خبر جامعة الأزهر ومشهد يتكرر؟!

الساعة 10:27 ص|23 ابريل 2011

جامعة الأزهر ومشهد يتكرر؟!

                                                                   بقلم:الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني                                                                                          جامعة الأزهر بغزة

"متى تصبح الجامعة جامعة فتجد لهذا الداء دواء" عنوان لمقال كتبته ونشرته الصحافة الإلكترونية قبل يومين، وتحديداً يوم الثلاثاء 19/4/2011. ما كان قد دفعني لكتابة ذلك المقال هو ذاته الذي يدفعني الآن لكتابة مقال اليوم، فالداء الذي تحدثت عنه في مقال يوم الثلاثاء 19/4/2011، مستنهضاً فيه همة إدارة الجامعة علُّها تجد له الدواء، قد بات – على كارثيته –  مشهداً مألوفاً يتكرر... بل بات مشهداً – على الرغم من كارثيته المضاعفة – عادياً في كل يوم يتكرر، دون أن يؤذي تكراره المستشنع والمعيب والمستبشع أبصارنا أو أسماعنا! حقاً، إنه مشهد بشع ومعيب ذو كارثية مضاعفة: إنه كارثي لمجرد حدوثه، فكيف إذا حدث واستمرأنا حدوثه إلى أن بات في كل يوم، وعلى نحو عادي، يتكرر، دون أن يتغير فينا لون أو يتحرك فينا ساكن؟!

إنه مشهد مقزز ومسيء، منفر ومعيب، بشع ومستبشع، صادم ومستشنع... مشهد يرى فيه كل من يراه جامعةً هي ليست كأي من جامعات الأرض... جامعة فريدة في سلبياتها على نحو لا تناظرها فيه جامعة أخرى!! إنه مشهد مأساوي يتكرر، وسيظل يتكرر إن لم نتنبه إلى خطورته في ذاته، ومن ثم إلى خطورة تكراره كي نتوقف عنده، فنوقفه لننقذ الجامعة وننتشلها مما هي فيه، وإلا شهدنا كارثة، مكتملة الحلقات اسمها "موت جامعة الأزهر" وهي تدق رؤوسنا، فتبدد آمالنا وتجدد آلامنا، فتنهي آجالنا وتبعثر مآلات أبنائنا!!!

مشهد الثلاثاء الماضي الذي أثار في الأسوياء منا – وما أكثرهم وإن صمتوا صمتاً لن يطول – مشاعر الاشمئزاز والنفور والتقزز والصدمة، ها هو في اليوم التالي يتكرر... يتكرر يوم الأربعاء 20/4/2011، ولكن على نحو أكثر بشاعة وأكثر همجية، وأكثر فساداً وإفساداً، بل وأكثر خطورة، وأكثر كارثية! فبينما كنت أنوي الصعود عند الثانية عشرة من قبل ظهر الأربعاء 20/4/2011  إلى الطابق  الثالث في المبنى الغربي K3-308 حيث واحدة من محاضراتي، استوقفني أحد الأساتذة الزملاء ليبلغني – أمام زميل آخر كان برفقتي – أن الطلاب أخرجوه (أي أخرجوا الأستاذ) من قاعة كان يعد لعقد امتحان لطلبته فيها!!! هاتفت على الفور الأخ الدكتور/ أحمد التيان، رئيس مجلس نقابة العاملين الجديد المنتخب، لأبلغه بما جرى في "مبنى الكليات الأدبية"، فما كان منه إلا أن أبلغني أن الشيء ذاته قد حدث في المبنى الشرقي حيث "مبنى الإدارة ومبنى الكليات العلمية"، أي  أن الطلاب قد أخرجوا أساتذتهم من قاعات الدرس، أيضاً!!! يا للخسران، ويا للعار، ويا للكارثة!!! أيبلغ استخفاف الطلاب بأساتذتهم هذا المبلغ الذي أوصل الجهلة والمنحرفين والعابثين منهم إلى مرابطة سمجة وقحة على بوابات الممرات، بغية منع الأساتذة والطلبة، على حد سواء، من الدخول إلى قاعات الدرس؟! لقد بلغت حدة الانهيار في جامعة الأزهر هذا الحد الذي أحال المعلم الذي جعل الله مهمته قَدْح زناد الفكر وتحرير العقول أسيراً! فالأستاذ الذي جعله أمير الشعراء، أحمد شوقي، صاحب مكانة رفيعة ومرموقة، حيث أوشك على وضعه في مصاف الرسل والأنبياء، ها قد مسخه العابثون فجعلوه بجهلهم وعبثهم وفسادهم وإفسادهم عبداً وأسيراً!!!

إن ما نراه، هذه الأيام، من انقلاب سحيق في القيم عبر مشاهد متنوعة ومخزية في جامعة الأزهر، لا نملك حياله إلا أن نترحم على أمير الشعراء الذي قال:

                 قم للمعلم وفه التبجيلا                كاد المعلم أن يكون رسولا

 

غير أنه يحفزنا، في الوقت ذاته، على أن نتذكر – بكل مشاعر المفاخرة والتسامي والإعلاء – شاعرنا الفلسطيني الكبير، إبراهيم طوقان، وهو يرد على أمير الشعراء، معلقاً:

شوقي يقول وما درى بمصيبتي        قـم للمعلـم وفّــه التبجـيـلا

.....................................         ..................................

ويكـاد يقلقنـي الأّميـر بقولـه             كاد المعلـم أن يكـون رسـولا

لو جرّب التعليم شوقـي ساعـة           لقضى الحياة شقـاوة وخمـولا

....................................           .................................

لا تعجبوا إن صحتُ يوماً صيحة         ووقعت ما بيـن البنـوك قتيـلا
يا من يريد الانتحـار وجدتـه              إنَّ المعلـم لا يعيـش طـويـلا

 

إن ذلك المشهد الكارثي المتكرر في جامعتنا، دوماً، يشير بكل الوضوح إلى الفرق الشاسع بين مكانة المعلم السامية في ماضي الأيام والأعوام ومكانته المنسحقة في حاضرها. لقد عشنا زمناً كان المعلم فيه قائداً وزعيماً ورمزاً وعنواناً. أما اليوم – ومن خلال ما رأيناه في الأيام السابقة تباعاً من مشهد مخز وصادم يتكرر – فإننا لسنا إلا جامعة تصر إدارتها – بتخاذلها وانكفائها وضعفها وانهزامها وضياع هيبتها – على هدر قيمة المعلم وتحقيره (ومَرْمَطَتِه) وتسفيهه وتخريب كيانه وسحق هيبته، حتى وإن كان ذلك بفعل طلبته أو غض الطرف من جانبها حيناً مع تواطئها حيناً آخر، وإلا فما السر الكامن وراء هذا الانهيار الكبير والانحطاط السحيق والسقوط المروع؟!

ألا يجول بخاطرنا – حتى بعد كل ما ألم بنا من مآس وخسران وحسرات – أن نجد الفرق بين وعينا الفلسطيني، الوطني منه والثوري، والوعي الإسرائيلي، الرسمي فيه والشعبي، الذي يرى بأن "معلمة رياض الأطفال أفضل من قائد كتيبة عسكرية. ولأجل ذلك تنتصر الأمم، وهو ذات السبب في هزيمتها وانكسارها"؟! ألم يصل وعينا الفلسطيني – والحالة كما نرى – إلى حقيقة مفادها أن المعلم هو رجل المقاومة الأول، وأنه المقاوم الحقيقي الذي لا ينكسر ولا ينهزم فيواجه الهزيمة ويحيلها انتصاراً؟!

أما آخر الكلام، فإن حزمة من قرارات ملزمة وإجراءات محسوبة وغير مسبوقة في صرامتها وقوة حسمها لابد أن تقوى إدارة الجامعة على إصدارها وإنفاذها وحمايتها وكذلك حماية حُماتها، ومفادها:

1)    التزام غير مسبوق من حيث الدقة والصرامة بأنظمة الجامعة وقوانينها.

2)    تجريم إخراج الطلبة لزملائهم أو دعوتهم للخروج من قاعات التدريس، ذلك أن قرار المجلس الطلابي بالتعليق لا يجوز أن يتعدى الإعلان عنه بالوسائل القانونية المناسبة، والتي لا تشكل استعداء على حرية أي أحد أو جهة.

3)    تجريم أي محاولة طلابية (جماعية كانت أو فردية) لإخراج أي أستاذ أو أساتذة من قاعات التدريس عند أي تعليق طلابي.

4)    تجريم أي دعوة طلابية (جماعية كانت أو فردية) لأي أستاذ أو أساتذة للخروج من قاعة التدريس بسبب أي تعليق طلابي.

تمكين كل أستاذ من التواصل الفوري مع أمن جامعي مهني ومحايد ومسؤول حال تعرضه لأي محاولة طلابية (جماعية أو فردية) تستهدف إخراجه أو خروجه من قاعة التدريس، مع توفير كل السبل التي تيسر وصول الأمن الجامعي إلى مكان الحدث في غمضة عين