خبر إسرائيل تعيد إنتاج نفسها وتعبر عن ذاتها بأنماط تزداد تطرفاً على شاكلة ليبرمان .. حلمي موسى

الساعة 06:04 ص|02 مايو 2011

إسرائيل تعيد إنتاج نفسها وتعبر عن ذاتها بأنماط تزداد تطرفاً على شاكلة ليبرمان .. حلمي موسى

لا يعتبر الإعجاب الشعبي الإسرائيلي بوزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، في نظر الكاتب اليساري الإسرائيلي، جدعون ليفي، أمرا غريبا. فهذا الإعجاب هو نوع من الإعجاب بالذات أو إذا شئتم إعجاب بما يأمل الإسرائيليون أن يكونوا. فالعداء الذي يبرزه للعرب هو في جوهره موقف كامن في نفوس الإسرائيليين وميله للأساليب الفاشية هو في كل الحالات، السلوك الإسرائيلي المتوسط من دون رتوش.

ولكن ليبرمان هو أكثر من مجرد رمز. إنه حالة إسرائيل المتحررة من عقد الماضي والتي لا ترى في نفسها إلا حاضر يمكن تخليده. وباختصار فإن ليبرمان هو التجسيد لإسرائيل التي ترى فارقا جوهريا بينها وبين أعدائها العرب وترى حاجة الغرب، وتحديدا أميركا لها، فتعتقد أن بوسعها تأديب العالم وتوجيهه وجهة أخرى.

ليبرمان ليس حالة منفردة. إنه اليمين الإسرائيلي في سيادته على مجتمعه وعلى فهمه للواقع العام والخاص. قبل أسابيع حمل كاتب إسرائيلي على بنيامين نتنياهو لأنه قال في خطاب أن المحرقة النازية لن تتكرر وأنه خلافا لمن رأى أنها خدمت في إقامة إسرائيل لو كانت الدولة العبرية قائمة لما وقعت المحرقة أصلا.

ومن شبه المؤكد أن موقفا كهذا من نتنياهو يوضح مقدار الذاتية في قراءة التاريخ. فإسرائيل التي مهما جرى النفخ في قدرتها ومكانتها ستبقى مجرد حجر صغير في لعبة الأمم، تعتقد، وفق رئيس حكومتها، أن وجودها كان كفيلا بتغيير وجهة تاريخ العالم. ومن البديهي أن هذا أيضا ليس موقفا فرديا لنتنياهو بل هو في كل الأحوال تعبير عن أفكار شائعة لدى اليمين الإسرائيلي وطريقته في قراءة الواقع.

ومهما يكن من حال فإن ليبرمان، المهاجر من روسيا، يؤمن بقدرته على تغيير العالم لا لسبب إلا لأن إسرائيل قوية. وبسبب غياب الأفق التاريخي عن نمط تفكيره اعتقد بإمكانية إهانة تركيا من دون مقابل وتهديد سد أسوان وطهران. بل ذهب أبعد من ذلك في تنمية أفكار من نمط استبدال التحالف مع الولايات المتحدة بتحالف مع روسيا ودول أفريقية. غير أن خواء ذاكرته التاريخية يعبر عن خواء في ذاكرة الإسرائيليين عموما. وهذا يجعله بحق تعبيرا ذكيا عن حالتهم.

فإسرائيل تتجه بشكل متزايد نحو إنشاء نظام استبدادي. وليبرمان هو المعبر عن هذا الاتجاه. وكتب غابي فيشر في «هآرتس» قبل أيام أنه «لم يعد هناك خلاف حول حقيقة أن الديمقراطية الإسرائيلية مريضة ومختلة حتى الأساس. وإشارات ذلك كثيرة: فرؤساء الحكومة والوزراء الكبار الذين تبين ويتبين أن كثيرا منهم فاسدون يفعلون ما شاءت لهم أهواؤهم؛ والموظفون الكبار يقررون في واقع الامر السياسة ويختارون ما يرغبون في تنفيذه وما لا يرغبون من قوانين الحكومة وقراراتها؛ ويقرر جهاز الأمن والجيش سياسة وعمليات كما يشاءان؛ ولا يوجد لاعضاء الكنيست في واقع الامر أي تأثير؛ ويسيطر على الاحزاب «قادة» «انتخبتهم» تلاعبات داخلية؛ ويكثر الفساد في جميع المستويات؛ ويقرر أصحاب الثروات الكبيرة في واقع الأمر جزءا كبيرا من السياسة...»

وتشدد بيلي موسكونا في «معاريف» على أن المجتمع الإسرائيلي ينتج آلاف الشباب الإسرائيليين «الذين نُجبرهم في سن الثامنة عشرة على الوقوف مع سلاح في مواجهة مدنيين. إن من وقف هناك، وقد وقفت، يستطيع أن يرى كيف يكون هؤلاء الشباب مذعورين ولاخفاء ذلك يتبنون استراتيجية عاطفية أساسها قسوة القلب البليدة التي تساعدهم على إجازة نوبة حراسة اخرى».

وترى هي أن الذنب في ذلك ليس ذنبهم وإنما «ذنبنا نحن الآباء الذين تحت أمواج غسل دماغ سياسي وتيارات قومية تجري علينا، لم نقف للحظة لنسأل أهذا هو الوعي الذي نريد أن نرسل أبناءنا وبناتنا الشباب هؤلاء ليعيشوه. إن الجيل التالي من المواطنين الذين سيعيشون هنا يتعلمون ترديد الشك وعدم الثقة والعدوانية والتشاؤم ورؤية كل غريب بأنه عدو يجب الحذر منه مع التأهب والاستعداد الدائمين». وتذهب إلى القول «إن المجتمع الاسرائيلي مُجبر على أن يكف عن جعل الحرب والعنف أدبا شعبيا، وأن يكف عن عدّ كم من الصواريخ أسقطت كم من صواريخ غراد وكأن الحديث عن فرع رياضي، علينا أن ننضج وأن نكون حكماء وألا نعطي أبناءنا اسلحة وشعارات موضوعها كراهية البشر. والأهم أن نكف عن اعتقاد أنه لا خيار لنا».

وعند الحديث عن الخيار تغدو المسألة أكثر تعقيدا. لو كان الأمر بيد أفيغدور ليبرمان وأمثاله لأقيمت منذ زمن معسكرات الإبادة الجماعية. فالحل النهائي النازي للمسألة اليهودية مقبول عند الكثير من الفاشيين الإسرائيليين عندما يتعلق الأمر بالعرب. وهم في ذلك لا يتصرفون إلا على أساس أنهم أبناء العرق الأسمى الذي يدافع عن نفسه في مواجهة البرابرة.

أما عن خيار السلام، فإنه عند نتنياهو وليبرمان على حد سواء، خيار اضطرار ولا يتم إلا وفق الشروط الإسرائيلية وعلى قاعدة أن أمن إسرائيل يجب أن يتحقق ولو على حساب سلب الفلسطينيين ليس أرضهم وحسب وإنما مصادرة حقهم في بناء مستقبلهم.

لهذا السبب حظى أفيغدور ليبرمان بـ«قبة حديدية» تصد عنه صواريخ اتهاماته بالفساد لأن الحلبة الإسرائيلية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ليست جاهزة لأي تغيير. ورغم الحديث عن خطاب «بار إيلان 2» لنتنياهو أمام الكونغرس فإن «بار إيلان 1» لم يسمح باختراق حاجز الكفر الإسرائيلي بالسلام وليس هناك ما يعيد خلق أمل بالسلام. فنتنياهو، حتى إذا كان مختلفا عن ليبرمان يقيس خطواته بما يريد الإسرائيليون أن يكون. والإسرائيليون بأغلبيتهم يريدون ليبرمان، أو يريدونه ليبرمان.