خبر إضاءات على إنهاء الانقسام../ علي جرادات

الساعة 03:39 م|11 مايو 2011

إضاءات على إنهاء الانقسام علي جرادات

بعد أربع سنوات على احتراب عبثي، كاد يعصف بالمشروع الوطني، وعشية الذكرى 63 للنكبة والـ44 لهزيمة 1967، (كتوقيت صدفي يحمل دلالة تحيل إلى مفارقة)، أعلنت حركتا "فتح" و"حماس" توصلهما إلى اتفاق لإنهاء أخطر الانقسامات الفلسطينية، على الأقل منذ تأسيس فصائل الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة، وتشكيلها لائتلاف سياسي وطني في إطار منظمة التحرير، الترجمة الفلسطينية لمقولة الجبهة الوطنية، التي تضاعف جهود حركات التحرر الوطني في مواجهة المحتلين، وتحول دون بعثرتها وتعدد أجنداتها، كهدف يتمناه المحتلون ويعملون عليه بدأب ومثابرة.

      

   إذ رغم وجود جهات غير متحمسة، ارتباطاً بمصالح فئوية وشخصية ضيقة، إن كان داخل حركتي "فتح" و"حماس" أو خارجهما، جاء اتفاق الحركتين الأولي على إنهاء احترابهما برعاية مصر ما بعد الثورة، كاتفاق حظي بترحاب شعبي وفصائلي حذر، في ظل تهديدات إسرائيلية هستيرية متوقعة، دعمتها واشنطن، وعكست قلقاً لا يتعلق بالاتفاق فقط، بل أيضا وأساساً بالظرف الذي جعله ممكناً، الحراك الشعبي العربي وإنجازاته، وفي مصر تحديداً.

 

   بهذا، ولهذا، وبمعزل عن ظروف الاتفاق ودوافعه، الموضوعية منها والذاتية، أصبحالشعب الفلسطيني في خضم لحظة سياسية تفرض تلاحم قواه السياسية والمجتمعية الفاعلة، بمشاربها الفكرية والسياسية المختلفة، من أجل تنفيذ هذا الاتفاق في ظل مناهضة إسرائيلية أمريكية معلنة، ترمي إلى إجهاضه، ومنع تنفيذه، بكل السبل والوسائل والإجراءات، التي تعكس بداهة أن الانقسام الفلسطيني بالنتيجة العملية، وبمعزل عن نوايا أطرافه الداخلية ودوافعهم، شكل مصلحة صافية لإسرائيل، التي استعملته كأداة إضافية لفرض اشتراطات رؤيتها للصراع وتسويته، أي لتصفية القضية الفلسطينية، ومقايضة جوهرها، حق اللاجئين في العودة، بحكم ذاتي يحمل مسمى دولة، ينهي المطالب الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، ويعترف بإسرائيل "دولة لليهود".

 

 عليه، ولأنه ليس اكتشافاً للنار أن الانقسامات الفلسطينية تشكل مصلحة إسرائيلية صافية، فما بالكم بأخطرها، فإن الأهم من اتفاق القاهرة الأولي، إنما يكمن في توفر إرادة سياسية وطنية تنقله إلى حيز التطبيق العملي. وهنا يجدر التنويه بالإضاءات التالية:

 

أولاً: لأن ما عاشه الشعب الفلسطيني لمدة أربع سنوات عجاف مضت، إنما كان جوهرا بفعل احتراب على تمثيله، فإن المطلوب ليس استعادة وحدته الوطنية، فهي قائمة في أوساطه كشعب لم يعرف الصراع الطائفي أو المذهبي أو الإثني، بل إعادة بناء الائتلاف السياسي الوطني بين قواه السياسية والمجتمعية، بمشاربها الفكرية والسياسية المتنوعة، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد له، في الوطن والشتات.

 

ثانياً: ولكي يتحقق هذا بصورة فعلية وإستراتيجية، لا استعمالية وتكتيكية، فإن هنالك حاجة إلى رؤية أن الأمر غير ممكن دون توفر برنامج سياسي، تستخلصه مراجعة سياسية وطنية شاملة. برنامج يعيد للشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات، وحدته السياسية، كناظم لا مناص منه لإعادة بناء وتوحيد وتفعيل وتثوير ودمقرطة المؤسسات الوطنية، المعبر عنها في منظمة التحرير الفلسطينية. وغير ذلك لا يعدو كونه ترقيعاً بمداخل خاطئة، جرى تجريبها، (مدخل التنسيق خلال الانتفاضتين، ومدخل انتخابات التشريعي 2006 مثلاً)، لكنها لم تمنع تفجر الحالة الفلسطينية بين قيادة منظمة التحرير وبين "حماس" كقوة ما زالت خارجها، ولا تقر بشرعية ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني، ما يفرض ضرورة إعطاء الأولوية للإسراع في تنفيذ البند المتعلق بتشكيل القيادة الوطنية المؤقتة، كقيادة اتفق على تشكيلها من أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني والأمناء العامين للفصائل ومستقلين، وتعنى بإدارة الشأن الفلسطيني، وجوهره إدارة الصراع مع الاحتلال، حتى إجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة لمجلس وطني جديد، في الوطن والشتات، والتوافق حيث تعذر، وفق خطة عملية بجدول زمني غير قابل للتأجيل والتسويف، كما حصل بعد اعلان القاهرة 2005.

 

ثالثاً: لكي تكون هذه القيادة المؤقتة ناظماً على طريق تحقيق وحدة قيادية دائمة كما ينص الاتفاق نظريا، فإن هنالك حاجة للاتفاق على لائحة ناظمة تحدد صلاحيات هذه القيادة بدقة، بما يجسر التعارض القائم في بند الاتفاق الذي ينص على "أن قرارات هذه القيادة غير قابلة للتعطيل" من جهة، و "بما لا يتعارض مع صلاحيات اللجنة التنفيذية" من جهة ثانية. فالاكتفاء بحمال الأوجه من الصياغات التي تحمل الشيء ونقيضه في السياسة والأمن والتنظيم والمواعيد، لم يفضِ في اتفاق مكة، (مثلاً)، ولن يفضي إن لم يجرِ تفصيله بدقة، برغم تغير المعطيات خارجياً وداخلياً، إلا إلى الانتكاس والعودة بأخطر حلقات الانقسام الفلسطيني إلى مربعها الأول.

 

   بهذا يأخذ هذا الاتفاق الوطني طريقه إلى التنفيذ، بما يخدم المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وبما يمنع تحويله إلى استدارات محاصصة تكتيكية فرضتها عوامل خارجية وداخلية. ما يفرض تحويل لغة "المصالحة" العشائرية إلى لغة الاتفاق السياسي، ذلك أن المطلوب فلسطينيا، إضافة إلى ما تم احرازه من "مصالحة" بين فصيلين اختارا لسنوات أربع الاحتراب بديلاً للغة الحوار، إنما يكمن في التوصل إلى اتفاق سياسي على القواسم المشتركة، بما يعيد نَظْمَ الشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات، في استراتيجية سياسية كفاحية تنظيمية وديموقراطية، افتقدها منذ مدريد وتعاقد أوسلو السياسي، وجاء الحسم السياسي للسلطة الناشئة عنه بوسائل عسكرية في غزة منذ حزيران 2007، ليزيد الطين بلة، بل وليدخل النضال الوطني الفلسطيني ومشروعه ووحدته في مأزق متنوع الأبعاد، بفعل ما أفضى إليه من زيادة في تفكيك الشعب واختزال لحقوقه واتساع للفجوة بين أولويات تجمعاته. وهذا ما على الاتفاق الوطني الفلسطيني لانهاء الانقسام تجاوزه عبر مراجعة سياسية جادة شاملة، أي بما يتجاوز النظر لهذا الاتفاق على أنه مجرد "مصالحة" بين طرفين عليهما المباشرة فوراً في وقف التحريض المتبادل، والإفراج عن كافة المعتقلين على خلفية الانتماء السياسي ومقاومة الاحتلال، ووقف التعرض لحريات التظاهر والاحتجاج والتعبير عن الرأي، إن كان في الضفة أو في غزة، بما يعزز المناخات الايجابية التي أعقبت توقيع الاتفاق ويدفعها إلى الأمام من جهة، وبما يفسح المجال لباقي القوى السياسية والمجتمعية الفاعلة، والحركات الشبابية الناشئة بخاصة، للتعبير عن نفسها، والمساهمة في ضمان تنفيذ هذا الاتفاق من جهة ثانية، وبما يساهم في تسخير كامل الطاقات الفلسطينية ويوحدها في مهمة تنفيذ الاتفاق الوطني في مواجهة العداء الإسرائيلي الأمريكي له من جهة ثالثة.