الفلسطيني في الداخل والشتات كما لم يتوحد منذ سنوات طويلة، ورأينا «بروفا» لما يمكن أن يحدث في حال اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الشاملة في الداخل، وكيف سيتصرف فلسطينيو الشتات، ومن ورائهم الملايين من جماهير الأمة العربية والإسلامية.

 

لقد قلنا إن الملايين سيتدفقون من البحر والبر باتجاه الأراضي المحتلة، ولن يتمكن أحد من الوقوف في وجوههم ما داموا لا يخشون الموت، ولن يعودوا فقط من أجل تجسيد حق العودة للاجئين، بل سيعودون إيمانا منهم بضرورة شطب المشروع الصهيوني برمته وتحرير الأرض، كل الأرض.

 

إنهم مشروع الحرية للمواطن العربي، وللفلسطيني أيضا، وعندما يتحرر المواطن العربي سيحرر الفلسطيني أرضه بمساعدة شقيقه العربي، وأخيه المسلم. لن يحدث ذلك بالطبع من دون تحرر الفلسطيني في الداخل من قيد أوسلو. ألم يكن سيئاً أن تكون انتفاضة الضفة الغربية محصورة في منطقة أو مناطق محدودة مع أن حواجز الاحتلال تنتشر في كل مكان؟!

 

لا يتعلق الأمر بالإنسان الفلسطيني الذي لم يتوان يوماً عن تقديم الدم والتضحيات، ولكنها المنظومة السياسية التي يقول كبيرها بالفم الملآن (آخرها في تونس قبل أسبوعين) إنه سيمنع أية انتفاضة في الضفة الغربية مهما كان الثمن.

 

من المؤكد أن الوضع العربي لا يزال غير ناضج للانسجام مع انتفاضة الداخل وصولاً إلى الزحف المقدس باتجاه فلسطين، لكنه سينضج في يوم لن يكون بعيداً، ومن يتحدثون عن رفض التوطين في الدول العربية عليهم أن يثبتوا ذلك بالفعل لا بالقول، وهم لن يثبتوا ذلك حين يمنعون الناس من التدفق نحو فلسطين من كل الاتجاهات، فضلاً عن قمعهم والتنكيل بهم.

 

يوم الأحد كان يوماً رائعاً، ونكرر ما قلنا مراراً قبل يومين، وفي مداخلات «فضائية»، إن ما جرى مجرد «بروفا» ليوم الزحف المقدس القادم بإذن الله بعد تحرر إرادة الفلسطيني في الداخل من قيد أوسلو، واستعادة العربي لإرادته المسلوبة. وهو يوم لن يكن بعيداً بإذن الله. سنكرر ذلك دون كلل ولا ملل، وليقولوا عنا حالمين، أو حتى مجانين!!