خبر أقدم أسير في العالم.. فلسطيني حتى النخاع

الساعة 07:48 م|18 ابريل 2011

أقدم أسير في العالم.. فلسطيني حتى النخاع

فلسطين اليوم- رام الله

في الطريق إلى قرية كوبر الفلسطينية، هواجس كثيرة عما تبقى من ذكريات في بيت الحاج صالح البرغوثي وزوجته الشاعرة "فرحة" وثلاثة أبناء سيغيب ثانيهم "نائل" منذ 34 عاما بالسجون الإسرائيلية، ولا يعود، رغم كبرهم وموتهم، ورغم زمن طويل مَر.

 

لا أحد يقطن البيت سوى أخت وحيدة هي "حنان" التي ستبدأ سيرة الغياب من عندها، حيث كان عمرها 12 عاما وقت اعتقال نائل، فتقول "كبرت وتزوجت وصار لدي أولاد ثم أحفاد ولم ينتهِ سجن نائل بعد".

 

وتروي حنان "يوم اعتقال نائل لا ينسى، 4-4-1978، اقتحم الجنود الإسرائيليون بيتنا بطريقة مخيفة، وكسروا الأبواب ولم ينتظروا أن نفتحها، خلطوا الزيت بالطحين، ضربوا الأم والأب، مزقوا كتب نائل بحقد ظاهر".

 

وعوضا عن تصميم "بوستر جديد لمناسبة اعتقاله الدائمة منذ ثلاثة عقود ونصف، قررت حنان وشقيقها عمر الذي اعتقل قبل ستة أشهر، أن يبدؤوا ببناء بيت لغائبهم "فمنذ الحديث عن صفقة تبادل الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط تصاعد الأمل" كما تقول.

 

واعتقل نائل البرغوثي، الذي بات أقدم أسير بالعالم بعد دخوله موسوعة غينيس للأرقام القياسية، وهو بعمر 19 عاما حين كان يدرس الثانوية العامة، ويدخل هذه السنة العام الـ34 بالسجون الإسرائيلية حيث أصبح الآن بعمر الـ53.

 

"وبعد 12 يوما على اختطافه" اعتقل الاحتلال شقيقه الأكبر عمر وابن عمه فخري، وحوكم ثلاثتهم بتهمة قتل ضابط إسرائيلي شمال رام الله، وحرق مصنع زيوت بالداخل المحتل عام 48، وتفجير مقهى في القدس".

 

وكان أن أفرج عن شقيقه الأكبر عمر في صفقة التبادل الشهيرة بين الجبهة الشعبية والاحتلال عام 1985، ليعاد اعتقاله ومعظم أقاربه مرارا بعد ذلك. 

 

ما بنتحول

ومن ذكريات الأخت، يوم المحاكمة صيف 1978، أن الأم حافظت على رباطة جأشها، حين صاح القاضي غاضبا لعدم استجابة الأخوين وابن عمهما لأوامره بطلب الاستعطاف والرحمة، فضرب على منضدة صائحا "نائل، عمر، فخري، مؤبد مؤبد مؤبد".

 

وقتها وقف ثلاثتهم يردون على محاكمتهم من وراء القضبان بأغنية يحفظها كل أطفال قرية كوبر "ما بنتحول ما بنتحول يا وطني المحتل... هذه طريقنا وبنتحمل يا وطني المحتل"! فتنجدهم أمهم بزغاريد ضجت بها قاعة المحكمة.

 

موت الوالدين والعُرس

وعند تنقلها من بيتها إلى بيت والدها مرورا ببيت شقيقها عمر، تتذكر حنان في حديثها للجزيرة نت، أصعب قصص الفراق "ليس موت أبي ومن بعده بعام واحد وفاة أمي... ولكن أيضا يوم عرسي قبل 26 عاما بلا أخوين بجانبي".

 

وبين وفاة الأب في أكتوبر/ تشرين الأول 2004 ووفاة الأم بنفس الشهر عام 2005 فقدان كبير لم يعرف به نائل، إلا قدرا وأثناء نقله من سجن لآخر، حين سمع أسيران يتبادلان الأخبار، ويقول أحدهما للآخر "الرجل ذو البدلة الزرقاء والعصا الذي كان يأتي للزيارة دائما... مات".

 

وإلى اليوم، يصمت عمر البرغوثي، في حديث قصير له قبل اعتقاله الأخير، عند الحديث عن أمه الحاجة فرحة، تلك التي زارته ونائل في مرة أخيرة قبل وفاتها على سرير الإسعاف ولنصف ساعة فقط في سجن عسقلان بعد منع استمر خمس سنوات.

 

ويكتب نائل عن حادثة الوداع، كيف حث أخاه عمر قبل وصولها، على التماسك "كي لا يزيدوا أوجاع أمهم المحتضرة، وكي لا يشمت السجان".

 

وتحدث عن تقبيله لها من رأسها إلى قدميها، وعن هز رأسه بالاستجابة لكل وصاياها عن "الوحدة والتماسك والأخت والبلد والأهل.." وعن "درهم الشرف الذي هو أفضل من بيت مال".

 

وقبل وفاتها وزعت الأم مصاغها الذهبي، وتركت لعروس نائل المنتظرة نصيبها، مع أغنية ظلت تهدهد بها صمتها وانتظارها، وتركتها "أمانة في عنق نساء القرية" كي تُغنى في عرسهن بكلمات:

 

في خاطري يا نائل يا دار تبنيها

وعروس إلك يمة وأنا اللي أنقيها

في خاطري يا نائل الحارة تمرقها

وعروس إلك يمة أنا اللي أزوقها. 

 

غرفته متحف

وبعد مرور 34 عاما على اعتقاله، تكتفي الأخت بانتظار نائل الذي صار في الـ53 ولكن تقول "نبني بيته ونتوقع عودته في أي يوم" بينما تتفقد غرفته التي تركها منذ اعتقاله وحولتها إلى متحف لمقتنياته وكل ما سمح بإخراجه من سجنه.

 

وعلى جدران الغرفة المتحف، رسومات لأشجار وصغار، وأشعار، وقمصان معلقة متسلسلة زمنيا لفترات سجنه، ورقم موحد عليها، هو عنوانه لدى مصلحة سجون إسرائيل.

 

وفي المتحف، لباس "برتقالي" قال لعائلته عندما أخرجه من الزيارة إنه أعز ما يملك وهو "قميص الشيخ الشهيد أحمد ياسين" مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذي التقاه أواخر الثمانينيات في زنازين سجن نفحة.

 

وفي مذكرات رجل يتمنى الأبوة ويكنى مجازا "أبو النور" ملخصات لدروس يلقيها في السجن عن "تربية الأولاد" مثلا، ويكتب في أوراق أخرى أسماء صغار الحي والأقارب، ويقول إنه يكاد يعرفهم صورة صورة.