خبر من مطاردة السلام الى الهرب منه _ هآرتس

الساعة 04:19 م|06 مايو 2011

من مطاردة السلام الى الهرب منه _ هآرتس

بقلم: نحاميا شترسلر

إن المراسم في جبل هرتسل التي ستنهي يوم الذكرى وتبدأ أحداث الاستقلال هي خلاصة الاسرائيلية؛ هي مزاج خاص بين الحزن والفرح، بين الحداد على الضحايا والفرح لقيام الدولة، لكن تحدث تغييرات في هذه المراسم ايضا.

        اعتاد عميكام غورفيتش مدة 57 سنة ان يقرأ في المراسم صلاة "تذكر". قبل سنة لم يستطيع غورفيتش المشاركة وقرأ تلك الصلاة بدله ايلي بن – شيم، رئيس "يد لبنيم". كان غورفيتش يستعمل النص الأصلي: يتذكر شعب اسرائيل أبناءه وبناته...". لكن يوجد نص آخر ايضا صاغه في حينه الحاخام العسكري الرئيس شلومو غورين بعد حرب الايام الستة مباشرة بسبب الحماسة المسيحانية التي أصابته. غيّر غورين كلمة واحدة جوهرية وكتب: "يتذكر الله أبناءه وبناته...".

        حاول وزير التربية، زبولون هامر، مدة سنين طويلة ان يضطر غورفيتش الى تلاوة نص غورين، لكن غورفيتش تمسك بالنص الأصلي العلماني الرسمي. في السنة الماضية استغل منظمو المراسم غياب غورفيتش وأدخلوا صيغة غورين في النص. يبتسم غورين بيقين الآن من مكان وجوده في عالم الحق ويقول: انتصرت في نهاية الامر. ليس هذا انتصارا ضئيل القيمة لانه يدل على تغيير كبير يحدث في الدولة في سنيها الـ 63. تحولنا من دولة علمانية ذات حكومة قوية ومؤسسة حاخامية ضعيفة الى دولة يحكمها الحاخامون وحاكميتها ضعيفة. إن صلاة "يتذكر" مخصصة لشعب اسرائيل كي لا ينسى من ضحوا بأنفسهم في المعركة. فما علاقة الله هنا؟.

        لكن ليس هذا هو التغيير الوحيد الذي جرى علينا. التغيير الكبير المأساوي هو التحول من شعب يبحث عن السلام الى شعب يهرب منه. من شعب يمد يده لجيرانه الى شعب يرى السلام تهديدا ينبغي صده.

        قبل نحو من تسع سنين صدرت عن 24 دولة عربية "مبادرة السلام العربية"، لكن اسرائيل خافت جدا الى درجة ان اختارت تجاهلها حتى هذا اليوم. مرت تسع سنين ايضا منذ عرض الاسد الابن عقد سلام مقابل الجولان. ورفضنا باحتقار ايضا يده الممدودة.

        أوجد اسحق شمير نهج السياسة هذا وهو رفض كل محاولة للتفاوض. كان يقول عن كل محاولة كهذه "نو، طوف" (حسن). وعندما كانت تنجح جهوده برفض المبادرة كان يقول في رضى: "أُزيل تهديد السلام".

        يتفوق طالبه الدؤوب بنيامين نتنياهو على استاذه. فهو يقضي معظم ايامه باحثا عن أفكار جديدة كيف يعرض نفسه بأنه معني بالتفاوض مقابل الطرف الثاني الذي يعوق كل شيء. وهكذا يكسب شهرا آخر وسنة اخرى دون حراك. قال عمير بيرتس عنه هذا الاسبوع: "ليس رافض سلام بل مُثبط سلام"؛ وكم كان على حق.

        كان نتنياهو حتى المدة الاخيرة قلقا من زيارته القريبة للولايات المتحدة؛ فربما يعلن براك اوباما فجأة مبادرة سلام جديدة. لكنه الآن هاديء راضٍ. فقد وقعت بين يديه فرصة ذهبية لرفض آخر للتفاوض. هذا الاسبوع تم الكشف عن وجه محمود عباس الحقيقي. لانه كيف يتجرأ زعيم فلسطيني على توقيع اتفاق مصالحة مع منظمة الارهاب حماس، يسأل نتنياهو. أليس هذا برهانا على انه لا يريد السلام حقا. هذا اغلاق للباب في وجه التفاوض، يشتكي رئيس الحكومة ويبتسم لنفسه قائلا: ها أنا ذا قد خدعتكم مرة اخرى. الى الآن، حتى من غير اتفاق مع حماس لم أجلس حتى دقيقة واحدة الى أبو مازن لنبحث في حدود الدولة الفلسطينية، لكن من ذا يحسب؟.

        يريد نتنياهو ان يصدق ان الوقت يعمل في مصلحتنا وهو لا يفهم ان سياسته الرفضية تضر باستقلالنا الى درجة تعريض الوجود للخطر، فما عاد العالم الغربي مستعدا لقبول سلطة الاحتلال، وستعترف دول في اوروبا بدولة فلسطينية في ايلول وهكذا ستبدأ مسيرة تسوية مفروضة على اسرائيل. أصبح مستثمرون دوليون يقترعون بأرجلهم. ليسوا مستعدين لتعريض اموالهم هنا للخطر. كم من الوقت سنصمد لضغوط العالم كله؟.

        إن جنوب افريقيا ايضا اعتقدت انها قوية ومستقلة الى ان فُرضت عليها عقوبات. وكذلك اعتقد المتطرفون في متسادا انهم أبطال كبار - حتى لم يبق لهم مخرج سوى الانتحار – في استقلال مطلق بطبيعة الامر.