خبر صفقة المصالحة ... د.إبراهيم أبراش

الساعة 06:02 م|01 مايو 2011

صفقة المصالحة ... د.إبراهيم أبراش

كخطاب الوحدة العربية في الخمسينيات والستينيات صار حال خطاب الوحدة أو المصالحة الفلسطينية،تضخم وتواتر للخطاب فيما الواقع ينحدر نحو مزيد من تكريس الانقسام .مع التضخيم المتزايد للخطاب وتكراره لدرجة صيرورته لازمة لكل حديث للسياسيين ولكل مقال للمثقفين ولكل مهرجان أو ندوة حول الشأن الفلسطيني،بات خطاب المصالحة والوحدة الوطنية ممجوجا وفاقد المصداقية من طرف الجماهير بل أصبح غامضا ومبهما ليس لأن الشعب لا يريد المصالحة بل لأنه أكتشف عدم جدية الأحزاب في موضوع المصالحة ولأنه أصبح يشاهد ممارسات الأحزاب على الأرض تتعارض مع منطق المصالحة واستحقاقاتها،وحتى عندما أعلن فجأة عن التوقيع بالأحرف الأولى على ورقة مصالحة في القاهرة أنتاب الشك كثيرين من قدرة الاتفاق على التنفيذ.

 

بسبب غياب الإرادة تم تعويم خطاب ومفهوم المصالحة ،فهناك من فهم المصالحة بأنها مصالحة عشائرية بين قيادات فتح وحماس،وهناك من رأى أن المصالحة تعني الاتفاق على ثوابت ومرجعيات العمل السياسي وخصوصا القضايا الرئيسة كالمقاومة والسلام والدولة والاعتراف بإسرائيل،وهناك من رأى أنها تعني إعادة بناء منظمة التحرير بحيث تستوعب كل قوى وفصائل وفعاليات المشهد السياسي الفلسطيني،أو أنها تعني عودة توحيد الضفة وغزة تحت سلطة وحكومة واحدة ،أو أنها تسوية الملفات العالقة الناتجة عن عمليات القتل والتعذيب التي صاحبت أحداث يونيو 2007 وما سبقها وما تبعها ،هل ستكون مصالحة على قاعدة الالتزام بمقتضيات مرحلة تحرر وطني أم مصالحة تقاسم مغانم سلطة تحت الاحتلال؟ هل ستكون مصالحة محاصصة بين الحزبين الكبيرين أم مصالحة شراكة وطنية حقيقية؟ أم مصالحة شراكة سياسية لإدارة قطاع غزة؟.

 

في ظل الانقسام  تداخلت القضايا مع بعضها البعض ،مشروع ديني مع مشروع وطني - حتى داخل كل مشروع تعددت الرؤى والمشاريع - وتداخلت استحقاقات الداخل مع أجندة الخارج ، المصالح الحزبية مع مصالح نخب تشكلت وتضخمت في ظل الانقسام ، مصالح إسرائيلية مستفيدة من الانقسام مع مصالح نخب فلسطينية مستفيدة أيضا من الانقسام  الخ، مما جعل مفهوم المصالحة غامضا وملتبسا،وفي ظل الانقسام ظهرت مشكلة شاليط – الأسير الذي تحول لآسر- والعدوان على القطاع وقضية إعمار غزة والحصار ومعبر رفح وتوقف عملية التسوية والاعتقالات المتبادلة وصيرورة وجود السلطتين والحكومتين محل تساؤل ،ثم جاءت الثورات والمتغيرات الأخيرة في العالم العربي لتزيد من خلط الأوراق ولتترك انعكاسات وتداعيات مفتوحة على كل الاحتمالات،إن كان تقوية فكر الممانعة والتحرر واردا إلا أن تداعيات أخرى خطيرة أمر واقع ومحتمل وخصوصا بعد التطورات التي تشهدها ليبيا وسوريا،وتصاحبت هذه الثورات مع حراك شباب فلسطين يوم 15 آذار الذي استحضر إمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة على إسرائيل وعلى السلطتين،وأخيرا جاء التصعيد الأخير على غزة بداية أبريل ليجعل وجود سلطة حماس محل تساؤل أيضا ونعتقد أن التصعيد على غزة كان له دور كبير في تفعيل وتسريع المصالحة.

 

إذن بالإضافة إلى الاعتبارات الوطنية العامة الدافعة للمصالحة حيث أنها المدخل لإعادة بناء المشروع الوطني سواء كان مشروع تحرر وطني أو مشروع بناء مؤسسات دولة،فإن المتغيرات الأخيرة أظهرت  أن سلطة حماس في غزة والسلطة الوطنية في الضفة حتى في ظل الانقسام مهددتان بالوجود واستمرارهما يحتاج لشكل ما من المصالحة.

في خِضَم تعدد المبادرات وفي ظل المراوحة ما بين أمل أحياه شباب 15 آذار وإحباط ناتج عن مجريات الأمور على الأرض جاء خبر التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق مصالحة في القاهرة ليطرح كثيرا من التساؤلات حول هذا الاتفاق وما إذا كان بداية نهاية الانقسام أم هروبا من ضغوط تُمارس على طرفي المصالحة؟ وهل نحن أمام اتفاق مصالحة أم صفقة تشكل المصالحة إحدى مكوناتها؟.

 

نعتقد أن اتفاق المصالحة الأخير مختلف عن كل المبادرات السابقة بل حتى عن الورقة المصرية،إنه صفقة شاملة تشكل المصالحة إحدى مكوناتها،وقد تكون المصالحة بالمفهوم التقليدي و التي تعني وجود قيادة وإستراتيجية وطنية وحكومة وسلطة واحدة تمارس صلاحياتها كاملة على الضفة وغزة،المكون الأضعف في صفقة المصالحة أو آخر منجزات الصفقة.

عوامل متعددة سرعت التوقيع على صفقة المصالحة أهمها :

1- إرادة القيادة المصرية الجديدة بتحقيق شيء ما يعطي مؤشرا بان مصر استعادت دورها العربي ،مع وجود مصداقية حقيقية عند القيادة المصرية الجديدة في تحقيق المصالحة ومساعدة الشعب الفلسطيني.

2-   خشية مصر أن ينتقل ملف المصالحة ليد دول غيرها وخصوصا قطر.

3-  رغبة مصر أن تنهي مشكلة معبر رفح لتجنب تداعيات إغلاقه على الوضع الداخلي وخصوصا في سيناء،وتوقيع اتفاق مصالحة يمنح مصر مبررا لفتحه دون أن تُتَهم بأنها تكرس الانقسام .

4- التصعيد الأخير على غزة وتصفية قيادات عسكرية حمساوية وانكشاف هشاشة أمن حماس وربما إحساسها أن دورها الوظيفي المحدد لها بدأ بالنفاذ ،دفع الحركة للتفكير بتحصين سلطتها بمصالحة ما ،ونعتقد انه ضمن الاتصالات التي جرت أثناء التصعيد الأخير تم طرح موضوع التهدئة وقضية شاليط وبالتالي سيكون ملف التهدئة وشاليط ضمن مكونات صفقة المصالحة .

5- الرسالة التي بلغتها قيادة الإخوان المسلمين لحماس بشكل مباشر أو غير مباشر بضرورة التهدئة الآن وحماية نفسها بمصالحة ولو كانت شكلية لان حركة الإخوان المسلمين مقبلة على استحقاقات لها علاقة بالسلطة سواء في مصر أو سوريا أو غيرها وهناك تفاهمات مع واشنطن حول الموضوع ،وبالتالي جماعة الإخوان المسلمين غير مستعدة لأية مغامرات في غزة.

6- سقوط الفيتو السوري بسبب الأحداث في سوريا ،هذه الأحداث  أكدت انه لا يمكن لحركة حماس أو غيرها المراهنة على أي حليف خارجي عربي أو إسلامي أو دولي إلا لحين من الوقت.

7-  استحقاقات أيلول المتعلقة بطرح قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية على المنتظم الدولي أو مواجهة مبادرة أمريكية/إسرائيلية دفع حركة فتح لمزيد من الليونة لإنجاز صفقة المصالحة،فهذا الاستحقاق يحتاج لوحدة الموقف الفلسطيني .

8- ثبات الرئيس أبو مازن على مواقفه سواء من موضوع المصالحة أو في مواجهة الابتزاز الأمريكي والصهيوني دفع قيادات في حماس للاقتناع بعقلانية نهج الرئيس ومصداقيته.

9- تآكل السلطتين في غزة والضفة،فسلطة حماس تفقد شرعيتها وشعبيتها بسرعة داخل قطاع غزة وفي الخارج بشكل متدرج بسبب توقفها عن المقاومة ونتيجة مواجهاتها المتكررة مع جماعات أصولية غير قابلة للاستئصال،والسلطة في الضفة تتآكل بسبب الاستيطان وما يجري في القدس وبسبب وطأة التنسيق الأمني على شعبيتها.

 

بالرغم من تعقد القضايا المتضمنة في الصفقة فقد أكدت حركتا فتح وحماس وبقية الفصائل بأنها في مستوى الحدث ومدركة لخطورة التطورات التي تشهدها المنطقة وبالتالي قررت تفكيك هذه القضايا والاشتغال على ملف المصالحة بشكل متدرج بما يسمح بتحريك ملفات وحل إشكالات كمدخل للمصالحة الإستراتيجية ،وعليه نتوقع أن تبدأ الصفقة بفتح المعبر وإنهاء قضية الجندي الإسرائيلي شاليط وتثبيت التهدئة وتعمير غزة وعودة قيادات فتحاوية وحمساوية – قيادات دمشق- إلى غزة ،ومن المحتمل أيضا وجود ما هو خفي في اتفاق المصالحة حيث نعتقد بوجود قضايا سرية ولن يُعلن عنها حاليا ، ومع ذلك نرحب بكل مصالحة حتى إن كانت جزئية ومتدرجة،المهم تجنب الانزلاق نحو مصالحة لتقاسم مغانم غزة أو مصالحة إدارة الانقسام ،فالشعب يريد أن تتوج الصفقة بمصالحة يشارك فيها الكل الوطني لاستنهاض الحالة الوطنية لتكون قادرة على استكمال تحرير الضفة والقدس وليس للهروب من معركة تحريرهما.