خبر المصالحة ليست الصدمة الوحيدة ل« إسرائيل » .. جلال عارف

الساعة 10:22 ص|01 مايو 2011

المصالحة ليست الصدمة الوحيدة ل"إسرائيل" .. جلال عارف

لم يكن الإعلان عن اتفاق المصالحة بين «حماس» و«فتح» هو الصدمة الوحيدة التي تلقتها "إسرائيل" هذا الأسبوع، فالصدمات كانت كثيرة والأخبار السيئة توالت على الكيان الصهيوني وهو يراقب تسارع الأحداث في الوطن العربي.

 

ويخشى المجهول القادم مع تغير الأوضاع في مصر، ومع انفتاح الموقف على كل الاحتمالات في سوريا، ومع بقاء الوضع في الأردن قابلاً للانفجار في أي لحظة. لكن الأنظار في تل أبيب تركزت في نهاية الأسبوع نحو القاهرة وممثلو «حماس» و«فتح» يوقعون على ورقة التفاهمات ويعلنون أن اتفاق الوفاق الفلسطيني جاهز للتوقيع خلال أيام بحضور قيادتي فتح وحماس ومشاركة قادة باقي الفصائل الفلسطينية.

 

ولم يكن ذلك هو الحدث الوحيد الذي يرغم "إسرائيل" على الالتفات لما يجري في القاهرة، ففي نفس اليوم (الأربعاء الماضي) كان خط الأنابيب الذي ينقل الغاز المصري ل"إسرائيل" يتعرض للتخريب للمرة الثانية بعد الثورة.

 

ومع توقف تدفق الغاز كان المسؤولون الإسرائيليون يدركون أن عليهم تدبير أمورهم بعيداً عن هذا المصدر، بعد أن بدأت إجراءات محاسبة المسؤولين عن الاتفاقية التي تم بمقتضاها تزويد "إسرائيل" بالغاز المصري بأسعار زهيدة.

 

وفي مقدمتهم نجلا الرئيس السابق ووزير البترول السابق (وكلهم الآن في السجن)، بينما تتم مطاردة مهندس الصفقة الملياردير اللغز حسين سالم للقبض عليه في الخارج.

 

وكانت "إسرائيل" تتصور أن الأمر لن يعدو تعديلاً في الأسعار لاستمرار تدفق الغاز المصري، خاصة أن واشنطن تضغط في هذا الاتجاه، لكن نسف خط الأنابيب للمرة الثانية جعلها تعيد الحسابات وتستعد للأسوأ.

 

في نفس اليوم أيضاً كانت مسيرة حاشدة تنطلق من جامعة القاهرة إلى مبنى السفارة الإسرائيلية تطالب بإلغاء كل أشكال التطبيع مع "إسرائيل" بما فيها بالطبع تصدير الغاز، وتؤكد على التضامن مع شعب فلسطين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ولم تكن هذه هي التظاهرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وأظن أن مليونية فلسطين في ميدان التحرير ليست بعيدة.

 

فالرهان الخائب الذي تصور أن تركيز الثورات العربية على القضايا الداخلية يعني ابتعادها عن القضايا القومية يسقط كما قلنا هنا منذ البداية. وكل ثورة في أي قطر عربي لابد أن تنتهي في حضن العروبة لأنها الحقيقة الكبرى في هوية هذه الشعوب. وفي نفس اليوم كانت تل أبيب تتابع تصريحات رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصريين عن نهج جديد للتعامل مع القضية الفلسطينية.

 

وعن عمل جاد لإعلان الدولة الفلسطينية بعد الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، والأهم هو إعلان مصر أن ما أطلق عليه «عملية السلام» قد ولدت ميتة وليس من سبيل لإحيائها.

 

والحل كما يراه وزير الخارجية المصري نبيل العربي هو مؤتمر دولي ينهي دوامة المفاوضات العبثية، ويكون هدفه المحدد هو إعلان الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام الحالي، استناداً إلى ما التزم به الرئيس الأميركي من قبل.

 

في ظل هذا المناخ تأتي المصالحة الفلسطينية كمسألة حياة أو موت لم يعد ممكناً التهرب منها استعداداً للاستحقاقات القادمة، وبعد أن أصبح تحرك الشارع الفلسطيني يشير إلى أن الانتفاضة القادمة لن تكون ضد الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل ستكون أيضاً ضد من تسببوا في الانقسام، فلسطينية أفدح الأضرار. ومن هنا تمت التظاهرات الأخيرة للشعب الفلسطيني تحت شعار «الشعب يريد إنهاء الانقسام» بالموازاة مع «إنهاء الاحتلال».

 

وقد كان لافتاً أن مصر بعد الثورة تحركت بسرعة، وأوفدت مدير مخابراتها الجديد مراد موافي في جولة عربية ضمت بين عواصم أخرى دمشق، حيث كان اللقاء مع قادة الفصائل الفلسطينية.

 

وفي المقدمة «حماس»، ثم كان الإعلان عن إجراءات لرفع المعاناة عن الأشقاء في قطاع غزة، الذي اعتبر وزير الخارجية المصري في تصريح سابق له أن المشاركة في الحصار هي جريمة في حق أنفسنا وفي حق الأمن القومي وفي حق الإنسانية، ثم كان التأكيد على أن مصر لن تضغط على أي طرف في جهود المصالحة.

 

وإنما ستدعم الجهود وترعى التفاوض وتترك الفصائل الفلسطينية لتصل بنفسها للاتفاق الذي كانت كل الأوضاع تدفع لإتمامه، فالشارع الفلسطيني لم يعد يتحمل عبء هذا الانقسام.

 

والسلطة الفلسطينية أدركت أن لعبة التفاوض قد وصلت إلى نهايتها البائسة المتوقعة، وأن أي تحرك إيجابي بعد ذلك لن يكون ممكناً إلا بعد المصالحة وتوحيد الصف الوطني الفلسطيني.

 

و«حماس» التي تشدد موقفها بعض الشيء في أعقاب الثورة المصرية وتزايد وجود «الإخوان المسلمين» وباقي الجماعات الإسلامية في الأفق السياسي، تدرك الآن أن الأمور في مصر أعقد بكثير مما تبدو علي السطح،.

 

وتفاجأ الآن بأحداث سوريا التي تعرف أنها ستكون بالغة التأثير عليها وعلى العمل الوطني الفلسطيني بصفة عامة، سواء استقرت الأمور في النهاية للنظام الحاكم في سوريا ولو بتغيير كبير في صفوفه، أو ذهبت سوريا في طريق آخر ستكون له بالقطع ردود فعله الواسعة لدى أطراف دولية وإقليمية عديدة.

 

وستكون له آثاره الواسعة على الصراع مع "إسرائيل". ويبقى التأكيد على أن المصالحة الفلسطينية لن تتم بين يوم وليلة، وأنها تحتاج لجهود كل الفصائل ولدعم كل الإطراف العربية.

 

ويبقى التأكيد أيضاً أن "إسرائيل" لن تكتفي بالتفرج على استعادة الشعب الفلسطيني وحدته في مواجهتها،.

 

ولا استعادة مصر لدورها الفاعل في مواجهة الكيان الصهيوني بعد عقود اكتفت فيها بدور «الوسيط»، ثم التأكيد على أن الطريق إلى نهاية العام تقتضي كل الحذر، ف"إسرائيل" مستعدة لفعل أي شيء للخروج من حصار السلام العادل،.

 

وأميركا لن تقبل بسهولة أن تتخلى عن وضع «الراعي الرسمي والوحيد» لمفاوضات تنحاز فيها ل"إسرائيل" ويقبل العرب ذلك ثم لا يأخذون شيئاً إلا الوعود التي يتم التراجع عنها، والرهان الذي سقط بأن تنكفئ الأقطار العربية.

 

ومصر بالذات بعد الثورة على مشاكلها الداخلية وتبتعد عن القضايا القومية، يزعج الكثيرين، والهروب إلى الحرب سياسة تعودت عليها "إسرائيل" حين تزداد خشيتها من المستقبل.

 

صحيفة البيان الإماراتية