خبر فرصة الوحدة تلوحُ في الأُفق، فلا تُضيّعوها/ هاني المصري

الساعة 06:12 ص|26 ابريل 2011

فرصة الوحدة تلوحُ في الأُفق، فلا تُضيّعوها

هاني المصري

هناك فرصةٌ تلوحُ في الأفق لإنهاءِ الانقسامِ واستعادةِ الوحدةِ، ويجبُ توفرُ الإرادةِ الكافيةِ لدى مختلفِ الأطرافِ الفلسطينيةِ لاغتنامِها قبل أن تضيعَ، والوحدةُ المقصودةُ هي التي تجسدُ القواسمَ المشتركةَ دونَ أن تلغيَ التعدديةَ والخلافاتِ والبرامجَ المتنوعةَ.

لقد بدأت هذه الفرصة في الظهور منذ وصول المفاوضات الثنائية إلى طريقٍ مسدودٍ، واتضاح للجميع أن إسرائيل معادية للسلام، وأن الإدارة الأميركية عاجزة عن إقناعها حتى بتجميد الاستيطان، لدرجة أنها تراجعت عن وعودها، الأمر الذي يجعل الظروف مهيأة لشق مسار جديد من شروط نجاحه تحقيق الوحدة الوطنية.

وتعمقت هذه الفرصة أكثر بعد الربيع العربي الذي ظهر في هبوب رياح التغيير العاصفة في المنطقة، والتي أدت حتى الآن إلى انتصار الثورة في تونس ومصر، وظهور أنظمة جديدة ديمقراطية تبشر بدخول المنطقة عهدا جديدا بعيدا عن الهيمنة والاستبداد والفساد والتبعية.

وبدأت هذه الفرصة تكبُر بعد الحراك الشبابي والشعبي الفلسطيني الذي ظهر بدخول عناصر جديدة على خط المصالحة؛ عبر الدعوة إلى إنهاء الانقسام وتنظيم مظاهرات واعتصامات، شارك فيها الآلاف في الضفة وعشرات الآلاف في غزة؛ ما يدل على أن الشعب بدأ بالتحرك للضغط لطي صفحة الانقسام السوداء.

ويمكن أن نضع دعوة إسماعيل هنية للرئيس أبو مازن لزيارة غزة، واستجابة الرئيس بإطلاق مبادرة؛ في سياق بداية الاستجابة للمتغيرات والثورات العربية والتحرك الشبابي والشعبي الفلسطيني.

لقد وصل الحراك السياسي والشبابي إزاء الوحدة إلى نقطة حرجة، تهدد الجهود لإنهاء الانقسام بالفشل، إذا لم تتم المسارعة لإنقاذها.

نحن الآن “قاب قوسين أو أدنى” من إعلان الفشل أو التصرف على أساسه، والدليل أن حكومة سلام فيّاض المستقيلة منذ أكثر من شهرين متجاوزة الفترة القانونية لتشكيل حكومة جديدة أو معدّلة؛ قد ترى النور اليوم أو غداً أو خلال الأيام القادمة.

لقد تجمدت المشاوراتُ لتشكيل الحكومةِ الجديدة، لإعطاء فرصةٍ لنجاح مبادرة الرئيس، لأن نجاحها يعني تشكيلَ حكومةِ وفاق وطني، ما يعني أن الحكومة الجديدة بمثابة إعلان فشل التحرك نحو الوحدة.

طبعاً يمكن ألا يتم الربط ما بين تشكيل الحكومة والحراك الهادف نحو إنهاء الانقسام، بحيث يؤدي نجاح هذا الحراك إلى استقالة “الحكومتين” في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة وفاق وطني.

إن توفر الإرادة الكافية لدى الأطراف لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، على أساس القواسم الوطنية المشتركة والشراكة الحقيقية على أسس ديمقرطية؛ شرطٌ أساسيٌ للنجاح بتحقيق الوحدة، لأن عدم توفر الإرادة لدى طرف أو أكثر؛ سيؤدي إلى الفشل.

الآن، هناك شرطان أساسيان متوفران للنجاح، يتمثل الأول بتوفر عامل خارجي أقل ضغطاً لمنع الوحدة الوطنية، في ظل وجود نظام مصري جديد انتقل إلى العمل النشيط لاستعادة الوحدة على أسس متوازنة، وهذا يوفر حاضنة عربية مطلوبة بدونها لا يمكن إنهاء الانقسام.

والشرط الثاني: هو وجود معادلة متوازنة للاتفاق تضمن خروج جميع الأطراف منتصرة، وواقعية وممكنة التطبيق؛ تستند إلى ما تم الاتفاق عليه سابقًا، واستكماله بالاتفاق على النقاط القليلة والهامة المتبقية، معادلة تجعل الوحدة لا تؤدي إلى الحصار والمقاطعة الدوليين لحكومة التوافق الوطني التي سيتم تشكيلها، أو لإضعاف منظمة التحرير وشرعيتها ومكتسباتها أكثر مما هي ضعيفة، في وقت هي بحاجة إلى تفعيل وإصلاح وإعادة تشكيل، لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني؛ ولتكون منظمة فاعلة وتمثل فعلا الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.

إن ما يجري في سورية يثبت أن الرهان على المتغيرات والثورات العربية وأنها ستكون لصالح طرف على حساب طرف آخر رهان خاطئ تماما، فلا يمكن الاستفادة من الفرصة التي تلوح في الأفق جراء الثورات العربية، إذا لم يسارع الفلسطينيون الى الوحده لتوفير شروط التقاطها قبل فوات الأوان، وقبل أن يندموا ساعة لا ينفع الندم.

من حيث الشكل، يبدو أن فتح خرجت خاسرة من الثورات العربية، فهي خسرت نظام حسني مبارك، الذي كان حليفا قويا رئيسيا لها، وأن حماس خرجت رابحة بسقوط نظام معادٍ لها، أما من حيث الجوهر، ففتح وحماس ربحتا بانتصار الثورة المصرية؛ لأنها ستعيد مصر بعظمتها ووزنها إلى مكانتها ودورها الطبيعي، الذي سيجعلها أكثر دعما للقضية الفلسطينية، بوصفها: “مسألة أمن قومي مصري”، كما قال نبيل العربي وزير الخارجية المصري.

كما أن الثورة المصرية ستجعل من مصر لاعبا أساسيا يساهم في إنهاء الانقسام، بعد أن كانت تلعب دوراً مزودجاً برعايتها للمصالحة وانحيازها للرئيس وحركة فتح، ومنحازة أكثر من أي شيء آخر للشروط الأميركية – الإسرائيلية، التي تعتبر العقبة الرئيسة أمام إنجاز المصالحة.

في هذا السياق، فإن سقوط نظام حسني مبارك ليس نصراً لمصر وشعبها فقط، بل هو كذلك انتصار لفلسطين وشعبها ولقواها المؤمنة بالكفاح بكل أشكاله الذي يتيحه القانون الدولي الإنساني.

لذا لم يضع النظام السياسي الجديد ثقله إلى جانب حماس كما توقع بعض قادة حماس، وخاصم فتح، وإنما اتخذ موقفاً متوازناً؛ يجعل إمكانية تحقيق المصالحة أكبر من أي وقت مضى، لقطع الطريق على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

حماس وفتح والفلسطينيون تحت وطأة مخاطر انشغال العرب والعالم بما يجري من تغييرات وثورات؛ تجعل الاهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية يتراجع إلى الخلف، ما يزيد من جهه من قلق اسرائيل من تداعيات انتهاء مرحله الموات العربي عليها ، ومن جهه اخرى يدفعها لمواصلة تطبيق مخططاتها الاستعمارية والتوسعية والعنصرية بسرعة اكبر استباقا لهذه التداعيات.

كما أن الفلسطينيين لديهم آمال عريضة بأن عودة العرب إلى لعب دورهم سيساعدهم على إنجاز أهدافهم، التي عجزوا عن تحقيقها طوال عشرات السنين، رغم النضالات المستمرة والتضحيات الغالية.

فتح في ظل انسداد الأفق السياسي، والشرعية الناقصة للرئيس والحكومة، بعد انتهاء المدة القانونية للرئيس وللمجلس التشريعي وجراء عدم حصول الحكومة على ثقة المجلس التشريعي المشلول، وعدم فاعلية وتجديد مؤسسات منظمة التحرير، ما يجعلها بحاجة ماسه إلى الوحدة، رغم الثمن الذي ستدفعه مقابل ذلك.

كما أن حماس تخشى من العدوان الإسرائيلي، ومن نتائج الحصار، وعدم القدرة على إقامة كيان سياسي مستقل في غزة، بدون القدرة على تشكيل نموذج قابل للبقاء، في ظل افتفاده للشرعية العربية والدولية، وغياب التواصل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

إن حماس تخشى انتفاضة شعبية ضدها، بدت ملامحها واضحةً فيما حصل يوم 15 آذار وما تلاه، والتي دفعت بحماس إلى إطلاق مبادرة هنية للمصالحة، واستئناف القصف على جنوب إسرائيل، في محاولة لاستدعاء العامل الإسرائيلي، الذي يقطع الطريق على أي انتفاضة ضد حماس.

وجاء ما يجري في سورية ليزيد من قلق حماس، ويجعلها معنية بالمصالحة، ومستعدة اكثر من السابق لدفع الثمن مقابل ذلك، لأن مظلة الشرعية الفلسطينية توفر لها الغطاء والقدرة على المشاركة الفاعلة.

إن المبادرة التي أطلقها وفد الشخصيات الوطنية المستقلة، وقدمها للقيادة المصرية ومختلف الأطراف الفلسطينية تشكل محاولة جادة لسد الفراغات وإزالة العراقيل التي تعترض نجاح الجهود والمبادرات الرامية إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وعلى رأسها مبادرة الرئيس التي أصبحت في مهب الريح، بعد اعتراض حماس عليها، ومهددة بالفشل، إذا لم تتم المسارعة لإيجاد قوة دفع جديدة، تجعلها قادرة على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

إن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، مسألة صعبة جدا، خاصة في ظل الانفصال الجغرافي ما بين الضفة وغزة، وفي ظل تعمق الانقسام ومأسسته، والذي أدى إلى نشوء مصالح لأفراد وشرائح يهمها إدامة الانقسام.

ولكن هذه المهمة ليست مستحيلة إذا توفر الضغط الشعبي الفلسطيني المتعاظم، والضغط الخارجي، خصوصا المصري والعربي، الذي يعجل بتحقيق الوحدة، بوصفها القاطرة التي يمكن أن تقود إلى توحيد طاقات الشعب الفلسطيني، وتطوير نضاله، وصولا إلى عقد مؤتمر دولي قادر على إنهاء الاحتلال، وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال