خبر حول إنهاء الانقسام الفلسطيني ..علي جرادات

الساعة 08:29 ص|10 مايو 2011

حول إنهاء الانقسام الفلسطيني ..علي جرادات

بعد أربع سنوات عجاف، وبمصادفة ذات دلالة، جاء اتفاق إنهاء أخطر انقسام فلسطيني، عشية الذكرى 63 لنكبة عام 1948، الخطوة الصهيونية الأولى للتطهير العرقي في فلسطين، والذكرى 44 لهزيمة عام 1967، الخطوة الثانية لهذا التطهير، الذي ما زال جارياً.

 

اتفاق حركتي "فتح" و"حماس" برعاية مصر ما بعد الثورة، حظي بترحاب شعبي فلسطيني وعربي واسع، وباركته بقية الفصائل السياسية والفعاليات المجتمعية الفلسطينية، وقابله قادة الكيان الصهيوني بتهديدات هستيرية متوقعة، عكست قلقاً غير ناجم عن هذا الاتفاق الوطني الفلسطيني فقط، بل أيضاً وأساساً عن قابلته القومية، الحراك الشعبي العربي وإنجازاته، سيما في مصر، مرآة عافية الأمة العربية ومفتاحها.

 

بهذا، ولهذا، أصبحت هنالك حلقة مركزية للنضال الوطني في لحظته الراهنة، عنوانها ضرورة تخندق القوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية، على اختلاف مشاربها، لتطبيق هذا الاتفاق في مواجهة إجراءات العدو الرامية، بدعم أمريكي، إلى إجهاضه ومنع تنفيذه بكل السبل والوسائل.

 

بذلك تتضح بداهة أن الانقسام الفلسطيني كان مصلحة صافية للكيان الصهيوني، الذي سعى، بدعم من واشنطن وتوابعها، إلى تأبيده واستعماله في مخططاته، ككيان يحترف الحروب ويرفض تسوية للصراع لا تلبي اشتراطاته وإملاءاته الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وجوهرها حق اللاجئين في العودة، المُراد مقايضته بحكم إداري ذاتي يحمل مسمى دولة، تنهي المطالب الوطنية والتاريخية للشعب العربي الفلسطيني، بل، وتعترف ب"إسرائيل" "دولة لليهود".

 

هذا هو مشروع التسوية الأمريكي الذي لعب الرهان الواهم على تعديله بتفاوض عبثي لعقدين، الدور الأساس في خلق الانقسام الفلسطيني، السياسي في جوهره، وكانت محطتا "مدريد" عام 1991 وتعاقد أوسلو السياسي عام 1993 برعاية أمريكية، محطته النوعية، فيما شكل انقسام "السلطة الفلسطينية" الصورية في يونيو/حزيران 2007، الحلقة الأخطر بين حلقاته.

 

عليه، فإن المطلوب للشعب الفلسطيني ليس استعادة وحدته الوطنية، فهي قائمة في أوساطه كشعب لم يعرف الصراع الطائفي أو المذهبي أو الإثني. بل إعادة بناء الائتلاف السياسي الوطني بين قواه السياسية والمجتمعية، بمشاربها الفكرية والسياسية المتنوعة، ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها التجسيد الفلسطيني لصيغة الجبهة الوطنية، التي تحتاجها حركات التحرر الوطني، لتعزيز وتقوية ومضاعفة جهود مواجهتها مع الاحتلال الأجنبي، الذي يبقى التناقض معه التناقض الموضوعي الرئيس.

 

وبالتالي، فإن الأهم من هذا الاتفاق المبدئي المُبارك، إنما يكمن في نقله كاتفاق نظري إلى حيز التطبيق العملي، إذ فضلاً عن عداء أمريكا و"إسرائيل" وتوابعهما له، فإن هنالك حتى في الساحة الفلسطينية، داخل حركتي "فتح" و"حماس" وخارجهما، من هو غير متحمس لهذا الاتفاق، ذلك لمصالح فئوية وشخصية ضيقة، وإلا لما دامت هذه الحلقة الأخطر في تاريخ الانقسامات الفلسطينية لأربع سنوات، كادت تعصف بالمشروع الوطني الفلسطيني برمته. تلك حقيقة مرة لا يسترها اليوم "لوك" بداهة أن الانقسام مصلحة صافية للعدو، كأن في ذلك اكتشافاً للنار، لكن أن يأتي الخير متأخراً خير من أن لا يأتي أبداً.  

 

لكن، وحتى تكون استعادة الوعي الوطني استعادة فعلية واستراتيجية، لا استعمالية وتكتيكية، فإن على قيادتي "فتح" و"حماس" تحديداً، وعلى قيادات العمل الوطني الفلسطيني عموماً، رؤية أن جوهر الانقسام كان سياسياً بامتياز، حتى، وإن تجلى في أبعاد تنظيمية وسلطوية. وبالتالي، فإن إنهاءه جذرياً واستراتيجياً لن يكون إلا باتفاق وطني على برنامج سياسي، تستخلصه مراجعة سياسية وطنية شاملة لمسيرة عشرين عاماً من التفاوض المباشر المنفرد تحت الرعاية الأمريكية. برنامج يعيد للشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات، وحدته السياسية، كناظم لا مناص منه لإعادة بناء وتوحيد وتفعيل وتثوير ودمقرطة المؤسسات الوطنية، المعبر عنها في منظمة التحرير الفلسطينية. هذا هو المدخل الصحيح، ومن دونه لا يعدو كونه ترقيعاً بمداخل خاطئة، جرى تجريبها، ولم تفضِ بالأمس إلى إغلاق باب الانقسام، ما يفرض ضرورة إعطاء الأولوية للإسراع في تنفيذ البند المتعلق بتشكيل القيادة الوطنية المؤقتة، كقيادة اتفق على تشكيلها من أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني والأمناء العامين للفصائل ومستقلين، وتعنى بإدارة الشأن الفلسطيني، وجوهره إدارة الصراع مع الاحتلال، حتى إجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة لمجلس وطني جديد، في الوطن والشتات، والتوافق حيث تعذر، وفق خطة عملية بجدول زمني غير قابل للتأجيل والتسويف، كما حصل بعد إعلان القاهرة 2005. فالتحايل بحمّال الأوجه من الصياغات التي تحمل الشيء ونقيضه في السياسة والأمن والتنظيم والمواعيد، لم يفضِ في اتفاق مكة، (مثلاً)، ولن يفضي إن تكرر اليوم، برغم تغير المعطيات خارجياً وداخلياً، إلا إلى الانتكاس والعودة بأخطر حلقات الانقسامات الفلسطينية الداخلية إلى المربع الأول.

 

وكذا، فإن هنالك حاجة إلى المباشرة فوراً في وقف التحريض المتبادل، والإفراج عن كافة المعتقلين على خلفية الانتماء السياسي ومقاومة الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني معه، ووقف التعرض لحريات التظاهر والاحتجاج والتعبير عن الرأي، إن في الضفة أو في غزة.

 

بهذا يأخذ هذا الاتفاق الوطني المبارك طريقه إلى التنفيذ، بما يخدم المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وبما يمنع تحويله إلى استدارات محاصصة تكتيكية فرضتها عوامل خارجية وداخلية. ما يفرض على قيادتي "فتح" و"حماس"، وعلى قيادات العمل الوطني الفلسطيني عموماً، الكف عن إسباغ العشائري على ما هو سياسي، فالمطلوب فلسطينياً، إضافة إلى ما تم إحرازه من "مصالحة" بين فصيلين اختارا لسنوات أربع لغة السلاح بديلاً للغة الحوار، إنما يكمن في التوصل إلى اتفاق سياسي على القواسم المشتركة، كاتفاق من شأنه أن يعيد نَظْمَ الشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات، في استراتيجية سياسية كفاحية تنظيمية وديمقراطية، افتقدها منذ مدريد فتعاقد أوسلو السياسي، الذي أدخل النضال الوطني الفلسطيني ووحدته في مأزق متنوع الأبعاد، بعد ما أفضى إليه من تفكيك للشعب واختزال لحقوقه واتساع للفجوة بين أولويات تجمعاته. وهذا ما على الاتفاق الوطني الفلسطيني لإنهاء الانقسام تجاوزه عبر مراجعة سياسية جادة شاملة.

 

صحيفة الخليج الإماراتية