خبر الفلسطيني « فيتوريو أريغوني » .. خيري منصور

الساعة 01:15 م|18 ابريل 2011

لم يكن الشاب الإيطالي فيتوريو أريغوني قد حزم حقيبته واتجه إلى شرقي البحر المتوسط بحثاً عن شمس أكثر دفئاً، أو ليلتقط الصور على ظهر الجمل وبين أطلال الحضارات القديمة كي يحشوها في ألبومه أو يزهو بها على أصحابه الذين اتجهوا غرباً .

جاء كآخرين من مختلف أقطار العالم تلبية لاستغاثات مبحوحة عبرت البحار وارتطمت باليابسة كي تعود إلى أصحابها، هؤلاء ليسوا طلائع مستشرقين أرسلهم أباطرة أوروبا إلى بلادنا كي يمهدوا لحملات نابليونية من طراز إدوارد لين وشاتوبريان ونيبور وآخرين، لكن السنيور أريغوني كان على موعد في غزة من طراز لم يخطر بباله ولا ببال ذويه الذين كان يشرح لهم عدالة القضية التي كرس شبابه لها ومن أجلها .

كثير منا قال لهذا الشاب الإيطالي “شكراً” سواء بالعربية أو غيرها من اللغات، وكثير أيضاً شعروا بالحرج الذي يشعرون به دائماً وكلما جاء أوربيون أو آسيويون وأفارقة ليلبوا نداء المحاصرين، لهذا فإن من اختطفوه ومن ثم قتلوه ليسوا منّا . نحن العرب الذين لم يكن ذات يوم مثل هذا السلوك من طبائعهم . ولا أظن أن من قتلوا هذا الرجل قرأوا ما كتبه روجيه غارودي في كتابه “حوار الحضارات” لأنهم لا يقرأون ولا يسمعون ولا يبصرون غير أنفسهم.

يقول غارودي إن سبب دخوله إلى الإسلام يعود إلى موقف ضابط جزائري منه عندما وقع أسيراً أثناء الحرب في الجزائر، فقد رأى هذا الضابط يقف ببسالة ويعرض نفسه للموت كي لا ينفذ حكم الإعدام بالأسرى، هذا بالرغم من أن الفتى الإيطالي لم يقع في الأسر ولم يكن ضمن حملة العدوان الإبادية التي شنتها سلطات الاحتلال على غزة . لقد جاء بمحض إرادته وبدافع من فائض إحساسه بعدالة القضية الفلسطينية وقد يشعر بعضنا أحياناً بأن أمثال هذا الرجل ينوبون عنهم، وينزفون دمهم في معركة هي في الأصل معركتنا نحن العرب، ومن قتلوا أريغوني يصفون أنفسهم في خانة حمراء واحدة مع من قتلوا راشيل كوري، وهي تذود عن جدار فلسطيني قالت إنه الأخير بالنسبة لها على الأقل .

وإذا كان المقصود بهذه الجريمة أن تتحول إلى فزاعة تحول دون وصول مثقفي العالم وناشطيه إلى فلسطين انتصاراً لها وإنصافاً لأهلها، فإن الرهان قد خسر قبل أن يبدأ، لأن مصرع راشيل كوري على ذلك النحو التراجيدي ضاعف من عدد أمثالها من شرفاء العالم، ولم تتوقف سفن المناضلين من أجل فلسطين وأساطيلهم وأسرابهم .

قبل أيام من قتل أريغوني، سال دم الفنان الفلسطيني جوليانو في جنين، وهو الذي كرس فنه وعمره لافتضاح الاحتلال وجرائمه بدءاً من عام 1948 .

والسؤال الآن هو من يقتل هؤلاء، ولمصلحة مَنْ؟ فلا الأفكار أو الأيديولوجيات أو أية فوارق أخرى بين البشر تبرر هذه الجرائم، خصوصاً إذا كان هؤلاء الأحرار قد سعوا إلى إذابة الفروق بين صرخة وأخرى، فالناس قد يغنون بلغات مختلفة كالإيطالية أو العربية أو الفرنسية، لكن ما من هوية لدموعهم أو أصوات صرخاتهم وهم يُذبحون .

الاعتذار وحده قد لا يكفي، لأن جرائم من هذا الطراز قد تنال من أمة بأسرها وأسراها معاً في التاريخ . وكما أطلق اسم راشيل كوري على شجرة باسقة في فلسطين فإن هذا الفتى الإيطالي ستكون له شهرة في ذاكرتنا الوطنية أوسع من شهرة السيارات والعجلات والحقائب وكل الصناعات في بلده، فهو دفع حياته من أجلنا . وإذا كان اختطافه وتحويله إلى رهينة بحد ذاته عملاً مضاداً لكل الأعراف الإنسانية، فإن قتله قد تجاوز ذلك .

أريغوني إيطالي بقدر ما هو عربي وفلسطيني، ودمه الذي سال على تراب غزة سيتحول أيضاً إلى شقيقة نعمان تضاف إلى الغابة الحمراء في تلك الجغرافيا الحزينة .