خبر أيلول خلف الزاوية- معاريف

الساعة 10:56 ص|13 مايو 2011

 

أيلول خلف الزاوية- معاريف

بقلم: بن كاسبيت

تصريحات مئير دغان في نهاية الاسبوع الماضي صنعت عناوين أساسا في موضوع النووي الايراني. ولكن دغان تحدث عن أمور كثيرة اخرى. في ختام حديثه طُلب اليه التعليق على سلوك اسرائيل في المنطقة فاجاب دغان: "الفلسطينيون لا يهمونني ولا مشاكلهم تهمني هي ايضا. ما يهمني هو ما الذي تريده اسرائيل. والحقيقة؟ نحن لم نحدد لانفسنا ماذا نريد. السلام ليس هدفا. المهم هو ضمان بقاء الشعب اليهودي. عندي شك بالنسبة لقرارات مصيرية تتخذ في اسرائيل" ("هآرتس"، يوم الاحد).

هذه الأقوال، لرئيس الموساد المنصرف، ليست اقل من قنبلة. من يعرف دغان يعرف بان الرجل يضن بالكلام، يبتعد جدا عن الاضواء، مخلص وموضوعي. وعندما يوجه نظرته الى القيادة السياسية، بعد ثماني سنوات ناجحة في رئاسة الموساد، ويقول ان عملية اتخاذ القرارات في دولة اسرائيل تثير فيه الشكوك، ويربط ذلك بـ "بقاء الشعب اليهودي"، ويشير الى أننا لم نحدد لانفسنا بعد ماذا نريد، إذن واضح ماذا يريد هو. فهو يعرف بانه اذا ما حصل هنا شيء سيء أو فظيع، فسيتحمل الذنب اولئك الذين عرفوا وصمتوا أيضا. إذن ها هو، لديه الان دفع بالغيبة، أو على الاقل شبه دفع بالغيبة. لم أصمت، سيقول دغان. وهو ليس وحيدا. هذه الاقوال القاسية يقولها الجميع. تقريبا بدون استثناء. استعدوا لموجة المقالات التالية عن "الانقلاب في وزارة الدفاع" او "ثورة العقداء". ومثلما كان هذا سخيفا في الجولة الاولى، هكذا سيكون سخيفا في الثانية ايضا. إذ لا يوجد هنا انقلاب ولا توجد هنا ثورة، يوجد هنا اناس يتحملون مسؤولية كبيرة، من الصعب عليهم ان يصمتوا (وان كان ممكنا).

عندما يحذر ديسكن

بعد خمسة أيام من تصريحات دغان، انضم اليه يوفال ديسكن. في كلمة علنية يوم الاربعاء في جامعة تل أبيب القى ديسكن محاضرة استراتيجية شاملة عن الوضع. الصورة التي رسمها لم تكن وردية. بل العكس. "بشكل شخصي" قال ديسكن، أنا قلق جدا مما يرتقب في ايلول. ايلول هو دوما شهر فاسد في الشرق الاوسط. اذا ما حصلت امور، عندها لعلنا نبدأ في ان نرى هنا تصعيدا... أفترض ان هذا سيبدأ في تحريك سياقات يمكنها أيضا ان تتدهور، ان لم يكن هنا تطور كهذا او كذاك. وأكثر من ذلك لن أتطرق لشيء".

رئيس المخابرات المنصرف شدد عن عمد على "عدم تطرقه" لذاك "التطور كهذا او كذاك". وهو يعرف بان نتنياهو يعرف، بان الجميع يعرفون، ماذا يقصد. وهو يقصد ما قصده دغان، ما قصده في حينه غابي اشكنازي، وما قصده في لحظته عاموس يدلين، وما يقصده بيني غانتس (بالمناسبة، في أجواء طيبة بدأت العلاقات بين غانتس وباراك، في موضوع التعيينات. هكذا أيضا بدأ الحال مع غابي)، وما يقصده تمير باردو، رئيس الموساد الحالي وما يقصده تقريبا كل قادة جهاز الامن الكبار في اسرائيل، في الماضي القريب وفي الحاضر. وهم يقصدون أن على اسرائيل أن تحدد لنفسها هدفا. ان تبادر. أن تمسك دفة القيادة. الا تنجر. الا تجر الارجل. الا تتثبت بمحاولات يائسة لارضاء محافل في الائتلاف او مقربين، او تسمح للعالم بمحاصرتها. يمينا كان أم يسارا، عليها ان تختار الاتجاه وتسير فيه. من يسمع دغان، ديسكن وباقي الرفاق في الغرف المغلقة، يصاب بالدوار. حقا لا توجد هنا مواضيع يسار أو يمين. فدغان ليس رجل اليسار. فقد تربى، تعلم ورضع مذهبه الفكري في اليمين. واليوم أيضا هو رجل اليمين. ولكن هذا لا يعني أنه غير قادر على قراءة خريطة التهديدات أو تشخيص الجبل الجليدي الذي نبحر نحوه. وليكن واضحا: ما كان ينبغي له أن يقول ما قاله في نهاية الاسبوع الماضي بالطريقة التي قالها فيها. في الموضوع الايراني ألحق ضررا. حتى لو كان معارضا حادا، حازما وفظا لهجوم على ايران (وهذا ما هو بالفعل)، فلا يوجد ما يدعو الى تهدئة روع الايرانيين وتركهم يفهمون قوة المعارضة في اسرائيل لمثل هذه الخطوة.

النبوت العسكري الذي ترفعه اسرائيل امام ايران يجب وضعه على الطاولة في مكان بارز. يجب التلويح به بين الحين والاخر. وذلك ايضا كي تعرف ايران، وكي يسارع العالم في نفس الوقت. دغان خرب على هذه الخطة. ولكن من جهة اخرى، وتوجد ايضا جهة اخرى، فقد حذر. وأسمى الولد باسمه. تحدث عن "عملية اتخاذ القرارات" في اسرائيل. عملية لو انكشفت في ضوء النهار، لاثارت هنا فزعا جماهيريا، لجنة تحقيق رسمية وخجل كبير. وعليه فالانتقاد لدغان صحيح، وانتقاد دغان هو الاخر صحيح.

عندما يبادر الفلسطينيون

في نهاية هذا الاسبوع ستنطلق على الدرب أحداث "النكبة" الفلسطينية. في المناطق وربما في اسرائيل ايضا. ايلول خلف الزاوية. ربطة الخنق باتت منذ الان على الرقبة، وأحد ما فقط ينبغي أن يركل العتبة التي نقف عليها. وماذا يوجد برأيكم على جدول أعمال حكومة اسرائيل يوم الاحد القريب القادم. ها هو الجدول الزمني الذي وزع على الوزراء يوم الخميس: البند الاول، إقرار تعيين مسؤول عن لواء الوسط في وزارة الداخلية. البند الثاني، توسيع دورات الهوية اليهودية والصهيونية في الجيش الاسرائيلي. بند ثالث وأخير خطة متعددة السنوات لتطوير وتعظيم البلدات البدوية في الشمال. وهذا هو.

مسؤول أمني كبير ضالع في الاحداث أجمل مؤخرا ما تفعله اسرائيل كي تستقبل المشكلة بالجملة التالية: "نحن ننتظر المعجزة". لا أدري اذا كان دغان وديسكن، رئيسا الموساد والشاباك، رجلين بعد ولايتين ناجحتين على نحو خاص كانا منسقين. ولكن الحقيقة هي أنهما يقولان، او على الاقل يلمحان بالوضع، ترتبط بالمقابلة التي تهز الكيان التي منحها لـ "معاريف" يوم الاستقلال العميد احتياط عزريئيل نافو، الذي كان السكرتير العسكري لاربعة رؤساء وزراء (بيغن، شمير، بيرس ورابين) على مدى 11 سنة ونصف. نافو قال انه ينبغي ان يقدم الى المحاكمة هو، يحيئيل كديشاي (رئيس مكتب بيغن) ودان مريدور (سكرتير الحكومة)، لاخفائهم عن الجمهور في اسرائيل حقيقة انه لا يوجد رئيس وزراء (بعد أن اغلق بيغن على نفسه بيته وكف عن اداء مهامه). اليوم، قال نافو، بات هذا متعذر. في عصر الفيس بوك، التويتر، حيث ينكشف كل شيء، مكشوف ومفتوح في الانترنت بالبث الحي والمباشر، لم يكن ممكنا اخفاء مثل هذه الامور. وبالفعل، يبدو ان هذا ليس دقيقا. إذ  أن اسرائيل 2011 تبحر نحو الجبل الجليدي بهدوء جماعي. الفرقة الموسيقية تعزف على الدكة، البوفيه مليء، وفي الطابق السفلي يعج الكازينو، ولا أحد يفهم بان برج القيادة مهجور. لا توجد يد توجه الدفة، مستقرة وواثقة. رغم أن المحيط عاصف.

عندما يكون بيبي مشلولا       

ها هي قصة عن القرارات: قيل وكتب الكثير عن قرار نتنياهو تعيين يورام كوهين رئيسا للمخابرات. أنا، في هذه الصفحة أثنيت على القرار وعلى التعيين. كوهين جدير، المشكلة هي، كما يقول مئير دغان، هي عملية اتخاذ القرار.

قبل أن يقرر، طلب نتنياهو كما هو دارج توصية رئيس المخابرات الحالي. ديسكن رفع فتوى وتوصية دقيقة. "ج" رفضه لاسباب قيمية. وتجاوز مرشحا آخر. فتبقى يورام كوهين و "ي"، المتنافس الاساس امامه. كلاهما جديران. كلاهما مهنيان، قال ديسكن ولكني اوصي بـ "ي". في المساء، قبل ساعة او ساعتين من الاعلان، اتصل نتنياهو بديسكن وابلغه بانه اتخذ القرار المعاكس وسيعين يورام كوهين.

ديسكن كان في صدمة. في الاستيضاحات التي اجراها لاحقا، تبين أنه في اللحظة الاخيرة، دخل أحد ما (نتان ايشل؟) على نتنياهو، وقال له، بحياتك، يا سيدي رئيس الوزراء، اليمين يريد يورام كوهين، فلماذا تتورط معهم عبثا. هذه هي قاعدة القوة لديك، المستوطنين. ولما كان الرجلان مناسبين، فعين من هو مناسب ومقبول من مؤيديك في نفس الوقت.

هذه الامور لا تجعل تعيين يورام كوهين مرفوضا. المشكلة هي الطريقة التي سار فيها. كيف يمكن لكل منبوذ وبشع يدخل للحظة على رئيس الوزراء، ان يغير قراراته، بما في ذلك في مواضيع مصيرية. بهذر لسان، في اللحظة الاخيرة. كل من عمل مع نتنياهو يعرف انه هكذا تسير الامور. واذا كان المنبوذ والبشع لا يغير القرار، فعندها العقيلة، تلك التي تنتظر في البيت، ستغيره. وعليه فان الجميع يغادرون، يهربون، يتركون أو يلفظون. وعليه فان قادة جهاز الامن يتحدثون مثلما هم يتحدثون. إذ في الايام التي تنتظرنا تحتاج اسرائيل الى يد مستقرة، هادئة ومتزنة على الدفة. وبدلا من ذلك، تلقينا نتنياهو غير القادر على اتخاذ قرار بسيط، وطائفة المقربين الفزعة، العقيلة النزقة، وخلف كل هذا، ايهود باراك. فهذه هي العلاوة التي تجعل كل الامر خطيرا على نحو خاص.

وبمناسبة باراك، المقابلة التي منحها لجيدي فايس في "هآرتس" يوم الجمعة الماضي هي وثيقة تقشعر لها الابدان جدا. جمهور هدف هذه المقابلة هو شخص واحد، أبيض الشعر وعديم الخوف. ويسمونه ميخا ليندنشتراوس مراقب الدولة. فليندنشتراوس يعرف بالضبط لماذا يدور الرئيس بيرس ويهمس للناس بان "غابي اشكنازي أنقذ الدولة". فهو يعرف المواضيع الاستراتيجية، خلافات الرأي في القيادة، عن كثب شديد. وعليه ينبغي لباراك، من جهة، ان يقنع ليندنشتراوس بانه هو الخبير الذي يتحدثون عنه، ولا سيما في موضوع ايران ("هم لن يلقوا علينا بالقنبلة"). ومن الجهة الاخرى التشهير برؤساء الوزراء السابقين، بمن فيهم بن غوريون (!!)، ممن كانوا ذوي نزعة استمتاع لا تقل عنه.