خبر إسرائيل تتفكك- معاريف

الساعة 08:36 م|25 ابريل 2011

إسرائيل تتفكك- معاريف

بقلم: بن كاسبيت

تجاه الخارج الدولة تؤدي مهامها كيفما اتفاق. الاقتصاد في وضع جيد. يوجد نمو، الانتخابات تجرى بين الحين والاخر (بشكل عام ليس في موعدها الاصلي)، توجد حكومة وتوجد معارضة، يوجد رئيس وزراء، وكأن به كذلك وجهاز الامن يواصل التعاظم. ولكن كل هذا ظاهرا فقط. تحت السطح، نتفكك.

كل من يتابع السيادة الاسرائيلية من نظرة عليا، يلاحظ هذه المسيرة. الحكم المركزي مشلول، الجهاز الحكومي عالق، عملية اتخاذ القرارات متعذرة، وحتى بعد ان تتخذ، فان أحدا لا يطبقها. مأمور شؤون الموظفين في الدولة السابق شموئيل هولندر، في مقابلة مع "معاريف" عشية الفصح قال اننا ما كنا لننجح اليوم في أن نقيم المشروع القطري او نستوعب موجات الهجرة الهائلة التي انصبت على شواطىء الدولة في الماضي. هولندر محق. الحواجز المختلفة، التي في الايام الاولى للدولة ما كان لها وجود، اصبحت في العقد الاخير غير قابلة للاجتياز. الدولة تدار بقوة القصور الذاتي، يسيطر عليها موظفون، بيروقراطيون، مرجعون من وزارة المالية، محاسبوت ومستشارون قانونيون. في هذه الايام لا ملكا في اسرائيل. لا تفكيرا استراتيجيا، لا خططا مرتبة، لا رؤيا ولا قدرة على التنفيذ. رئيس الوزراء هو كيان افتراضي كل هدفه البقاء. ولما كان ليس لرئيس الوزراء الحالي ارادة او قدرة على قيادة رجاله، او اتخاذ أي قرارات ذات مغزى، او عرض خطة مرتبة على الجمهور، يطرح السؤال لماذا يستثمر طاقات هائلة بهذا القدر للحفاظ على كرسيه. ماذا يحققه لنفسه، او يحققه لنا، من كل هذا.

ولا يزال، محظور أن ننسى ان ليس بنيامين نتنياهو مسؤول عن هذا الوضع. يدور الحديث عن تعفن تاريخي، صدأ سياسي متواصل منذ عقود من الزمان، ولكن نتنياهو هو الذي فوت الفرصة لتغيير الوضع. لانقاذ الدولة من المتاهة. هذه الفرصة كانت لمرة واحدة ولعلها لن تعود، وهو لا يزال يواصل التمسك بكل قوته بقرني المذبح المهترىء، ليكسب المزيد من الوقت، ليصل، كيفما اتفق الى الانتخابات التالية ويبدأ كل اللاشيء هذا منذ البداية. المهم ان يحافظ على "الحلف التاريخي" مع شاس، او على ميزان الرعب مع ليبرمان.

 

يتعفنون في مياه ضحلة

رئيس وزراء في اسرائيل هو شخص مشلول. عندما خرجت لاول مرة في سلسلة مقالات حول الحاجة لتغيير طريقة الحكم، بعد حرب لبنان الثانية، ادعى بعض من زملائي بانه لا يوجد أي مانع من الطريقة الاسرائيلية والدليل هو أن لرئيس الوزراء قوة مطلقة ربما اكثر مما لزعماء آخرين في الغرب. ومن ناحية ما فقد كانوا محقين.

للحرب، مثلا، يمكن لرئيس وزراء في اسرائيل ان ينطلق بسهولة جمة. ايهود اولمرت اثبت هذا مرتين. بل انه لم يحتاج الى قرار للخروج لشن الحرب، ببساطة خرج (وحسن أن هكذا). في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية ايضا وادارة الشؤون السرية فانه مستقل وصاحب سيادة أكثر من معظم زعماء الغرب. المشكلة هي في الادارة الجارية، اليومية، للدولة. مع اتخاذ القرارات اللازمة لبناء مستقبلنا هنا. وهنا، نحن عالقون وذلك لان دولة اسرائيل، بالطريقة الحالية، غير قابلة للادارة. تنزلق بسرعة الى الفوضى. الديمقراطية الاسرائيلية تشبه الحوت الضخم، المعقد، الذي ينجرف نحو الشاطىء. ونحن منذ الان نتعفن في المياه الضحلة، في وضع يكاد يكون لا مرد له.

المبدأ الاساس للديمقراطية البرلمانية، والتي هي طريقة الحكم عندنا، هو فكرة ناجعة وجيدة، ولكن صيغتنا الاسرائيلية هي مصيبة متدحرجة. الكنيست تتفكك الى عناصر اولية، احزاب قطاعية تتعاظم وتحظى بنفوذ اكبر ببضعة اضعاف من وزنها بين السكان، الجميع يبتزون الجميع ويهددون الجميع، رئيس الوزراء يناور بين كل هذه الاضطرارات وغير قادر على ان يضع على الطاولة اجندة مرتبة او أن يتخذ قرارا بسيطا (أتذكرون ضريبة القيمة المضافة على الفواكه والخضار؟) دون ان يجد نفسه في خطر وجودي من جانب قسم من شركائه الائتلافيين. تصوروا أن يأخذ بنيامين نتنياهو في 1 نيسان 2009 المفاتيح لاربع سنوات كاملة من الحكم وانه يمكن اسقاطه فقط في ظروف خاصة، باغلبية خاصة، برعاية منظومة توازنات وكوابح متطورة. تصوروا الا يكون في الكنيست هذا العدد الكبير من الاحزاب. تصوروا أن يكون بوسع رئيس الوزراء ان يحدد هدفا وان يسعى اليه دون أن يخاف من اليمين، يرتعد من اليسار ويغمز، في نفس الوقت، في كل الاتجاهات. ما كان يحتاج الى أن يعين 30 وزيرا لشؤون اللاشيء، ما كان يحتاج لتسعة نواب وزراء، ما كان يحتاج لرشوة الجميع كل الوقت وذلك "لتعزيز الائتلاف"، كان يمكنه أن يعين في مناصب الوزراء مهنيين خبراء، وليس سياسيين معنيين يتنافسون فيما بينهم على ما يخافه رئيس الوزراء. كان يمكنه، على الاقل بين الحين والاخر، ان يقول الحقيقة للشعب.

حقيقة أنه يمكن في كل لحظة معينة لحزب ما، لسياسي ذي نزعة قوة، لمجموعة متمردين ان يسقطوا رئيس الوزراء، تجعله رهينة خالدا. ما لا يفعله في اشهر حكمه الاولى لن يفعله ابدا. بشكل عام تضيع هذه الاشهر على مناورات عابثة وعلى اضغاث احلام، الى ان يتبين بان حان الوقت للانتقال الى وضع البقاء ويبدأون باحصاء الايدي في كل صباح، ويتخلون عن عمل شيء ذي مغزى كي لا يسقطون. في هذه الاثناء، الى هذا الفراغ تجتذب البيروقراطية، تجتذب محافل من خارج الحكم، تجتذب المؤسسة القانونية وينحشر ايضا موظفو المالية. كل هؤلاء يديرون دولتنا اليوم بالتوازي، فيما انهم في واقع الامر يضغطون على دواسة الوقود حتى النهاية في ظل الغيار العادم، ويمنعون من أي كان اتخاذ أي قرار خشية أن تخرب محكمة العدل العليا، او جمعية جماهيرية تبحث عن العناوين الرئيسة، او تحقيق شرطي، او محاسب نشط جدا او مستشار قانوني متشدد جدا، كل المخططات وهي في مهدها، وربما ايضا الحياة السياسية لمن وضعها.

كل شيء يخضع لحسم المحكمة العليا

منذ قيام الدولة توجد السلطات المختلفة فيها في حركة متعارضة. الوحيدة التي تتعاظم باستمرار هي السلطة القضائية. الثورة الدستورية التي قام بها هارون باراك جعلت المحكمة العليا الهيئة الاقوى في الدولة، الكيان الذي يدير كل الامور. كل شيء قابل للحسم القضائي، كل شيء قابل لحسم المحكمة العليا، كل خطوة سلطوية يجب أن تأخذ بالحسبان "اختبار المحكمة العليا".

هذه الثورة جعلت اسرائيل دولة قانون ذاع صيتها، ولكن قوتها، مبالغتها والشهية المعافاة جدا للقضاة، جعلتها ثورة هدامة. خطوات سلطوية تتأخر لاشهر، واحيانا لسنين، انتظارا ما يخرج عن أفواه المحكمة العليا. حتى الامور غير القانونية ترفع اليها. هذه القوة مسكرة، بل ومكذبة. إذ في المعركة الحقيقية من شأن القضاة ان يخسروا. صورة الجهاز القضائي توجد في درك اسفل لم يشهد له مثيل. ثقة الجمهور تجاهها تهبط بسرعة. يبدو أنها ابتلعت اكثر مما يمكنها أن تهضمه. وخيرا يفعل قضاة محكمة العدل العليا اذا فهموا ذلك قبل فوات الاوان. مؤسستهم هامة جدا، واسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بمشاهدة انهيارها.

السلطة التشريعية بالكاد تحافظ على مكانتها. الكنيست لا تزال هي صاحبة السيادة، ولكن مكانة النائب الاسرائيلي في أسفل الدرك. اليوم متفرغ سياسي متوسط من فرع حزبي بعيد يرى نفسه فاشلا اذا لم يصل في منتصف ولايته الاولى الى مكانة نائب وزير على الاقل. نائب بسيط في الكنيست؟ هذا لم يعد مناسبا له. هذا صغير عليه. هذا غير مثير للاهتمام.

السلطة التنفيذية هي القصة البائسة حقا. في اسرائيل 2011 لا توجد سلطة تنفيذية. قدرة المنتخبين على التنفيذ تقترب من الصفر. الحكومة تضخمت، سمنت، الوزراء يحتشدون حول طاولة الحكومة الهائلة، وهم يتحركون في سيارات الاودي الفاخرة ويتمتعون بالمكاتب المعززة وبجيش من الحراس الذين لا داعي لهم. ولكن في النهاية لاصغر مرجعية في وزارة المالية توجد قوة أكبر من الوزير المتوسط في اسرائيل (يشذ في ذلك وزيرا الدفاع والمالية).

 

هذا مصيري لنا

ما العمل؟ نغير. طريقة الحكم في اسرائيل يجب ان تتغير. لا بديل آخر. هذه حاجة وجودية. هذا القصور موضوع امام بوابة نتنياهو. يمكن لهذا ان يكون اجندته. يمكنه أن يوحد معظم القوى الصهيونية السوية في الكنيست وفي الجمهور، ويسير في هذه الخطوة بكل القوة. وهذا يمنحه ولاية اخرى بل والمجد ايضا. ولكن بيبي جبان، قصير النظر، واهن. فضل القيام بمناورات سياسية عابثة، وضع خطط امنية عابثة، بناء جبال وتلال من الخطابات وعبور الولاية بسلاسة بين التحقيقات الصحفية. مستقبل دولة اسرائيل، قدرتها على الحكم، قدرتها على ادارة نفسها، وادارة خطواتها لا يبدو أنها تعنيه حقا، وكم هي خسارة.