خبر بعد أن خُيّرْتَ فاخترْتَ حماس: أقدم، ولا ترتجف يا عباس .. أيوب عثمان

الساعة 03:21 م|02 مايو 2011

بعد أن خُيّرْتَ فاخترْتَ حماس: أقدم، ولا ترتجف يا عباس .. أيوب عثمان

بقلم:الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة

كم كان رائعاً وجميلاً من حركتي فتح وحماس أن تتوصلا إلى اتفاق مصالحة ينهي فصلاً رديئاً من حياتنا الفلسطينية، لكن الأكثر روعة والأكثر جمالاً ألا تقف الحركتان عند حدود إبرام اتفاق المصالحة، بل أن تتجاوزه إلى تطبيقه وإنفاذه، متحطية مزيداً من عقبات سوف تعترض سبيله لاسيما إذا تذكرنا ما تم في السابق إبرامه دون النجاح في إعماله وتنفيذه فظل على الورق مداداً لا قيمة له إلاَ أن يكون حجة على الحركتين معاً، لا كسباً لهما، ولا لأي منهما،

صحيح أن هناك جملة من الأسباب الدافعة إلى قدرة اتفاق المصالحة على الصمود والنجاح والتطبييق العملي، فهناك ربيع الثورة العربية المتنامي، والانحياز الأمريكي الراسخ لإسرائيل مع تخاذل أمريكي متزايد حيال الحق العربي والفلسطيني، وانغلاق الأفق السياسي والطريق التفاوضي، وتكثيف المطالبة الشعبية الضاغطة على ركني الانقسام الفلسطيني بغية إنهائه، لكنه ينبغي لنا أن نظل على يقظة تامة حيال عوامل الفشل ومحاولات التخريب والإفشال.

على الرغم من أن اتفاق المصالحة الذي تم التوصل إليه يوم الأربعاء الماضي 27/4/2011 في القاهرة هو اتفاق بين حركتي فتح وحماس، إلا أن من تحمل العبء الأكبر هو الرئيس/ محمود عباس الذي خيره نتنياهو، فور التوصل إلى اتفاق المصالحة، بين أمرين: "إما السلام مع إسرائيل أو السلام مع حماس"، فما كان منه إلا أن اختار حماس، بينما خير هو الآخر نتنياهو بين السلام مع الشعب الفلسطيني أو الاستيطان على أرضه، مؤكداً لنتياهو أن المصالحة الفلسطينية هي شأن فلسطيني داخلي ليست دولة الاحتلال طرفاً فيه.

إزاء هذه المفاجأة السعيدة التي لفَّتْ شعبنا بعد فشل وإفشال متكرر، فإن شعبنا لسان حاله يقول للرئيس عباس:

 لأنه ينبغي لك – وأنت رئيس السلطة، ورئيس حركة فتح، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية – أن تثبت عكس ما قيل عنك وما يقال، وهو أنك لست إلا منفذاً لقرار أمريكي إسرائيلي يمنعك من محاورة حماس والتصالح معها، لاسيما وإن نتنياهو الذي كان قد هدد في أعقاب جلسة نقاش عقدها الكنيست يوم الثلاثاء 22/3/2011، أي قبل نحو أربعين يوماً، قائلاً: "يجب على السلطة الفلسطينية الاختيار بين السلام مع حركة حماس أو السلام مع إسرائيل"، ها هو قد عاد اليوم مهدداً، فيقول في أول تعقيب له على اتفاق المصالحة الأولي بين حركتي فتح وحماس: "إن على الرئيس محمود عباس أن يختار طريقاً من اثنين، فإما السلام مع إسرائيل أو حكومة وحدة وطنية مع حركة حماس"،

ولأنك لا تنظر إلى حماس بعين الخصومة، وإنما بعين الشراكة والوطنية ،

ولأنك مقتنع كامل الاقتناع ألا علاقة لإسرائيل بالاتفاق بين حركتي فتح وحماس، باعتبار ذلك شأناً داخلياً ليست إسرائيل طرفاً فيه،

ولأنك الحق والصدق والقوة ما نطقت به حين قلت لنتنياهو: عليك أن تختار إما السلام معنا أو الاستيطان على أرضنا،

ولأنك تقر بمدى الخذلان الأمريكي للحق الفلسطيني، لاسيما في الشأن الاستيطاني،

ولأنك خير من يعي الوقاحة والصفاقة الإسرائيلية التي عبر عنها نتنياهو بقوله: "إن مجرد فكرة المصالحة تعكس ضعف السلطة الفلسطينية"، ما يعني – بمفهوم المخالفة – أن استمرار الانقسام وغياب المصالحة يعكس قوة السلطة كما يريدها نتنياهو،

ولأنه ينبغي لك أن تكون اليوم قبل الغد – تماماً كما كان بالأمس قبل اليوم – في غزة لتعمل على إنهاء حصارها مع أهلها وكل قواها، ولتتحدث معهم، وليتحدثوا إليك، في الشأن الفلسطيني وإعادة اللحمة ورفع لاحصار والوحدة،

ولأنه ينبغي لك أن تعيد توحيد أرضنا وجغرافيتنا ونظامنا السياسي،

ولأنه لا جدال – البتة – في أن معركة الشعب الفلسطيني هي مع الاحتلال العسكري الاستيطاني الإسرائيلي، وأن الحوار هو الطريق الأمثل لحل كل خلاف أو صراع فلسطيني داخلي مهما كبر حجمه ومهما زاد استعصاؤه،

ولأنه لا مصالحة ولا وفاق ولا اتفاق إلا بالتأكيد على شرعية الإرادة الشعبية التي قضت بضرورة إنهاء الانقسام، وشرعية مقاومة الاحتلال، والشرعية الدستورية، والشرعية النيابية، فضلاً عن التسليم بأن المرجعية الوطنية التي يجب الاحتكام إليها عند الاختلاف هي القانون الأساسي الفلسطيني المعدل، واتفاقية القاهرة 2005، ووثيقة الوفاق الوطني 2006، باعتبارها المرجعية الوطنية الفلسطينية التي تفصل في أي خلاف،

ولأنه لا مكان ولا احترام ولا قيمة لأي كلام وحدوي أو اتفاقي أو توافقي إلا عبر النهج العملي الميداني،

ولأنه لا إمكانية لأي أحد أن يشطب رفيق دربه وإن اختلف معه أو اعتدى عليه، بل إن عليه أن يتكامل معه إما بالتوحد أو بالاتفاق أو بالتوافق،

ولأنه لا حل للحصار المفروض على قطاع غزة، ولا حل لمحاصرة حماس إلا في سياق الحل الفلسطيني الأوسع والأعم والأشمل والأعمق،

ولأنه لا دولة بلا غزة، ولا غزة بلا حماس، ولا دولة بلا مصالحة،

ولأنه لا دولة دون غزة والضفة معاً، وهو ما صرحت به ساعة أعلنْتَ الاستجابة لدعوة هنية في آخر اجتماع للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينيية،

ولأنه لا مصالحة، ولا وحدة، إلا بالاقتناع اليقيني أن غزة لا تعني حماس، وأن الضفة لا تعني فتح،

ولأنه لا سبيل إلى إنهاء حالة الاستقطاب السياسي الفئوي الحاد إلا اقتناع الكل الوطني – وفي صدارته فتح وحماس – بأن لحظة تنوير عاجلة سوف تقتحم فصائل العمل الفلسطيني، ما يعينها على الانفلات من حرج الاستقطاب عبر المصالحة الوطنية الجادة، باعتبارها "ملاذاً آمناً" أو "طوق نجاة" يمكنها من الانعتاق سواء من "القيد أو الاستقطاب الفتحاوي" أو "القيد أو الاستقطاب الحمساوي"، ذلك أن المظلة الوطنية التي ستخلقها "المصالحة الوطنية" هي التي ستضع المخارج المحترمة والوقائية والواقية لكل القوى والفصائل، دون أدنى تأثر بأي من عوامل الجذب الفئوي والفصائلي،

ولأن المصالحة الفلسطينية تتم اليوم في ظل الثورات العربية وعلى رأسها مصر الثورة الجديدة التي تعيد صياغة مصالحها القومية بمنظور قومي، بعيداً عن مصر النظام السابق الذي ظل يمثل لإسرائيل كنزاً، كما قال وزير خارجية مصر الثورة، نبيل العربي،

ولأن القيادة الثورية المصرية الجديدة شددت على ضرورة تنفيذ اتفاق المصالحة على أرض الواقع،

ولأن حركة الجماهير العربية التي فرضت على أنظمتها الحالية إرادتها، واستطاعت أن تكسب احترام العالم، كانت العنصر الأهم في تغيير معادلات كثيرة من بينها المعادلة الفلسطينية،

 ولأن العالم العربي يولد من جديد في ميادين التحرير وساحات التغيير،

ولأن المصالحة الفلسطينية ستزيل آثار سنوات مضت من التعبئة والتحريض الداخلي في كل من غزة والضفة،

ولأن قرار المصالحة هو ثمرة لاقتناع فتح وحماس بضرورة تعزيز الشراكة الوطنية ووقف أي تعويل على الأطراف الخارجية،

ولأن المصالحة خطوة على طريق الوحدة، والوحدة خطوة على طريق التحرير والتحرر،

ولأن أسرانا في سجون الاحتلال، لاسيما أسرى حركة فتح وحماس، قد تعانقوا وتبادلوا التهاني في ساحات السجون وأمام سجانيهم الذين تميزوا من ذلك غيظاً،

ولأن المصالحة ستنزع من إسرائيل تذرعها بالانقسام بين غزة والضفة، ما يعكس إيجابية المصالحة على المفاوضات مع دولة الاحتلال،

ولأن المصالحة ستحول الخطوة الأحادية التي كان على السلطة أن تخطوها في سبتمبر القادم إلى خطوة وحدوية، حيث الخطوة الأحادية كانت لغماً سينفجر في السلطة وآمالها،

ولأن المصالحة تمنحك تفويضاً شعبياً أفضل وأكمل، في اتجاه المسار التفاوضي الشائك،

ولأن موقف أعدائنا العدائي من المصالحة لا ينبغي أن يكون له أدنى وزن لدينا، لاسيما إذا كنا نعتبر أن المصالحة فيما بيننا هي قرار استراتيجي وطني،

ولأن الموقف العربي الرسمي في سياق ربيع المد الثوري المتصاعد سوف يوفر بالحتمية بديلاً عن العون المالي الأمريكي والأوروبي،

ولأنه يجب علينا أن نتجاهل التهديدات الأمريكية والأوروبية بقطع المساعدات المالية حال أنجزنا المصالحة، ما يعني أن الأموال الأمريكية والأوروبية ليست إلا أموالاً يشترون بها انقسامنا على أنفسنا ويقتلون أي المصالحة فيما بيننا،

 فإن شعبنا يقول لك: أما وقد خيرت فاخترت حماس، فلْتُقْدِم، إذن، ولا تلتفت إلى الوراء، ولا ترتجف، أيها العباس.