خبر خليج أوسط جديد .. يديعوت

الساعة 09:22 ص|23 ابريل 2011

خليج أوسط جديد  .. يديعوت

بقلم: الداد باك - قطر

  امتلأت قاعات الرخام الفخمة المجلوة في فندق "ريتس كاريلتون" عند ظاهر الدوحة عاصمة قطر بنشاط جاد غير عادي بالنسبة لفندق فخم اعتاد ان يستضيف احتفالات جماعية. فعشرات الدبلوماسيين الغربيين الذين يلبسون البدلات والساسة والموظفون العرب الذين يلبسون العباءات والكوفيات، ورجال الامن من كل نوع ممكن ومفوضية متواضعة نسبيا لوسائل الاعلام الدولية، اجتمعوا يوم الاربعاء الماضي في اول لقاء  لـ "مجموعة الاتصال بليبيا"، وهي جسم تم انشاؤه لتنسيق جهود الجماعة الدولية لخلع نظام القذافي وانهاء الحرب الأهلية في تلك الدولة.

 شارك في اللقاء العاجل قادة حركة التمرد الشعبي الليبي حين جاءوا مباشرة من بنغازي والى جانبهم الأمين العام للامم المتحدة وطائفة من وزراء الخارجية من دول الخليج العربي ومن الغرب، بل جاء وزير الخارجية الالماني، غيدو فسترفيلا برغم ان المانيا لا تؤيد التدخل العسكري الدولي في ليبيا.

  في مقابلتهم فضلت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون الابتعاد عن المؤتمر وان تهبط في قطر بعد ذلك بيومين فقط في نطاق دولة خاصة لها في الشرق الاوسط – وهذا شاهد آخر على سياسة الادارة الامريكية المترددة التي لم تقرر بعد ما هو موقفها من الاحداث التاريخية في ليبيا وفي سائر الدول العربية.

 بدا الجو المريح في المباحثات مقطوعا تماما عن الواقع الدامي في ليبيا بل عن التصميم اللغوي للاعلان الختامي الذي عبر عن تأييد لا لبس فيه للمعارضة وقرر ان القذافي ونظام حكمه "فقدا كل شرعية". والمشكلة ان الاعلانات التي لا لبس فيها ربما تكون كل ما تستطيع الجماعة الدولية احرازه الآن.

 "ليس واضحا على العموم هل توجد سبيل لتحقيق الالتزامات للمعارضة الليبية على نحو جدي"، قدر على مسمعي دبلوماسي غربي، "لكن كان من المهم للقطريين استضافة هذا المؤتمر. هذا كل ما يهمهم: ان يظهروا الحضور والتأثير في ظاهر الامر في الساحة الدولية. وهم مستعدون لاستضافة كل مؤتمر دولي يُمكّنهم من ان يقنعوا، وأن يقنعوا أنفسهم خاصة، بأن لهم مكانة. أما نتائج هذه المؤتمرات فأقل أهمية".

 قطر: حياة لهو ومتعة

  ليست الايرادات الضخمة وحدها من حقول الغاز والنفط هي التي مكّنت قطر من ان تصبح في غضون أقل من عشرين سنة دولة لا يمكن تجاهلها. فقد نجحت عائلة الأمير خليفة الثاني في ان تصوغ لقطر صورة ولد مدلل يركل في كل اتجاه لكن لا يمكن وقت الحاجة تدبير الامور من غيره.

 طوروا اللعبة المزدوجة لتصبح فنا. وشجع القطريون بواسطة برامج "الجزيرة" – وهي ذراع غير رسمية لوزارة الخارجية القطرية – مدة سنين انتقادا على أكثر نظم الحكم العربية، لكن عندما أُغلقت مكاتب هذه المحطة ذات الشعبية في دول عربية مختلفة، لم تتضرر لسبب ما العلاقات الطيبة بين تلك الدول وقطر. ولا يوجد للقطريين ايضا مشكلة في تشجيع التحريض على اسرائيل برغم العلاقات بين الدولتين، وتوثيق التعاون مع ايران.

  بيد ان هذا الاتصال بايران هو كما يبدو خطوة واحدة زائدة وتتعلم الادارة القطرية في هذه الايام ان هناك حدا ايضا للبهلوانية الدبلوماسية المسموح لهم بها. سوغت قطر حتى الآن توجهها المهادن نحو طهران بضرورة استراتيجية: فالدولتان تتقاسمان أحد حقول الغاز الطبيعي الكبرى في العالم تحت مياه الخليج العربي – الفارسي. وكل توتر قد يجعل ايران تخطو خطوات عسكرية تضر بقدرة قطر على استغلال حقل الغاز الضخم هذا.

 هذا هو التفسير الرسمي، لكن الحقيقة هي ان القطريين يستمتعون ببساطة باثارة غضب جارتيهم المباشرتين: السعودية والبحرين. فهم لم يلعبوا بحسب نفس قواعد سائر دول الخليج الى ان جاء الزلزال السياسي الذي أصاب البحرين قبل شهر، آنئذ دُعيت قطر الى النظام.

 إن تحدي الأكثرية الشيعية الجماعي في البحرين لسلطان العائلة المالكة، ووقوف ايران الى جانب المعارضة البحرينية، واستدعاء قوات عسكرية – سعودية في الأساس – للمساعدة على القمع العنيف للعصيان المدني والتصريحات القتالية التي جاءت من طهران قد جعلت قطر تحت أداة ضغط لم يسبق له مثيل من قبل السعودية. طُلب اليهم ان ينزلوا عن الجدار وان يقفوا الى جانب اخوتهم العرب والسنيين في مواجهة طائفية للايرانيين والشيعة – مواجهة قد تتطور في كل لحظة لتصبح حربا حقيقية.

 "كان يمكن ان نشعر فورا بنتائج الضغط السعودي وتغيير السياسة في بث "الجزيرة" بالعربية"، يقول رجل اعمال قطري. "انقطع البث من البحرين دفعة واحدة ولا يوجد اليوم تقارير من هناك تقريبا. لا يتحدثون عما يجري هناك. في مقابلة ذلك زادت على نحو كبير التقارير الصحفية عن المظاهرات على النظام السوري حليف ايران.

 "الشعور العام هو ان الادارة هنا وفي سائر دول الخليج تفضل ان تشغل نفسها بازمات بعيدة عنا – ليبيا واليمن وسوريا – لا في الارض التي تشتعل تحت أقدامهم. لا يحب القطريون اظهار الخوف نحو الخارج لكنهم يخافون الجميع. وخوفهم الرئيس اليوم هو من الايرانيين".

في اطار سياسة الكبت، يواصل القطريون ببساطة حياتهم الطيبة مع تجاهل الحريق حولهم كما فعلوا في جميع الازمات التي أصابت منطقة الخليج في الثلاثين سنة الاخيرة، فمراكز الشراء الضخمة مليئة بالزوار، والمطاعم الفاخرة في شارع "سوق الواقف" الرئيس – وهي السوق القديمة في الدوحة التي رُممت وأصبحت مركز حياة ليلية – مشحونة بطاعمين ومدخني نرجيلات. وماذا يعنيهم ان تكون الدوريات البحرية على مبعدة أقل من ساعة طيران من هنا على طول سواحل السعودية قد زيدت خوف هجوم ايراني. وماذا يعني ان تكون البحرين موجودة تحت وضع طواريء وطني. قطر تعيش في كون موازٍ.

  يصعب تصديق هذا شيئا ما، لكنه في هذه الدولة الثرية جدا، ثلاث عائلات من كل اربع تغرق في ديون باهظة. "الناس هنا يعيشون فوق قدراتهم المالية"، يقول موظف حكومي. "انهم تحت ضغط اجتماعي لاظهار الثراء، يأخذون قروضا ويشترون السيارات الأحدث والنظارات الشمسية الأغلى. لم يشعروا حتى الآن بالحاجة الى محاسبة أنفسهم أو تقديم حساب لآخرين، لكن هذا الوضع سيبدأ في التغير قريبا. فالمصارف تخطط للكف عن منح اعتماد سخي الى هذا الحد".

أخذ رجال اعمال يبلغون في الحقيقة عن تباطؤ ما لزخم البناء في الامارات. لكن يصعب على السائح الذي يأتي اتفاقا ان يصدق. وما تزال تنمو ناطحات السحاب الحديثة في المدينة في حي الاعمال في الخليج الغربي للدوحة. يوشك مشروع ترميم المدينة القديمة ان ينتهي مثل مشروع "اللؤلؤة"، وهو مجمع سكني وأعمالي فاخر بُني على ارض صناعية شمالي الدوحة، وانشاء القرية الثقافية "قطرة"، التي تشتمل على استاد ضخم ودار أوبرا ومتاحف كثيرة ومؤسسات موسيقية ومسرح.

واذا لم يكن هذا كافيا فقد بدأوا هنا الاستعداد لاستضافة كأس كرة القدم العالمي في 2022. كانت قطر أول دولة عربية تستضيف العاب كأس العالم لكرة القدم وهذا عند القطريين أعظم من كل نصر عسكري. عُلقت في كل ركن تقريبا لافتات عليها صور الأمير حمد ابن خليفة الثاني يلوح بعلم كأس العالم وكأنه قد سجل هدف الفوز هذه اللحظة في اللعبة النهائية.

 تخطط حكومة قطر لصب كميات ضخمة من المال على بناء البنية التحتية لاستضافة المونديال. بل يدور الحديث عن نقل مركز الشراء الكبير في الدولة "فيلاجيو" الذي بني مثل مدينة اوروبية تبحر في قنواتها قوارب الجندول، الى موقع آخر للتمكين من انشاء استاد مركزي. ليس عجبا ان يفضل القطريون مع خطط كهذه للمستقبل ان يدفنوا رؤوسهم في الحشائش الصناعية من نوع فاخر على النظر الى ما يحدث خارج حدود شبه جزيرتهم.