خبر رئيس الوزراء القادم: العقدة والحلاّل..د. أحمد يوسف

الساعة 02:52 م|15 مايو 2011

رئيس الوزراء القادم: العقدة والحلاّل..د. أحمد يوسف

إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة في الذكرى 63 للنكبة لم يكن تزامناً عبثياً، بل هو توفيق الله ورعايته لهذا الشعب العظيم وأرضه التي باركها للعالمين.. إن عودة البسمة للوجوه التي عاش الكثير منها حزيناً تطارده الذكريات المرة لسنوات الانقسام هي قفزة هائلة جعلتنا اليوم نعيش عرس الوطن ونُعلي زغاريده

إن المصالحة من ناحية توقيتها قد جاءت على قدر؛ فشعبنا اليوم تحاصر حشوده كل مساحات الحدود والمعابر مع المحتل الغاصب من مارون الرأس إلى بيت حانون، في إشارة رمزية معبرة "أننا يا قدس قادمون، ونحن للعودة أقرب".. لا شك بأن عودة الروح والحيوية لشعبنا هي أول الطريق لتصويب بوصلة مسيرتنا النضالية نحو التحرير والعودة

وبانتظار تشكيل الحكومة التي سيتم الإعلان عنها خلال الأيام القليلة القادمة لنا جملة من الرؤى والأفكار التي ينبغي أن تأخذها كل من فتح وحماس في الحسبان عند اختيار رئيس الوزراء القادم، وأول هذه الحقائق أنك لا تأتي بشخص لا علاقة له سابقاً بمثل هذا العمل، فنحن نتحدث عن حكومة انتقالية لمدة عام سيكون أمامها تحديات هائلة بثقل الجبال، وهي تحتاج إلى رئيس وزراء لديه عضلات شمشون الجبار وحكمة لقمان، وكاريزما الرئيس عرفات وابتسامة الشيخ أحمد ياسين، وصبر أيوب، ومعافى من الملاحقة الإسرائيلية والفيتو الأمريكي؛ أي أنك في النهاية تحتاج إلى شخصية تتمتع بمواصفات خارقة للعادة.

إن رئيس الوزراء الذي سيتم الإعلان عنه خلال الأيام القليلة القادمة يجب أن لا يكون بعيداً عن ساحة العمل السياسي حتى وإن كان أستاذاً جامعياً أو رجل اقتصاد بامتياز، فجدلية الاقتصاد والسياسة في عالم اليوم لا يفصلها إلا خيط رفيع، وإن كان حجم التداخل بينهما كبير جداً.

إن المرحلة الانتقالية القادمة تتطلب شخصاً خبر السياسة والاقتصاد معاً، ومحيطاً بكل تقلبات الحالة الفلسطينية وأوجاعها، ومطلعاً على احتياجات إعادة الإعمار ومتطلباته، وقادراً على الإعداد للانتخابات القادمة في يونيو 2011، كما لديه الخبرة على جذب الاستثمارات الخارجية لبعث الحياة في شريان الاقتصاد الفلسطيني المتعثر، والأهم من ذلك كله القدرة على ضبط إيقاع العلاقات التي تفتقد إلى الثقة بين فتح وحماس، وما قد يترتب على سوء تقدير الحسابات في التعاطي مع الإشكاليات الميدانية التي تفرضها عملية الاندماج والتكيّف بينهما.

إننا لا ننتظر أن تفاجئنا الحركتان – فتح وحماس - برئيس وزراء طارئ على العمل الحكومي، يكون انشغاله في معظم الوقت هو اكتشاف مهمات عمله، ومتطلبات البروتوكول، والتوفيق بين أولويات أجندته الداخلية والإقليمية من ناحية، والمجتمع الدولي والجهات المانحة من ناحية أخرى

أتمنى أن يعي الجميع في فتح وحماس بأن ما هو قادم يمثل التحدي الأخطر للشعب والقضية، حيث إن المنطقة العربية لم تستقر بعد، وهي مرشحة لمزيد من التوترات والثورات، وهذا سيجعل الجميع مشغولاً عنّا لحين تحقق الأمن والاستقرار في ربوع بلاده؛ أي أننا نتكلم عن مساحة زمنية قد تتجاوز العامين أو أكثر.

من هنا، فإن علينا عدم المبالغة في تعجل وصول ثمرة ربيع الثورة العربية، وضرورة التخطيط برؤية إستراتيجية بعيدة المدى، بكل ما يعنيه ذلك من العمل على بناء شراكة سياسية وأمنية وتوافق وطني لا تتمكن إسرائيل من فك عروته الوثقى مهما أوتيت من أساليب المكر والحيلة، كما أن علينا إقامة تحالفٍ يحفظ بقدسيته المكانة العالية لقضيتنا، باعتبارها القضية المركزية التي تعشش في عقل أمتنا العربية والإسلامية ووجدانها على المستويين الرسمي والشعبي.

 

أسئلة وتساؤلات

ما الذي تعنيه هذه المقدمة والتلميحات الواردة فيها؟ وهل هناك شخص بذاته يمكن المراهنة عليه لحمل أعباء ما هو قادم، والسير بنا عبر هذه المفازة الموحشة التي تتهددنا فيها مخاطر قفر الصحراء، وجدب واحاتها، ووحشة دروبها..؟

كما أسلفت، ليس من السهولة إيجاد هذا الشخص الذي يمتلك كل المواهب والخبرات التي ذكرناها، والذي يمكن أن ترضى عنه فتح وحماس، فنحن وعلى مدار سنوات صراعنا الداخلي أجهزنا على رصيد كل شخصياتنا الوطنية، فلم يعد هناك أحدٌ من عيبٍ سليم، وكلُّ من سبق وحظي بموقع حكومي متقدم صرفنا له بطاقة "الخيانة العظمى"، وكل من حصل على بطاقة (VIP) أصبح في دائرة الشبهة التي تفرض الحظر منه وعدم الإفراط في التعامل معه، وكلُ من فتحت له أبواب العلاقة هنا أو هناك أخذنا التساؤل والشك حول أبعاد وشبهات هذه العلاقة..!!

بصراحة أقول: إن ساحتنا الفلسطينية تعيش حالة من الاستقطاب وغياب الثقة، وأن الكثير من قيادات العمل الوطني والإسلامي تحتاج – بدرجات متفاوتة - إلى معالجات نفسية كي تظل متمتعة بالمكانة التي تؤهلها لامتلاك القرار الذي يحمي حقوقنا وثوابتنا الوطنية. 

 

 

 الواقعية السياسية

إذا سلمنا بأن المطلوب هو رئيس وزراء قادر على الانطلاق من حيث انتهينا، وليس البدء بمحاولة استكشاف المحيط العربي والأفق الدولي، فإن هذا يفرض علينا تقديم وجهٍ ليس غريباً على أحد، بل شخصٌ ألفناه وله انجازات وأثر على الأرض يشهد له أو عليه.

إن الحقيقة التي لايختلف عليها إثنان أننا شعب له مشكلات متباينة مع بعضه البعض وكذلك مع المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي، كما أننا في الضفة الغربية وقطاع غزة محاصرين بأشكال مختلفة من قبل الاحتلال، وهو يقطع علينا الطريق أمام التواصل مع عمقنا العربي والإسلامي، ويلاحقنا بماكينته الدعائية باتهامات التطرف والإرهاب من ناحية، وغياب الشريك من ناحية أخرى.!! كما أنه يعمل على حجب الدعم الغربي وخاصة الأمريكي عنّا، وهو قادر من خلال لوبياته السياسية والكارتيل الاقتصادي الموجه صهيونياً تحجيم حتى مصادر الدعم العربي والإسلامي المقدم للسلطة الفلسطينية.

 

د. فياض في دائرة الضوء

في الحقيقة أن لكلٍّ من فتح وحماس ملاحظات على الدكتور سلام فياض، وأنا هنا لا أذيع سراً ولا أقدم اكتشافاً جديداً، لأننا كنّا نلاحظ حجم الاستهداف الذي يتعرض له الرجل في وسائل الإعلام وداخل الصالونات السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

لا شك أن ضوابط د. فياض المالية قد أزعجت بعض قيادات حركة فتح التي كانت يدها – كما يقول البعض - طليقة في المال العام؛ فلا حسيب ولا رقيب.. ومع مراجعات الدول المانحة ومحاولاتها لوقف حالة التسيب، كان اختيار د. فياض لترؤس وزارة المالية قبل مجيء حماس للحكومة وكذلك في حكومة الوحدة الوطنية.

وقد نجح الرجل – في نظر البعض - في إثبات كفاءته بإدارة المال العام، وحُسن توظيف أموال الدعم الدولي في بناء مؤسسات الدولة القادمة، والقيام بجهد لا يمكن انكاره في رعاية مشاريع البنى التحتية، وقد ترك لمسات وحقائق على الأرض تجعل القرى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية تقول: "مرَّ وهذا الأثر".

لاشك بأن حماس هي الأخرى لها ملاحظاتها المشروعة على د. فياض؛ حيث تقول إن عهده شهد إخضاع الأجهزة الأمنية للجنرال كيث دايتون، وفي عهده أيضاً كانت الملاحقات لكوادر حماس وقياداتها، وفي عهده لم يتم بذل أي جهد لتفعيل المجلس التشريعي، وفي عهده كذلك كانت مشكلات جوازات السفر والكهرباء...الخ.

إذا تعاملنا مع الحقائق بإنصاف، يمكن أن نقول إن د. فياض يتحمل جزءاً من هذه المسؤولية، ومن الظلم تحميله كل أخطاء أو خطايا المرحلة السابقة. لقد خبرنا العمل مع الأجهزة الأمنية في قطاع غزة خلال الحكومة العاشرة وحتى في حكومة الوحدة الوطنية، وعانينا الكثير من تجاوزاتها وحالات الفلتان التي خلقتها، وأدركنا أن هذه الأجهزة – بشكل عام - لا تخضع بالكلية لوزارة الداخلية، بل كانت تتمرد –أحياناً- على التعليمات التي تصلها من رئيس الوزراء إسماعيل هنية..!! ولعل هذا ما جعله يقول: "إننا كنا في الحكومة ولم نكن في الحكم".!!

إننا لن نعفي د. فياض – مع كامل احترامي له وتقديري لبصماته المميزة في الضفة الغربية - من كامل المسؤولية، ولكن الأمانة تقتضي القول إن وضع الرجل – بشكل عام - لم يكن أحسن حالاً مما كان يجري سابقاً في قطاع غزة، فمعظم هؤلاء القادة في الأجهزة الأمنية - كانوا وما زالوا - يتمتعون بحماية مالية وأمنية خارج قبضة السلطة الفلسطينية، باعتبار أن مرجعيات عملهم – كما يقول البعض - أقرب إلى واشنطن من رام الله..!!

من هنا، فإن على كل من فتح وحماس تقدير الموقف للمرحلة الانتقالية القادمة، والمفاضلة بين الأسماء السبع الذين سبق أن طرحناهم كمرشحين، وهم: الدكتور ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم السابق، والدكتور سلام فياض المكلف برئاسة الوزراء بالضفة الغربية، ورجل الأعمال ووزير الاقتصاد السابق مازن سنقرط، والدكتور سمير أبو عيشة وزير المالية السابق، والدكتور كمالين شعت رئيس الجامعة الإسلامية، ورجل الأعمال المخضرم منيب المصري، والدكتور محمد عوض وزير التخطيط والخارجية في حكومة غزة وأمين عام مجلس الوزراء السابق.

هذه أسماء سبق لي العمل معها أو سماع شهادات الكثير من الناس عنها، وهي تتمتع بإمكانيات وأهلية تجعلنا نستبشر خيراً باستمرارية جهدها وتجربتها في الحكومة الانتقالية القادمة.

 

مرحلة حبلى بالتحديات

إننا اليوم نتطلع إلى شراكة سياسية وأمنية، سيكون فيها لمصر دور في تأكيد هذه الشراكة وحمايتها، لذا فإن ما هو قادم في المرحلة الانتقالية لن يكون فيه أحدٌ طليق اليد، بل سيخضع الجميع لمراقبة الراعي المصري وللأجهزة المتفق عليها فلسطينياً كمرجعيات للإشراف على عمل كل جهاز، والتأكد من أن الجميع ملتزم بالسياسات العامة التي تقيّد مساحات التنسيق مع الاحتلال وتراقبها.

إذا حددنا برنامج الحكومة القادمة وتوافقنا عليه، فإن من سيأتي من بين أولئك المرشحين السبع سيكون هو الأقدر على تطبيقه، ونحن (فتح وحماس) سنكون في موقع من يعمل - بالتفاهم والحوار- على تلزيمه بحرفية ما توافقنا عليه.

 لقد أورد الإمام القرافي في كتابه "الفروق" وصفاً لمن يتولى أمراً من أمور المسلمين بالقول: "يجب أن يقوم في كلِّ ولاية من هو أقدر بمصالحها على من هو دونه"، حيث إن المطلوب من الإمام أن يكون حازماً، أي لديه القدرة على إنفاذ الأمور، وعدم التردد في اتخاذ القرارات أو تنفيذها بقوة وعزم.

وأنا اليوم أرفع صوتي ناصحاً إخواني في فتح وحماس بإعطاء واحداً من بين أولئك المرشحين السبع الفرصة لإدارة شؤون الحكم في المرحلة الانتقالية القادمة، على أن يعمل معه باقي المرشحين كوزراء في حكومته، ليتشارك الجميع في استكمال ما بدأناه من بناء أركان الدولة الفلسطينية القادمة، والعمل على جلب الأموال التي وعدت بها الدول المانحة لإعادة إعمار ما هدَّمته الحرب على قطاع غزة، والإعداد للانتخابات القادمة، وقبل هذا وذاك العمل بسرعة على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.

وكفلسطيني يعشق وطنه ويعتز بشعبه العظيم، ويضع مصالحه العليا فوق كلِّ اعتبار آخر، أجتهد – على المستوى الشخصي - بالقول: إنني مع إيماني العميق بصعوبة المرحلة الانتقالية وبعقدة الاتفاق على شخص بعينه كرئيس للوزراء، فإن الحقيقة تبقى أن رئيس الوزراء القادم لن يكون صانع سياسات بل ملتزم ببرنامج عمل محدد لا يمكنه الخروج عنه. من هنا، أكرر ما سبق أن طرحته من أسماء كمرشحين لهذا المنصب، مع التأكيد أنهم بالإمكان أن يكونوا أفضل فريق عمل حكومي يقود قاطرتنا الوطنية في سياق معطيات "إن خير من استأجرت القوي الأمين".

أما فيما يتعلق بحق قطاع غزة أن يكون منه شخص رئيس الوزراء فهذه قضية لها وجاهتها، ولكن بالإمكان أن تعود رئاسة التشريعي لقطاع غزة، ويبقى منصب رئيس الوزراء في الضفة الغربية على أن يقوم الأخ الرئيس (أبو مازن) بتوزيع وقته وأعماله بين شطري الوطن.

وفيما يتعلق بالأخ الدكتور عزيز دويك الرئيس الحالي للمجلس التشريعي، فقد عبّر الرجل في أكثر من لقاء إعلامي أنه يضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار آخر، وأعلن أنه مع أية ترتيبات تستدعيها هذه المصلحة، لأن الموقع ليس مخلداً لأحد، وما يتراضى عليه الطرفان فهو أول من يلتزم به.

إن هذه اللغة التي يتحدث بها د. عزيز دويك تحمل نبرة وطنية صادقة تفوح منها رائحة المسك والعنبر، وتظللها معاني الإخلاص والوفاء لهذا الشعب وقضيته، إنها لغة من يستحق بجدارة أن يكون رئيس فلسطين القادم.