خبر أمل معقود على ثورة مصر .. كلوفيس مقصود

الساعة 12:51 م|25 ابريل 2011

"ما دمت رئيساً للسلطة الفلسطينية لن أسمح أبداً باندلاع انتفاضة جديدة مهما كان شكلها” . وأضاف: “لن أقبل بأي فلتان أمني أو فلتان عسكري في الضفة أو غيرها من المناطق الفلسطينية، وأنا أريد أن أحافظ على حياة الفلسطينيين . أما الذين يتحدثون عن المقاومة والانتفاضات المسلحة فليفعلوا ذلك بعيداً عن الشعب الفلسطيني” .

لن نشير إلى من يذكرنا هذا الكلام، الذي صرح به أمام الصحافيين في تونس - نعم في تونس نفسها - أولى ثورات التغيير التي أسهمت تجربتها باستيلاد انتفاضات التغيير والكرامة في معظم أقطار الأمة العربية.

لا تذكرنا تصريحات الرئيس محمود عباس إلا بالذين أصابتهم لوثة الاستبداد وعبثية الانكار، ولقد شاهد العرب كيف أن هذه الثنائية تستفز كرامة الشعوب وتكون، كما في تونس ومصر، صيرورة أهداف الانتفاضات في العديد من الأقطار العربية تعبيراً عن نجاح الشعب العربي في أن يتحرر من الخوف وأن يتحدى ما هو جاثم على صدره من تراكمات التهميش والإذلال والتسلط والافقار، بعدما أدرك أن هذا الأمر لم يعد مقبولاً، ولن يبقى مستسلماً للقدر الذي فرض عليه، فالاختراق الثوري حصل بالتزام اللاعنف وسيلة أولوية . كما في الانتفاضة الأولى في فلسطين وعلى الرغم من أن اللاعنف تمارسه شرائح الربيع العربي، وهو ما أدى إلى سلامة الأهداف التي أنجزت والتي صار مطلوباً تحقيقها، إلا أن هذا لا يعني أن اعتماد اللاعنف وسيلة للثورات أو للمقاومة ينطوي على تخل عن الكفاح المسلح بعد أن تكون استنفدت كل وسائل المقاومة السلمية وإقناع المحتل أو المستبد أو الظالم بالتخلي عن استباحة الحقوق الوطنية والإنسانية.

يستتبع أن ما قاله الرئيس الفلسطيني في تونس - في تونس بالذات - مستغرب حتى لا نقول أكثر، كونه كان عليه أن يدرك أنه منذ اتفاقيات أوسلو كان ما وصف ب “المفاوضات” مجرد تمرينات عبثية كما اختبرها هو بالذات، فالتفاوض يتم عندما يكون هناك اتفاق مسبق على النتيجة لا أن تتحول “المفاوضات” إلى عملية متواصلة في التفتيش عن الحقوق، ما يفسر بأن عملية ما سمي بمسيرة السلام أدت كما هو حاصل إلى تآكل الأراضي الفلسطينية وكون أن “إسرائيل” لم تعترف يوماً أنها في فلسطين سلطة محتلة وبالتالي خاضعة لاتفاقية جنيف الرابعة وبديهي أن الدليل هو استمرار لبناء المستوطنات والادعاء بأن القدس كلها “عاصمة أزلية وأبدية” للكيان، والأنكى أن السلطة الفلسطينية لم تشترط اعتراف “إسرائيل” كونها قوة احتلال، وهذا الإهمال المتعمد أو غير الواعي لانعدام استقامة القاعدة القانونية للتفاوض يفسر التخبط الذي لا يزال سائداً في الحالة الفلسطينية .

أشير إلى هذه الاشكالية في هذه العجالة لأسباب عدة لعل أولها أن عمر سليمان مدير جهاز المخابرات المصرية السابق ذكر في استجوابه أمام النيابة أن لديه معلومات لا يمكن ذكرها أو تدوينها في التحقيقات الجارية . لم استغرب مطلقاً امتناع عمر سليمان في هذا الصدد . لماذا؟ لأن أعدل قضية استحوذت على عقول ومشاعر وهموم العرب منذ وعد بلفور في القرن الماضي، وتعامل معها مدير أجهزة مخابرات مصر التي تقيم علاقات دبلوماسية من خلال الالتزام ببنود معاهدة الصلح مع “إسرائيل” مما قيد الحراك الفلسطيني واستبعد عملياً القدرة العربية الشاملة وتمكين المقاومة من ردع التمادي “الإسرائيلي” في تمدد اغتصابها للأرض التي اعتبرها المجتمع الدولي محتلة، في حين تصرفت “إسرائيل” على أساس أن اغتصابها هو بمثابة استرجاع حقها في الملكية بمراحل . هكذا أوقعت اتفاقيات أوسلو منظمة التحرير في مصيدة خانقة، ما جعل “إسرائيل” قادرة على الإفلات من العقاب .

كان تعامل النظام المصري المطبع مع “إسرائيل” يعتبر أن ما يقوم به كخدمة للقضية الفلسطينية هو إقناع “إسرائيل” بتقليص عمليات القمع مقابل قيام قوات أمن فلسطينية بدورها الأمني في حماية أمن "إسرائيل".

***

تجيء هذه التصريحات الفلسطينية من رئيس السلطة عشية زيارة رئيس حكومة “إسرائيل” نتنياهو إلى العاصمة الأمريكية واشنطن في منتصف الشهر المقبل لإلقاء خطاب في المؤتمر السنوي لمنظمة “ايباك” الداعمة لكل أهداف “إسرائيل” . هذا يحصل كل عام لكن الأخطر أن زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب كانتور وجه مع رئيس الكونغرس دعوة لنتنياهو إلى إلقاء خطاب في جلسة استثنائية لمجلسي الشيوخ والنواب أثناء زيارته للعاصمة الأمريكية . بمعنى آخر فإن الأكثرية في الحزب الجمهوري في الكونغرس التي لا تكتفي بتأييد “إسرائيل” إنما تجعلها بمنأى عن أي معادلة أو ضغط من قبل الادارة الأمريكية في ما يختص مثلاً بالمطالبة ب “ثمن الاستيطان” وهو ما يعتبره أنصار “إسرائيل” ضغطاً غير محتمل بالنسبة ل “إسرائيل” كما أن “إسرائيل” وأمنها مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة وبالتالي محظور أي “ضغط عليها” . وكأن طلب تجميد المستوطنات يعتبر ضغطاً، في حين أن ازالة المستوطنات هو بدوره ليس ضغطاً بل امتثالاً للقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة . أجل إن هذه الدعوة في أعقاب رفض نتنياهو لطلب الرئيس أوباما تمديد تجميد الاستيطان لثلاثة أشهر جاءت لتشكل إحراجاً لأوباما، ما زاد في التوتر القائم بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو . في هذا الصدد تسوّق “إسرائيل” أن نتنياهو سيطرح رؤية “إسرائيل” لاستئناف “المفاوضات” استباقاً لما يزمع الرئيس أوباما مدعوماً من وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون إعلانه بشأن الموقف تجاه الشرق الأوسط، وهو ما عارض توقيته دينيس روس مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط . وسبب معارضة روس لخطاب يلقيه أوباما هو قناعة “إسرائيل” ومؤيديها أن أي خطاب يتعلق ب”الربيع العربي” ومسيرة السلام من شأنه استباق خطاب نتنياهو . من هنا جاءت دعوة الكونغرس ذات الأكثرية الجمهورية عملية تستهدف إحراج الرئيس الأمريكي .

إذا كانت صفاقة مؤيدي “إسرائيل” في الكونغرس وصلت إلى هذا الحد فقد صار لزاماً أن يستوعب العرب - خاصة الفلسطينيين - أنه حان الوقت لإعادة النظر بشكل جذري تجاه ما آلت إليه معاهدة الصلح مع “إسرائيل” التي أبرمتها مصر والأردن، من تداعيات وما قد ينطوي عليه ما امتنع عمر سليمان عن الكلام عنه .

هنا تكمن أهمية مراجعة قومية تقودها مصر الثورة والتي ظهرت بوادرها في تصريحات تمهيدية لوزير خارجية مصر نبيل العربي، كما تصريحات بهذا الصدد للمرشح الرئاسي عمرو موسى منذ أسبوع . هذه المراجعة مطلوبة بإلحاح لأسباب عدة في طليعتها أن “إسرائيل” تصّر على ضمان أمنها كشرط رئيس لأية “مفاوضات قادمة”، إلا أن “إسرائيل” وحدها هي المؤهلة لتعريف ما يعنيه “أمنها” خاصة أن أمنها يجيء وسط متغيرات عربية كون ما أنجزه الربيع العربي من تفكيك للقيود من شأنه أن يعيد لمصر دورها المركزي الرائد في قضايا الأمة وفي طليعتها القضية الفلسطينية، من هذا المنظور لن تتحقق آمال الأجيال الجديدة المنتفضة بكاملها إذا ظل المشروع الصهيوني يستبيح الحقوق القومية وفي طليعتها حقوق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وحق اللاجئين في العودة وتأكيد حرمة القدس كعاصمة لفلسطين العربية .

كانت مثل هذه الدعوة خروجاً عن “واقعية” مزورة سائدة في زمن مصر الثورة خاصة وفي دنيا العرب عامة . عادت فلسطين إلى كونها مسؤولية مباشرة لأمتها العربية وصار ممنوعاً أن نستسلم لمقولة إن تسعة وتسعين في المئة من أوراق الحل في يد الولايات المتحدة . هذا هو المعنى الأدق لما يتم إنجازه، وما هو متوقع في مستقبل قريب.