خبر ثلاثة أسباب للتجلد -معاريف

الساعة 07:57 ص|01 مايو 2011

ثلاثة أسباب للتجلد -معاريف

بقلم: ندال ايال

 (المضمون: حقيقة ان الغرب الان ملتزم بالتطورات في ليبيا تقلص دراماتيكيا نافذة العمل في سوريا. الوضع السوري اكثر تعقيدا بكثير. ثمة ما يمكن كسبه، ولكن ثمة ايضا ما يمكن خسارته – أولا وقبل كل شيء، استقرار معين وهش من شواطىء لبنان وحتى العراق -  المصدر).

        العالم لا يصمت في موضوع سوريا، لا معنى للمبالغة الزائدة. العالم يتحدث ويعرب عن اشمئزازه العام من السلوك الاسدي، ولكنه يحرص جدا على أن يبقى في خانة التنديدات غير الرسمية والامتناع عن الدعوة الى العمل. اصحاب القرار في اوروبا وفي الولايات المتحدة يكررون ذات الرسالة المرة تلو الاخرى: التدخل العسكري في سوريا ليس على الطاولة. وهم يقولون في واقع الحال: لا تفكروا حتى في هذا، وبذلك فانهم يحاولون ان يحبطوا ويقتلعوا عطفا سياسيا محتملا قد يحاول الدفع نحو مثل هذا العمل. عندما يقول البيت الابيض الديمقراطي وجون ماكين الجمهوري انه لا معنى للتدخل في سوريا، ينشأ اجماع سياسي. الكونغرس مرن، بالطبع، ويمكنه أن يتغير، ولكنه يتشكل من سلسلة اسباب تعرقل التدخل الدولي المكثف في سوريا. ها لا يبرر التجاهل الغربي، ولكنه يحاول أن يشرحه. إذن لماذا لا يتدخل المبادرون الى الحملة العسكرية في ليبيا في سوريا ايضا؟

        1. لا يعرفون من سينتصر. هذا موضوع حرج. عندما بدأت الولايات المتحدة، فرنسا وبريطانيا تدخلها في ليبيا كان هناك احساس بان أيام القذافي معدودة. كان واضحا أيضا بان هناك قوة تمرد كثيفة، مسلحة، سيطرت على أجزاء من الدولة. في ليبيا، وكذا في مصر – نشأت عمليا تحالفات شديدة القوة قررت خيانة الحكم واسقاطه. في مصر كان الحديث يدور عن ظاهرة جماهيرية، اجماعية، للارادة لاسقاط مبارك، وانضم اليها الجيش الذي اتخذ قرارا في مراحل مبكرة الا يتدخل ويحمي الرئيس. ما أن كان واضحا ان الحكم المصري لن يقمع الاضطرابات بالقوة، ومشكوك أن هذا كان ممكنا على الاطلاق، لم يتبقَ للحكم أي خيار ناجع.

        الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، فهم بان مبارك ضعيف ومصفى على أي حال، وكان ملزما بان يجد لنفسه جياد اخرى، أقل شيخوخة ومرضا. وكان القرار اياه واقعيا تماما ونبع من واجب الظروف – الفهم بان مبارك يوشك على أي حال على السقوط. في ليبيا الاعتبار كان مغايرا بعض الشيء: لم يكن فهم بان القذافي منتهٍ ولكن الاجماع الدولي هو ان هناك قوة هامة تقف ضده، يمكنها في ظروف معينة أن تسقطه. والاجماع الهام بقدر لا يقل هو أن ليبيا، الدولة التي عقدت حلفا عمليا مع الغرب، لا يمكنها أن تعقد معه الصفقات بعد الان حين يكون زعمها هو القذافي، الذي جعل نفسه منبوذا.

        القصة السورية، كما يمكن أن تُرى بوضوح تختلف جدا. لا توجد معارضة واضحة داخل الدولة. لا توجد قوة عسكرية تقف حيال الرئيس، وعلى أي حال حافظ الاسد على الولاء وهكذا ايضا قوات الامن. وحسب التقديرات في واشنطن، يدور الحديث عن مظاهرات حتى لا تشمل معظم اجزاء المجتمع السوري، الذين ينتظرون، خائفون، النتيجة. وضع الامور هذا لا يزال يمكنه أن يؤدي الى التدخل، لولا القصة الليبية.

        2. يعانون من مفارقة "الحرب غير الصحيحة". عندما سافر ارئيل شارون الى واشنطن عشية حرب العراق الثانية، حذر الرئيس بوش، كما قال رجاله في حينه، من أنه يوشك على "خوض الحرب غير الصحيحة". وقصد شارون ان على الولايات المتحدة أن تركز جهودها على ايران وليس على العراق. بوش تجاهل بلباقة، شارون لم يكن في موقف اصرار، وبالطبع الحرب في العراق هي أحد الاسباب المركزية التي تمنع الولايات المتحدة من توجه ضربة عسكرية لايران؛ الفهم الدارج هو أنه ليس للادارة الثقة الجماهيرية، المساحة العسكرية او المقدرات المالية للمخاطرة بحرب اخرى في الشرق الاوسط.

        هذه هي مفارقة العمل المسبق او "الحرب غير الصحيحة". ذات المبادىء التي ستؤدي الى التدخل الدولي كفيلة أيضا بان تعاني من التجاهل التام اذا ما وقع وضع مشابه – ليس بسبب تغيير واضع في الظروف او تشويه في المبادىء، بل بسبب المفارقة حقا، زمنيا: حقيقة انه يوجد منذ الان تدخل دولي. حقيقة ان الغرب الان ملتزم بالتطورات في ليبيا تقلص دراماتيكيا نافذة العمل في سوريا. هذا موضوع سياسي داخلي – الجمهور الاوروبي والامريكي لا يريد حقا منح الثقة لسلسلة حروب في الشرق الاوسط – بل وموضوع فني يتعلق بالمقدرات. ولكن اكثر من ذلك، هذه هي مفارقة، هذه هي الحالة النفسية لاصحاب القرار الذين باتوا يشعرون بانهم ينكبون على مكان واحد، ويجدون صعوبة في التعهد بمشاكل اخرى.

        3. لا يعرفون ماذا سيكسبون من تغيير النظام في سوريا. (ولا يعرفون كيف يقدمون المساعدة على أي حال). في مصر لم يكن مفر. كان واضحا بان هناك تغيير في النظام – على أي حال مبارك مريض بالسرطان وهو كبير جدا في السن. الغرب لم يسأل نفسه ماذا سيكسب من تغيير النظام المصري وذلك لان هذا ببساطة لم يكن منوطا به؛ الشارع أملى الاحداث. في ليبيا واضح تماما أن النظام الجديد سيكون متعلقا جدا باوروبا وبالامريكيين. واذا أخذنا بالحسبان احتياطات النفط الليبية، فان تغيير النظام كفيل بان يضمن مرابح طيبة. فضلا عن ذلك: القذافي، بكلتي يديه، جعل نفسه حاكما غير شرعي على الاطلاق لعقد الصفقات. قراره القمع بوحشية للمتظاهرين والثوار جعله على الفور شخصية غير مرغوب فيها، واحتياطاته من الطاقة، عمليا، غير قابلة للاستخدام بالنسبة للغرب. حتى لو انتصر، فان أي رئيس امريكي لن يوقع مع القذافي على اتفاق تعاون، ولا يمكن لاي رئيس وزراء بريطاني أن يسمح لنفسه بمنح الحاكم الليبي العفو. تغيير النظام في ليبيا ضروري.

        في سوريا ايضا يوجد ما يمكن كسبه من تغيير النظام – اولا وقبل كل شيء اضعاف المحور الايراني. ولكن ما تميل محافل اسرائيلية الى تجاهله، عن قصد، هو التعاون الهادىء والناجع لسوريا مع الولايات المتحدة في موضوع المصالح في العراق، وهو موضوع حرج للادارة التي سحبت قواتها العسكرية من الدولة. واذا ما حاكمنا الامور من الرد الامريكي المتردد فقد كان النظام السوري على ما يبدو قابلا للاستخدام جدا من جوانب عديدة بالنسبة لهم. فبينما في الحالة المصرية التغيير على أي حال تحقق والامريكيون حاولوا فقط يائسين ركب الموجة؛ وفي الحالة الليبية التغيير ضروري – فان الوضع السوري اكثر تعقيدا بكثير. ثمة ما يمكن كسبه، ولكن ثمة ايضا ما يمكن خسارته – أولا وقبل كل شيء، استقرار معين وهش من شواطىء لبنان وحتى العراق.