خبر لماذا يقتل بعض الحكام العرب شعوبهم؟ .. د. يوسف نور عوض

الساعة 04:17 م|21 ابريل 2011

على مدى أكثر من شهرين وكتائب القذافي تعمل أسلحتها قتلا في الشعب الليبي، دون أي تحرك دولي سواء من جانب الدول العربية أو من جانب المجتمع الدولي، وكل ما سمعناه هو تحرك من دول الاتحاد الأوروبي لتقديم معونات إنسانية للمتضررين بواسطة قوات لا تشارك في القتال وتنتظر من أجل أداء مهامها قرارا من مجلس الأمن، وحتى على المستوى الشعبي فإن أخبار التقتيل اصبحت عادية كما أصبح التعليق عليها كأنه فصول في رواية مسلية. ويذكر الكثيرون حين كنا نسمع في الماضي بعملية قتل واحدة يتزايد قلقنا وتظل المدينة - كلها - تتحدث عنها حتى يصدر الحكم بإعدام القاتل أو تجريمه وهو ما يختلف عما يحدث اليوم حيث يقتل القذافي الآلاف من أبناء شعبه ولا يحرك العالم ساكنا بل ينتظره كي يقتل المزيد دون تحرك واضح لردعه، ولا بد هنا من التوقف للتساؤل عن الأسباب التي تجعل رجالا مثله يرتكبون مثل هذه الأعمال الإجرامية دون رقيب أوحسيب؟

المعروف أن الحكام في دول العالم المتقدم يأتون وفق تفويض انتخابي لتنفيذ برنامج في إطار القانون خلال فترة زمنية محددة ينتهي بعدها التفويض ليحكتموا مرة أخرى لصناديق الاقتراع كي يتقرر أمرهم، غير أن ذلك ليس حال كثير من الحكام العرب الذين اعتادوا القفز إلى السلطة من خلال الانقلابات العسكرية، فإذا ما استتب لهم الأمر قاموا بتكوين جهاز أمن رهيب ليس لحفظ أمن المواطنين بل لحفظ أمن النظام، وهكذا يصبح الجهاز الأداة القمعية التي تجعل الحاكم أكثر شراسة في السيطرة على مقدرات البلاد، والغريب أن معظم الحكام العرب يصرون على أن بلادهم في ظل هذا الواقع تواجه ظروفا استثنائية تستوجب استمرار العمل بقانون الطوارىء المفروض وهو القانون الذي يحرم المواطنين من حقوقهم الأساسية ولا يفكر الحكام مطلقا في تغييره بكون القانون يصبح في نهاية الأمر وسيلتهم في السيطرة على شعوبهم.

وما يدعو إلى العجب أنه في الوقت الذي انطلقت فيه الانتفاضة الشعبية في بلد مثل سورية يخرج رئيسها بشار الأسد ليقول لشعبه إنه مع الإصلاح الذي يريده سريعا وليس متسرعا، وتلك عبارة خادعة مدلولها -في نهاية الأمر- ألا يتوقع الناس تغييرا أساسيا في نظام الحكم، مع تجاهل الرئيس بشكل كامل لحقيقة أن الناس لا يطلبون إصلاحا بل يطلبون تغييرا أساسيا في نظام الحكم لأن الناس لا يعرفون المبررات التي تجعل نظام حكم البعث يجثم على صدور المواطنين نحو خمسة عقود ومازال يعتقد رجاله أنه الأداة الوحيدة لحكم الشعب السوري.

في الماضي كنا نعرف أن العالم العربي كان يعيش تحت شعارات القومية التي تبناها حزب البعث وقد أوهم الأمة العربية أنه الأمين على تحقيقها، والقادر على مواجهة إسرائيل، ولكن العالم يرى الآن أن الجولان محتلة منذ أكثر من أربعين عاما ولم يطلق حزب البعث طلقة واحدة من أجل استردادها، بل أثارت الولايات المتحدة شكوكا حين قالت إنها لا تريد أن تتدخل في ليبيا حتى لا تطالب بالتدخل في سورية، ما يعني أن واشنطن راضية كل الرضا عن نظام دمشق لأسباب إستراتيجية هي الأقدر على معرفتها، ومن الغريب أنه في الوقت الذي يتصاعد فيه عدد المحتجين في سائر المدن السورية فإن الحكومة السورية تقول إن لديها ما يؤكد أن الذي يقود الاحتجاجات هم السلفيون الذين يريدون أن يقيموا إمارات إسلامية في البلاد، وهو قول يدعو إلى العجب لأنه من ناحية لا يمثل الحقيقة، وإذا مثلها وكانت هذه الجماهير العريضة تتحرك بدوافع إسلامية فليس من حق السلطة أن تحرمها مما تريده، ولكن الحقيقة هي أن الجماهير التي خرجت كان دافعها إنهاء الاستبداد وإقامة نظام جديد للحكم يعبر عن تطلعات الجماهير ورغبتها في الحياة الحرة والكريمة.

ولا يعتبر ما يجري في ليبيا وسورية استثناء إذ هو الواقع السائد في العالم العربي في صور شتى.

ولا شك أن كثيرا من الأحزاب ذات الطابع الأيديولوجي التي لم تستطع الوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع ووصلت إليها عن طريق الانقلابات العسكرية، تعيش أزمة ثقافية حقيقية لأنه أصبح من الصعب عليها أن تتعامل مع واقع سياسي جديد، ونستطيع أن نرى مثالا لذلك السودان الذي فشل في أن يقيم نظاما ديموقراطيا منذ استقلاله بكون أحزابه الديمقراطية قامت على أساس طائفي وذلك ما فتح المجال أمام سيل من الانقلابات العسكرية هي المسيطرة على الحكم منذ استقلال البلاد، وآخر هذه الانقلابات هو الذي أقام نظام الإنقاذ الذي يبرر سلطته ليس من منطلق تحقيق الآمال السياسية والاقتصادية للمواطنين، بل من خلال تعهده بإقامة نظام إسلامي في البلاد، وهو نظام لم يقم منذ أكثر من عشرين عاما حكمت فيها الإنقاذ السودان وليس هناك أمل في إقامته، كما أن المحافظة على قيم الإسلام وتعاليمه لا تشترط وجود حزب يتبنى مبادئه ويسيطر على الحكم، بكون الإسلام هو الثقافة السائدة في البلاد، وإن إقامة نظام سياسي عادي لا يعني أنه يتعارض مع المبادىء الإسلامية، فقد رأينا في معظم الدول الأوروبية نظما سياسية عالمانية وعصرية ومع ذلك رأيناها محافظة على القيم الدينية بشكل يدعو إلى الاحترام.

ومن المؤسف أن الكثيرين في العالم العربي ينظرون إلى الانتفاضات الحادثة في كل مكان من هذا العالم على أنها المفتاح الذي سيفتح باب الحرية لشعوب هذه المنطقة دون التنبه إلى أن الأزمة الحقيقية التي تواجهها شعوب المنطقة ويواجهها الزعماء هي أزمة ثقافية، إذ لا يعرف الكثيرون ما المطلوب من أجل إحداث التغيير في العالم العربي، ذلك أن التغيير لا يقتصر فقط على تغيير أنظمة الحكم بل لا بد أن يستند على رؤية سياسية متكاملة وهي رؤية غائبة في هذا العالم، في الوقت الحاضر، لأن معظم قادة العمل السياسي والثورات لا ينظرون إلى أنفسهم إلا على أنهم مشروع حكام جدد، وليس مشروع نظام جديد.

والغريب أن الكثيرين في العالم العربي يتذرعون بأن هذا العالم لا يستطيع بين عشية وضحاها أن يصبح كالعالم المتقدم ويعيش في ظل نظام ديمقراطي متكامل، بكون الأمر في نظر الكثيرين يتم بالتدريج ولا بد أن تكون دائما هناك نقطة بداية، وسيؤدي السير في الطريق السليم في نهاية الأمر إلى الوصول إلى الغاية النهائية، وذلك وهم إن لم يكن خطأ في التفكير لأن التجربة الإنسانية واحدة، وإذا كانت كثير من الدول قد سارت مئات السنين قبل أن تضع رجلها على الطريق الصحيح فلا يتحتم على سائر الأمم أن تسلك السبيل نفسه، بكون الأمم تستطيع أن تتعلم من تجارب بعضها بعضا، وإذا رأت أمما تطبق الديمقراطية في الوقت الحاضر فما عليها سوى أن تسأل نفسها عن طبيعة هذا الشيء الذي تطبقه تلك الدول، وليس ذلك صعبا لأن معظم دول العالم العربي لها تجربة في تقليد أسلوب الدول الدكتاتورية فهي لم تسلك الطريق نفسه للوصول إلى الدكتاتورية بل نقلتها مباشرة من الأنظمة الشمولية، ومع ذلك لا نزعم أن الطريق ممهد لتحقيق هذا الهدف، والدليل على ذلك ما يحدث في ليبيا واليمن وسورية، إذ الصدام لا يكون بين رؤى سياسية متعارضة بل بين مصالح وطموحات فردية تتجاوز في معظم الأحيان حدود المنطق لتصبح أغراضا شخصية، وإلا كيف نفسر مواقف العقيد القذافي وغيره من الحكام العرب في تقتيل أبناء شعبوبهم؟

وما أدعو له هو تغيير ثقافي شامل في العالم العربي، يجعل الناس يتبصرون بما هو مطلوب من أجل العيش في مجتمعات تنعم بالحرية والعدل والمساواة، ويجب بالتالي ألا يركن الناس إلى أن مجرد إسقاط أنظمة الحكم كفيل بإحداث التغيير ذلك أن ما هو مطلوب أكبر بكثير من ذلك، إذ المطلوب هو إحداث تغييرات أساسية في النظم الاجتماعية السائدة في العالم العربي، وبدون إحداث هذه التغييرات يكون من الصعب إحداث الانتقال المنشود في عملية التطوير الاجتماعي.