خبر المصالحة التي نريد! ..بقلم/ توفيق السيد سليم

الساعة 10:55 ص|07 مايو 2011

المصالحة التي نريد! ..بقلم/ توفيق السيد سليم

وأخيرا التقى الأشقاء الفرقاء وتصافحت الأيادي، وتم تبادل الابتسامات والقبلات في مشهد طالما اشتاق الفلسطينيون ومحبّوهم إلى رؤيته؛ لطي صفحات وسنوات من انقسام وتشرذم مرير ونكد عصف بالمشهد الفلسطيني بمكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. حتى الجهادية..

 

وبالقدر الذي أعرب فيه البعض عن تفاجئه من سرعة الإعلان عن "الاتفاق التصالحي" بين فتح وحماس -رغم أن بوادره كانت تلوح في الأفق استنادا لجملة من المتغيرات المحلية والإقليمية- بقدر ما يحق لنا التساؤل حول طبيعة تلك المصالحة التي رعتها مصر الثورة، والبُنية الأساسية التي قام عليها الاتفاق والدوافع التي أحاطت بالموقعين، والتبعات المترتبة على ذلك التوقيع سواء على صعيد العملية السياسية المتداعية أو مشروع المقاومة التحررية.. فهل ما جرى فعلا مصالحةٌ أم تقاسم مصالح؟!؛ حتى يتسنى للطرفين المحافظة على منجزاتهما ومكتسباتهما التي جاءت محصلة لسنوات من التربع على سدة حكم "منقوص" يتحكم الاحتلال في أدق تفاصيله..

 

وبشيء من التفصيل نقول: إن المصالحة بين فتح وحماس ما كان لها أن تجري لولا جملة من التداعيات المتعلقة بطرفي الصراع؛ فعلى صعيد فريق التسوية الذي يمثله محمود عباس وفريقه الذي أدمن التفاوض المذل وجد نفسه يدور في دائرة مفرغة، لا تشي بأي بادرة أمل بإمكانها رفع الحرج الذي أصابه بفعل الضربات الموجعة التي وجهها إليه صاحب "البيت الأبيض".. لاسيما فيما يتعلق بالفيتو الأخير بشأن الاستيطان الصهيوني على ما تبقى من أرض فلسطينية، إضافة إلى الموقف الأمريكي من خطة السلطة الفلسطينية المزمعة بالإعلان عن "دولة فلسطينية" مشوّهة على حدود الأراضي المحتلة عام 1967م، هذا عوضا عن سياسة الابتزاز الصهيوني الفاضح للسلطة فيما يتعلق بملاحقة رجال المقاومة في الضفة ومحاولاتها المستمرة لإجهاض أي عمل مقاوم ضد الكيان، وما وثائق الجزيرة الأخيرة ومن قبلها تسريبات "ويكيليكس" عنا ببعيد؛ الأمر الذي زاد من تسليط الضوء أكثر على حقيقة السلطة ومشاريعها المناهضة لتطلعات شعبنا؛ لتبدو الصورة أكثر من سوداوية..

 

يضاف إلى ما سبق أن السند الأكبر لعباس ومشروعه التفاوضي وهو نظام "كامب ديفيد" المصري البائد قد تلقى ضربة قاضية أطاحت به وبكل أتباعه، وهزت عروش ما يسمى بمحور الاعتدال (الاعتلال) العربي الذي ومنذ نعومة أظفارنا لا نرى فيه إلا وجهًا آخر للاحتلال وسدا منيعًا في وجه الأمة يحول بينها وبين القضاء على الغدة السرطانية التي نبتت في القلب منها "فلسطين"..

 

أما على صعيد حركة حماس، فنجدها مرغمة ذهبت إلى التوقيع على اتفاق تصالحي مع فتح، متذرعة -ولو لم تقل صراحةً- بالنوايا العدوانية التي تبيتها "إسرائيل" للقضاء على حكمها في غزة. وما الرسالة الدموية التي بعثتها الأخيرة مطلع الشهر المنصرم والتي فقدت فيها حماس ثلة من خيرة أبنائها المجاهدين إلا خير دليل.. أضف إلى ما سبق التطورات الدراماتيكية التي تعصف بالساحة السورية (الحاضنة العربية للمقاومة، ولو بالحد الأدنى)؛ ما ينذر بزوال حكم بشار الأسد في محاولة لكسر الحلف الذي تمثله دول الممانعة في المنطقة وفي القلب منها إيران؛ الأمر الذي حذا بحماس التفكير واتخاذ قرار سريع بالتوقيع والانحياز إلى حاضنتها الإخوانية في القاهرة، لاسيما في ظل مناخات الحرية التي بدأت تتمتع بها الأخيرة ببركة شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير..

 

إذن، ثمة متغيرات حذت بالطرفين التوقيع على اتفاق مصالحة رغم اختلاف البرنامجين السياسيين المعلنين لكليهما، فهذا يتبرأ من المقاومة ومشروعها ويحارب أصحابها، وذاك يحاول عبثا الموازنة بين المقاومة والحكم؛ مما يضع مزيدا من علامات الاستفهام حول طبيعة ذلك الاتفاق خاصة في أعقاب تصريح عباس وغيره من أقطاب مشروع التفاوض عقب الإعلان مباشرة على التوقيع والذي جاء فيه: "إن التوقيع سيساهم في دفع العملية السياسية بالمنطقة"!!.. فماذا يقول إذن أصحاب الخيار التحرري المقاوم مع غياب كلمة المقاومة من الورقة التي وُقّعت وتآلفت حولها القلوب؟!..

 

مرحلة الحسم هي العاصفة بالمنطقة؛ فلنحدد خياراتنا ولنجدد بيعتنا على نهج الجهاد والمقاومة فالمصالحة التي نريد لا بد أن تكون المقاومة ركيزتها الأساسية.. فهل سيكون ذلك الاتفاق باعثا جديدا لروح المقاومة في الشارع الفلسطيني؟، وهل سيقودنا ذلك الاتفاق إلى تشكيل جبهة موحدة لإحياء ثقافة المقاومة والتبشير بها في كل المحافل لتحشد من خلفها الحشود باتجاه فلسطين (الهوية والتاريخ والعقيدة)؟.. وليصرخ عندها شعبنا ومن خلفه أمة المليار: "الشعب يريد إنهاء الاحتلال".. فلا معنى لسلطة محكومة باتفاقات العار في "أوسلو" وغيرها من محطات المقامرة بالقضية الفلسطينية، ولا جدوى بكل تأكيد من التواقيع التصالحية (الترقيعية) إن لم تحكمها النوايا الحقيقية والصادقة لاستنهاض الأمة وحشد طاقاتها باتجاه فلسطين.. كل فلسطين.. هذه هي قضيتنا الأساسية وما دون ذلك هوامش..