خبر ثورة مصر والعربدة « الإسرائيلية » .. يوسف مكي

الساعة 01:32 م|21 ابريل 2011

فاجأت ثورة مصر، الكيان الصهيوني الغاصب، كما فاجأت العالم بأسره . وقد هزته هذه المفاجأة من الأعماق، وجعلته مرتبكاً وقلقاً وحائراً . لقد تكشف عجزه وعدم قدرته على فعل أي شيء لإنقاذ نظام الرئيس مبارك، الذي تحالف ونسق معه لأكثر من ثلاثة عقود.

لقد أدرك الكيان الصهيوني مبكراً أن تأثيرات هذه الثورة، لن تكون قاسية على أي طرف أو نظام سياسي آخر، بقدر قسوتها عليه وعلى مشاريعه الاستيطانية. فقد سعى الكيان الصهيوني لما يقرب من الثلاثة عقود، لضمان الوصول إلى تسوية مع أي نظام سياسي عربي، تضمن الاعتراف بمشروعية اغتصابه لأرض فلسطين . ومن أجل ذلك خاض حروباً عديدة مع العرب. وكانت زيارة الرئيس السادات إلى القدس، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و”إسرائيل”، هي الجائزة الكبرى على طريق اعتراف النظام العربي الرسمي بالكيان، وقبوله بسياسة الأمر الواقع.

ليس ذلك فحسب، فقد حققت هذه الاتفاقية تحييد الجبهة المصرية، ومكنت "إسرائيل" من الاستفراد ببقية دول المواجهة، ومحاولة إخضاعها لسياساتها، كما مكنتها من العربدة، في عدد من البلدان العربية، التي ليست على تماس مباشر مع حدود فلسطين، شملت العراق وتونس. وأتاحت لها استباحة أول عاصمة عربية، بيروت في غزو لبنان عام 1982.

من هنا يمكننا فهم حالة الارتباك والذعر التي يمر بها الكيان الغاصب، في هذه المرحلة، خاصة بعد التظاهرات الأخيرة أمام السفارة “الإسرائيلية” بالقاهرة، المطالبة بطرد السفير “الإسرائيلي” من مصر، وإلغاء اتفاقية كامب ديفيد.

إن حالة الارتباك وفقدان التوازن التي تمر بها حكومة نتنياهو جراء التحولات السياسية الكبرى في مصر، وعدد آخر من البلدان العربية، قد جعلت هذه الحكومة تحاول تثبيت أقدامها، والتحرك سريعاً لاستكمال مشاريعها، وممارسة المزيد من الإرهاب والعنف . وهكذا شهدنا تصعيداً ملحوظاً للآلة “الإسرائيلية” الإعلامية والسياسية والحربية للممارسات الإرهابية بحق العرب والفلسطينيين .

ففي الأيام الأخيرة، نجح الضغط الصهيوني على القاضي، الجنوب إفريقي، ريتشارد غولدستون في دفعه للتراجع عن موقفه من جرائم “إسرائيل” أثناء حرب غزة في نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009 . لقد ترأس القاضي غولدستون اللجنة الدولية التي حققت في الجرائم التي ارتكبها الصهاينة، أثناء عدوانهم الوحشي على القطاع . وانتهت تحقيقات اللجنة بالتأكيد على انتهاك “إسرائيل” للقانون الدولي وارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية . وقد أشير إلى أن هذا التراجع قد جاء إثر ضغوط صهيونية مكثفة، وصلت حد منعه من حضور تعميد أبنائه في الكنيست اليهودي، وحرمانه من عقد أية لقاءات سياسية ودينية واجتماعية .

لقد جاء تراجع غولدستون في مقال نشره بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، متناقضاً مع فحوى تقريره السابق، وزعم أنه لم يتمكن من الإطلاع بشكل كاف على تفاصيل ما جرى خلال الحرب “الإسرائيلية” على القطاع . وأكد أن استهداف الجيش “الإسرائيلي” للمدنيين لم يكن مقصوداً . وذهب إلى أبعد من ذلك، فاتهم المقاومة الفلسطينية بتعمد إصابة المدنيين “الإسرائيليين”، أثناء تصديها للعدوان .

جاءت هذه الخطوة، بعد أسبوع من اجتماع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي أصدر أربعة قرارات تتصل بالصراع بين المقاومين الفلسطينيين والصهاينة، من بينها قرار يوصي بأن تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعادة النظر في تقرير غولدستون بدورتها القادمة، وإحالة التقرير إلى مجلس الأمن للنظر فيه واتخاذ الإجراء المناسب بشأنه، وأدان عدم تجاوب “إسرائيل” مع دعوات مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة بإجراء تحقيقات مستقلة مستوفية للمعايير الدولية.

ومرة أخرى، تماهت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الموقف الصهيوني، فقامت وزراة الخارجية الأمريكية، بتوزيع نسخ من مقالة غولدستون على جميع السفارات المعتمدة لديها، ضمن حملة إعلامية ودبلوماسية تستهدف المس بصدقية التقرير، والتشكيك فيه، بما يؤثر في مواقف الدول المترددة عند نقاشه في مؤسسات الأمم المتحدة والهيئات الدولية ذات الصلة . وقد شجع ذلك رئيس الحكومة “الإسرائيلية”، بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته الصهيوني المتطرف ليبرمان، على المطالبة بعدم تداول تقرير غولدستون في المؤسسات الدولية، و”إلقائه في مزبلة التاريخ” .

تزامنت الحملة الأمريكية  “الإسرائيلية” بحق تقرير غولدستون، مع تصعيد إرهابي بحق الفلسطينيين، الذين يحملون الجنسية “الإسرائيلية”، شملت التهديد بالحرمان من الجنسية عن أي فرد يناصر المقاومة الفلسطينية . وتعد هذه سابقة ليس لها ما يماثلها في أي دولة أخرى .

يأتي ذلك وسط تصعيد واسع لعمليات المحاصرة بمدن الضفة الغربية، للناشطين الفلسطينيين، ووسط جمود كامل لعملية التسوية، وعدم القبول بمعادلة الأرض مقابل السلام . ورفض للاعتراف بعروبة القدس، وبحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم .

في قطاع غزة، واصل الكيان الصهيوني اغتيال المقاومين الفلسطينيين . وقد دفع ذلك بحركات المقاومة الفلسطينية لاتخاذ قرار بكسر الهدنة التي استمرت لأكثر من عام، منذ انتهاء الحرب على غزة، في مطلع عام 2010 . لقد بدأ الفلسطينيون في التصدي للعدوان الصهيوني، ورفضوا معادلة القبول بالهدنة من جانب واحد . وإذا ما تواصلت المواجهات بين “الإسرائيليين” والفلسطينيين، في قطاع غزة، فلن يكون من المستبعد أن تقوم “إسرائيل” باجتياح جديد للقطاع .

في السودان، أعلنت الحكومة عن قيام طائرة “إسرائيلية” بقصف سيارة في مدينة بور سودان، استهدفت شخصين قيل إنهما من قادة حماس، وتم التراجع لاحقاً عن ذلك، وأشير إلى أنهما فلسطينيان يتاجران بالسلاح لمصلحة حركة حماس، لكن الحكومة السودانية نفت ذلك، وأكدت أنهما من السودان، لم تتكشف حتى هذه اللحطة أسباب استهدافهما من قبل الكيان الصهيوني . ما يهم في الخبر، ليس تفاصيل العملية ذاتها، ولكن طبيعتها، من حيث كونها استباحة واعتداءً صارخاً على سيادة بلد مستقل، وارتكاب جريمة إرهابية يعاقب عليها القانون الدولي .

بالتأكيد لم يكن قادة “إسرائيل” ليقدموا على ارتكاب هذه الجريمة البشعة، لولا قناعتهم بقدرتهم على الإفلات من العقاب، نتيجة للانحياز الفاضح والمستمر للإدارات الأمريكية المتعاقبة لهم، وحيلولتها دون تمكن مجلس الأمن الدولي، والهيئات الدولية الأخرى، من تبني أية إدانة أو عقوبة تجاه عربدتهم وجرائمهم ونهجهم الإرهابي.

لا يبدو في الأفق القريب أننا أمام حالة استرخاء وتوجه حقيقي للسلام بين الفلسطينيين والصهاينة، بل العكس هو الصحيح . إن انشغال القيادة المصرية بتبعات المرحلة الانتقالية، وتكريس جهودها للشأن الداخلي . يترافق ذلك أيضاً مع اهتمام مصري بالأمن المائي، ومحاولة إيجاد تسوية مع الحكومة الأثيوبية، لضمان أن لا يؤثر بناء السدود الجديدة في إثيوبيا على تدفق مياه النيل للأراضي المصرية . يضاف إلى ذلك ما يجري على حدود مصر الغربية، في ليبيا من صراع بين قوات العقيد وقوات الثوار، سوف يستثمره الصهاينة، لتحقيق المزيد من المكاسب، قبل أن تنقلب الطاولة بالكامل، وتنتصر مشاريع الممانعة، ويعود لمصر حضورها على الساحة العربية.

وتستغل “إسرائيل” أيضاً تطور الأحداث في سوريا، وانشغال الحكومة السورية بما يجري في درعا وعدد آخر من المدن السورية، وأيضاً انشغال النظام العربي الرسمي بما يجري في اليمن وليبيا وتونس وبلدان عربية أخرى، لتواصل نهجها التعسفي الاستيطاني، وقضم الحقوق الفلسطينية . إن ذلك يستدعي دون شك، سرعة الخروج من الواقع الراهن، وإعادة الروح للعمل العربي المشترك، لتعطيل المشاريع الاستيطانية الصهيونية، والحيلولة دون تذويب البقية الباقية من الحقوق الفلسطينية .