خبر الحكومة الفلسطينية القادمة: ملامح وإشكاليات..د. أحمد يوسف

الساعة 07:03 م|10 مايو 2011

الحكومة الفلسطينية القادمة: ملامح وإشكاليات..د. أحمد يوسف

في الشارع الفلسطيني اليوم الكثير من لغة التندر على أولئك الذين وجدت أسماؤهم طريقها إلى مواقع الانترنت كمرشحين لرئاسة الوزراء، وكذلك الذين يطرحون أنفسهم باعتبار أنهم مستقلين وأنهم الخيار الأفضل للحكومة الانتقالية القادمة.

في الحقيقة أن بعضاً من هؤلاء يطمح أن يُذكر اسمه حتى ولو كان على سبيل المزاح الذي يكثر هذه الأيام، ومنهم من يأمل بذكر اسمه أن ينجح في وضعه في شهادة - السيرة الذاتية - على أنه كان مرشحاً لرئاسة الوزراء.!!

إن بعض هؤلاء يعتقد بأن شهادة الاتكيت والمجاملة التي يملكها ستكون طريقه لكسب ترشيح فتح وحماس.. إن المطلوب من رئيس الوزراء أن يكون قادراً على العمل ليل نهار، وأن يتمتع بالحكمة والدراية والصبر الجميل، وأن يتحمل وخز القنفذ المتحرك يمنة ويسرة داخل سترته.

لذلك، أقول لكل مرشحي الانترنت: هوِّن عليك يا أخ العرب، فالسيف لا يتقدم بغمده، بل بالفارس الذي يحمله وبساحة الوغى التي تقول " ويك عنتر أقدمي ".

رئيس الوزراء القادم: الاختيار الصعب

الكل يحبس أنفاسه هذه الأيام انتظاراً للحظة التي سيتم الإعلان من خلالها عن اسم رئيس الوزراء القادم..!!

لا شك أن مواصفات رئيس الوزراء القادم بالشكل والصورة التي يحلم بها كل فلسطيني ويرضى عنها المجتمع الدولي قد تحتاج إلى مصباح علاء الدين، حيث إن كل الأسماء المطروحة والتي يتم تداول بعضها عبر مواقع الانترنت لا تخلوا – حسب مقاييس الجرح والتعديل - من الخروقات والعيوب، وأن الوصول إلى "كامل الأوصاف" الحاصل على كل الميداليات الذهبية في الوطنية والمهنية والخبرة السياسية، ويتمتع بالقبول لدى "سيدي وستي" قد لا يكون متوفراً الآن في السوق الفلسطيني، وهذا يستدعي من الإخوة في فتح وحماس البحث عن بديل صيني بصلاحية لا تنتهي قبل عام من تشكيل الحكومة.!!

شكل الحكومة القادمة

إن أهم ما هو مطلوب من حكومة التكنوقراط هو التعاطي مع التحديات القائمة والقادمة، وهذا يعني أننا نريد جهداً تبذله بصدق كل من فتح وحماس للوقوف خلف رئيس الوزراء القادم وحكومته، لضمان نجاح المهمة الكبيرة التي تنتظرها، والتي ستحاول إسرائيل وضع العراقيل لجعل نجاح عملها مستحيلاً.

نحن اليوم تغمرنا الفرحة والاطمئنان لأن مصر عادت لقيادة الأمة والدفاع عن قضاياها، وهي سوف تشكل شبكة الأمان للحالة الفلسطينية في طبعتها الجديدة، حيث يسود منطق الشراكة السياسية والأمنية، والتوافق الوطني الذي يزاوج بين السياسة والفعل المقاوم، وأولوية التواصل مع العمق العربي والإسلامي، والسعي الجاد لإصلاح العلاقة مع المجتمع الدولي.

إن هناك خمسة ملفات يجب أن تحظى بالأولوية في عمل الحكومة القادمة، وهي كالتالي:

1) جهود إعادة الإعمار لما دمرته الحرب في قطاع غزة، والعمل على جذب الاستثمارات العربية والدولية، وتسهيل مهمات المانحين لمباشرة تنفيذ المشاريع التي سبق الحديث عنها في شرم الشيخ عام 2009.

2) تصفير السجون من كل الشخصيات الوطنية والإسلامية التي تمَّ اعتقالها على خلفيات سياسية أو ذات علاقة بالفعل المقاوم.

3) التعاون بشكل كبير مع الجهود المصرية لإعادة بناء وإصلاح الحالة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

4) الإعداد للانتخابات القادمة في يونيه 2012، وضمان حرية التعبير وتشكيل الأحزاب.

5) الشروع بعملية المصالحات الداخلية للتأكيد على أن إنهاء الانقسام خيار لا رجعة عنه.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، إذا كانت كل هذه الأعباء سوف تقع على كاهل من هو قادم كرئيس وزراء، أليس من الأفضل أن نختار من الساحة الوطنية والإسلامية الفلسطينية من له الدراية الكافية بالسياسة وشئون الحكم، ومن يتمتع بالخبرة والعلاقات الواسعة مع المجتمع الدولي، الأمر الذي سيعمل على تسهيل انجاز هذه المهمات.

إن هناك ست شخصيات مشهود لها بالنجاح في محطات عملها المختلفة، وهي: الدكتور ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم السابق، والدكتور سلام فياض المكلف برئاسة الوزراء بالضفة الغربية، ورجل الأعمال ووزير الاقتصاد السابق مازن سنقرط، والدكتور سمير أبو عيشة وزير المالية السابق، والدكتور كمالين شعت رئيس الجامعة الإسلامية، ورجل الأعمال المخضرم منيب المصري.

بالطبع هناك العديد من الكفاءات الوطنية والإسلامية التي يمكنها أن تملاْ متطلبات هذا الموقع، ولكنها – في النهاية – هي شخصيات تلاحقها انتماءاتها الفكرية وعملها الحزبي الذي يحول دون مشاركتها في مسابقة اختيار رئيس الوزراء أو حتى وزراء حكومته.

الملف السياسي: اتركوه للرئيس

إن الجدل حول الملف السياسي قد يطول، ومن الأفضل أن يبقى هذا الملف بيد الرئيس أبو مازن، حيث إنه أدرى الناس بتفاصيل مواقف الدول الغربية، وهو المتمرس على فهم ألاعيب الاحتلال وحيله، وهو يعرف أنه لن يكون طليق اليد بل له شريك حمساوي يرقب كل التحركات، ويُمثل مع الكل الفلسطيني المرجعية السياسية لأية مواقف يمكن أن يتخذها فيما يتعلق بالمفاوضات مع الاحتلال أو المجتمع الدولي.

إن الشهور القادمة ستشهد معارك سياسية وإعلامية لا يمكن تجاهلها بل يجب الإعداد لها، وعلينا جميعاً دعم الرئيس عباس على مواجهتها من خلال وحدة الموقف وتماسك الصف الفلسطيني.

إن "إسرائيل" مكشوفة أمام المجتمع الدولي، باعتبار أن ممارساتها هي جريمة حرب، وقد ارتكبت بعدوانها المستمر على الفلسطينيين الكثير من الجرائم بحق الإنسانية، كما أنها انتهكت القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وهذا يستدعي منا أن نكون على جهوزية عالية لملاحقتها في المحافل الدولية وفي الساحات الغربية، باعتبار أنها الدولة الوحيدة الباقية في العالم التي تحتل أراضي شعب آخر وتمارس كافة أشكال العنصرية ضده.

من هنا، أتمنى أن نمنح الرئيس أبو مازن الثقة المشفوعة بالتفاهم معه على أن كل القضايا يجب بحثها بكل الصراحة والوضوح، وبالمنطق الذي عبرت عنه ملكة سبأ للملأ من قومها "ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون".

إن أملي كبير أن تبقى حسابات الوطن فوق أي حسابات أخرى، وأن نعمل جميعاً على قطع الأغصان الفاسدة حفاظاً على ما أنجزناه - ولو كان قليلاً - على مستوى المشروع الوطني الفلسطيني.

إن هناك من أثقل حياته الاغتراب عن الوطن، وهناك من أوجعه الفقر والحاجة، وهناك الطالب الذي لا يرى مستقبلاً في الأفق، وهناك المرابط على الثغور بانتظار ثمرة ملازمته للبرد والعتمة، وهناك أم الأسير وزوجته، وهناك وهناك..الخ

لا أحد من هؤلاء بانتظار أن تشرق الشمس من مغربها، ولكنهم بانتظار وطن يجتمع فيه الشمل، ويعم ساكنيه الوئام والتآخي والسلام.