خبر وأخيراً، بدأنا نتنفس الصعداء: تحقيق المصالحة بات قاب قوسين أو أدنى..د. أحمد يوسف

الساعة 01:26 م|28 ابريل 2011

وأخيراً، بدأنا نتنفس الصعداء: تحقيق المصالحة بات قاب قوسين أو أدنى..د. أحمد يوسف

قبل يومين كان الشارع الفلسطيني ينام ويصحو على سؤال هل المصالحة قادمة؟ هل هي على البواب أم أنها غدت سراباً بقيعة؟!

الحمد لله، اليوم تغير اتجاه السؤال إلى: ما هي سيناريوهات ما بعد المصالحة؟

إن روح التفاؤل والأمل عادت من جديد إلى شعبنا، وهذا الانجاز لم يأتِ من فراغ، حيث عملت جهات في الداخل والخارج للتهيئة له، كما أن عوامل فلسطينية وإقليمية ودولية أسهمت بالتعجيل به.

لا أحد يمكن أن ينكر حجم الجهود التي بذلتها جهات فلسطينية فصائلية أو مستقلة لدفع طرفي الخلاف في فتح وحماس إلى التعقل واستيعاب مخاطر استمرار حالة الانقسام على الشعب والقضية.. كما أن المقترحات التي تقدم بها الدكتور سلام فياض للخروج من مأزق الملف الأمني قد ساعدت هي الأخرى في طمأنة حماس بأن الانتخابات ليست مؤامرة لإخراجها من السلطة بلعبة ديمقراطية، ولأن فتح هي الأخرى اقتنعت - كذلك - بأن حماس هي شريك سياسي ووطني لا يمكن إقصائه بكل ما أوتيت من قوة المكر والحيلة؛ فهما اليوم - في رؤية الجميع - أهم مرتكزين لهيبة السلطة وحيوية الشارع وتعزيز إمكانيات المجتمع العربي والإسلامي في تقديم الدعم والنصرة لأهل فلسطين وتطوير قدراتهم على مواجهة المحتل الغاصب.

لقد لاحظنا في الفترات الأخيرة وجود تحركات نشطة للفصائل باتجاه القاهرة، وكانت بهدف عودة الحياة من جديد للمبادرة المصرية لإنهاء الانقسام.. وقد شاهدنا كذلك الرئيس (أبو مازن) في زيارته للعاصمة المصرية، حيث التقى خلالها كل القيادات السياسية هناك، وقد سبق لحماس أن أجرت هي الأخرى عدة لقاءات مع الخارجية المصرية ومع جهاز المخابرات العامة أثلجت الصدور وبعثت بالدفء لعلاقاتنا التاريخية والأخوية من جديد.

 لقد كان التساؤل المطروح: هل هذه التحركات واللقاءات هي مشهد إعلامي متكرر لما كان يحدث قبل ربيع الثورة المصرية أم أن للمشهد مغازٍ سياسية ودلالات سنرى آثارها على الأرض قريباً؟

وفعلاً، جاءت النتائج أسرع مما توقع أكثر المتفائلين في فتح وحماس.

لاشك بأن إعلان الرئيس (أبو مازن) عن جاهزيته للذهاب إلى غزة والجلوس وجهاً لوجه مع الأخوة في حماس لإنهاء الانقسام والتأسيس لمصالحة فلسطينية تقطع الطريق أمام كل من يريد تكريس الأزمة ومأسسة حالة القطيعة والتشظي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، دفعنا لأن نستبشر خيراً، وانتقلنا من وضعية اليائس البائس الحزين إلى واقعٍ مليء بالتفاؤل والأمل، بل إن البعض في فتح وحماس رفعوا الأكفَّ شكراً لله.

اليوم، وبعد التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق المصالحة في القاهرة لم تعد التساؤلات السابقة مطروحة أو الشكوك قائمة، حيث إننا لن نبدأ لعبة شدِّ الحبل من جديد، حيث ستكون طبيعة المرحلة القادمة هي الإقبال والتآخي بديلاً عن المناكفة والتنائي.

صحيح، وبحسب خبراتنا السابقة - على مدار أكثر من ثلاثة سنوات - كان تأتي المبادرات من كل الجهات المحلية والإقليمية والدولية، وكنّا – في البداية - نُطلق لها العنان، ثم سرعان ما نلاحقها بالأعيرة الإعلامية القاتلة، لنعاود – بعد حين – البكاء على صيد حُرمناه لغياب الوعي السياسي بأساليب الملك والحكمة.

في الحقيقة، كانت مبادرة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في 15 مارس الماضي مفاجئة لنا جميعاً، ويستحق الرئيس عليها كلَّ الشكر والتحية، لأنها كانت صادقة وجريئة وقادرة – إذا خلصت النوايا - لإخراجنا من تيه الانقسام، وغياب الرؤية والمراوحة المذلة في المكان.

لاشك كذلك بأن حركة شباب 15 مارس/آذار المطالبة بإنهاء الانقسام ودعوة الأخ رئيس الوزراء إسماعيل هنية (أبو العبد) كانت هي الأخرى إشارات مشجعة لبدء الحوار، ولإظهار أن الظروف أصبحت مواتية للعمل على استعادة وحدتنا، والتحرك نحو بناء الشراكة السياسية لتعزيز صمود أهلنا في الوطن والشتات، والتأكيد على أننا جميعاً في فتح وحماس الرافعة القوية لحماية المشروع الوطني الفلسطيني والحفاظ على الحقوق والثوابت الوطنية.

إن بعض المعوقات لاستكمال التفاهمات حول الورقة المصرية التي تشكل الأرضية لأية اتفاق لإنهاء الانقسام قد تم تجاوزها، وهي - وهذا ما أكدته التفاهمات الأخيرة -أنها كانت الأوفر حظاً للبناء على قواعدها، مع ما تطلبه ذلك من إجراء بعض الرتوش على ملامحها العامة نتيجة للمستجدات والتحولات الحاصلة في المنطقة، وأهمها التغيير الذي طرأ في مصر بعد نجاح الثورة المباركة فيها، والذي نأمل معه أن تستعيد (أمُّ الدنيا) مكانتها في صدارة الأمة، وتنال - من جديد - ما كانت تتبوؤه دائماً من ثقة الشعوب العربية والإسلامية بها.

إننا كنّا وما زلنا نرى في جمهورية مصر العربية الركيزة الأقوى لعزِّ العرب وألقِ أمجادهم؛ إذا هانت مصر هان العرب وتخلفت مكانتهم وضاعت قضيتهم المركزية فلسطين، وإذا عزَّت مصر عزَّ العرب وارتفعت راياتهم.

ونحن أهل فلسطين قلوبنا وسيوفنا لمصر؛ نفدي عزَّها وأرضها بالمهج والأرواح.

 

 

                                         زيارة الرئيس إلى غزة

إن قدوم الرئيس (أبو مازن) إلى غزة سيكون هو في الحقيقة إعلان رسمي عن إنهاء الانقسام، والشروع مباشرة في إجراءات تحقيق المصالحة، والتي ستأخذ – بلا شك - بعض الوقت.. لذلك، فإن قيامه بهذه الزيارة سيكون - من وجهة نظر الشارع الفلسطيني - بداية المشاهدة لإشعاعات الضوء وقرب الخروج من نفق الأزمة، والتي تآكلت معها عافية الوطن وآصرته السياسية والأمنية والمجتمعية.

فالشباب اليوم هم ثروتنا الوطنية، وقد هدأت حركتهم وفعالياتهم لإنهاء الانقسام، باعتبار أن الطريق للقاء الأخوة - الذين نزغ الشيطان بينهم - قد غدت ممهدة الآن لانجاز المصالحة.. لقد كانت المخاوف كبيرة أن تأتي الإجازة الصيفية ونحن على ما فيه من قطيعة وشقاق، لأن فراغات الصيف ستصنع حراكاً شعبياً لن يتمكن أحدٌ من التصدي له، "فالشعب يريد..." أصبحت اليوم نغمة الحشد والتعبئة المفضلة للجماهير لصناعة الإصلاح والتغيير، وهي لشعبنا هدفٌ نبيل لتحقيق طموحاته وأهدافه في الحرية والاستقلال.

الحمد لله أن المصالحة اليوم هي في طريقها لأن تصبح حقيقة لا خيالا، لأن في سبتمبر القادم تحديات كبيرة في الأمم المتحدة ومع المجتمع الدولي تفرض علينا أن نواجهها صفاً واحداً، وليس بالحالة التي عليها واقعنا اليوم؛ شيعاً وأحزاباً يلعن بعضها بعضا.

 

 

                                             التفكير برؤية مستقبلية

 في الأسبوع الماضي اجتمعنا في بيتي ضمن الصالون السياسي الذي يشارك فيه كوادر من فتح وحماس وكان الموضوع المطروح للنقاش هو: ما هي سيناريوهات ما بعد المصالحة؟

كان السؤال - حينئذ - مثيراً للجدل وإلى استغراب البعض، حيث لا مصالحة تلوح في الأفق، فقلت: دعونا نتجاوز هذه الإشكالية، ونحاول استشراف المستقبل بتخطي هذه العقبة، باعتبار أن المصالحة - شئنا أم أبينا - آتية، لأن هناك من الأسباب ما يدفعنا لتحقيقها، والعمل على سرعة انجازها.. وقلت للمشاركين في الصالون السياسي: ربما يكون التطرق لمشهد الحالة السياسية بعد تحقيق المصالحة عامل معجل لتقريب المسافة بيننا، وسيوفر الأرضية التي تجعل من فرص التعايش والتآخي أمراً قريب المنال.. وقلنا بأن السيناريو الأوفر حظاً  اليوم هو الذي سوف يحتضن العناصر التالية:

1-  انتخابات حرة ونزيهة وشفافة برقابة عربية (الجامعة العربية) وإسلامية (منظمة المؤتمر الإسلامي) ودولية (الرئيس كارتر وبعض المنظمات الدولية).

2-  شراكة سياسية تعبر عن نفسها على شكل حكومة وحدة/ائتلاف وطني وتحظى بقبول كل من فتح وحماس.

3-  إعادة هيكلة منظمة التحرير وبناء مجلسها الوطني، لتكون حاضنة لكل فصائل العمل الوطني والإسلامي.

4-  عدالة التمثيل السياسي والاقتصادي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

5-  العمل على تحقيق قيام الدولة الفلسطينية.

6-  إعطاء الأولوية لبناء مؤسسات شرطية وأمنية قادرة على حفظ الاستقرار وحماية الوطن.

7-  المقاومة هي مسئولية الجميع وهي العين الساهرة على حدود الوطن والمدافعة عنه.

8-  نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، ويؤمن بالتعددية والتداول السلمي للسلطة.

9-  رفض التنسيق الأمني مع الاحتلال، وحماية أمنيّات المقاومة والقوى الوطنية والإسلامية.

10- تعزيز مساحات الارتباط وأواصر العلاقة مع العمق العربي والإسلامي.

 

 ختاماً.. يمكننا القول بتفاؤل كبير أن غزة ستشهد قريباً قدوم الرئيس أبو مازن إلى غزة، بعد لقائه في القاهرة مع الأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ثم اللقاء الموسع في غزة والذي سيجتمع فيه الشمل الوطني مع الأخ الكبير إسماعيل هنية رئيس الوزراء.

 إن شعبنا المتعطش لهذا اللقاء الميمون سوف يطوي صفحة الماضي، وسوف تفتح الأبواب مشرعة للحديث عن المستقبل، وعن التمكين للمشروع الوطني وللشراكة السياسية؛ التي تقوم على مبدأ التوافق في كل شؤوننا الداخلية والخارجية، ولا يغيب فيها – بالطبع - رأي الوطن والشتات.

وبانتظار هذا المشهد الذي يجمعنا، والذي سنكسب به احترام العرب والمسلمين وكل أنصار الحق والحرية لصالح شعبنا وقضيتنا، سنظل نهتف مع كلُّ غيور على وحدة الصف والموقف: "خمسه وخميسه في عين اللي ما يصليِّ ع النبي".

وبانتظار وصول قافلة الرئيس (أبو مازن) والأخ خالد مشعل قادمة من القاهرة إلى غزة، سنهيأ الأجواء للوفد القادم ليأتي إلى وطنه "منتصب القامة يمشي"،  لنعيش معاً العرس الكبير لقضيتنا وشعبنا، وحتى ذلك اليوم القريب جداً يبقى التفاؤل سيد الأحكام.