خبر « إسرائيل » دولة بلا حدود .. محمد خليفة

الساعة 04:42 م|17 ابريل 2011

إن سياسة وأساليب تعامل “إسرائيل” مع الدول العربية لم تتطور ولم تتبدل، بل بقيت متحورة حول القوة والعنف شأنها في ذلك شأن سياسات هرتزل، وبن غوريون، وغولدا مائير، ومناحيم بيجن، واسحق شامير، بالرغم من أن هذا الزمان بظروفه الموضوعية يختلف كل الاختلاف عن الماضي، وإن الإصرار على أن تشكل سياسة نتنياهو استمراراً لما كانت عليه هذه السياسة قبل 50 عاماً أو حتى قبل أربعة آلاف عام عندما انهارت دولة سليمان في 970 قبل الميلاد وانتهاء بألمانيا الهتلرية .

لا جدال في أن الدولة الأولى في فلسطين بدأت في عام 900 قبل الميلاد وتوارت كلياً كدولة بعد سبعين عاماً بسبب سياسة العنف والعنصرية اليهودية لتأكيد سيادة هذا الشعب على بقية الشعوب الأخرى وممارسة الغطرسة التي تدفع بالإنسان إلى تدمير ذاته، ولقد صدق ارميا حينما قال في الإصحاح الخامس من سفره “طوفوا شوارع أورشليم . . وفتشوا في ساحاتها، هل تجدون إنساناً أو يوجد عامل بالعدل، وطالب حق؟!” .

وتنطوي تصريحات الباحث “الإسرائيلي” عوديد ينون في دراسته عن استراتيجية “إسرائيل” في تعاملها مع الأقليات في منطقة الشرق الأوسط التي قدمها لوزارتي الخارجية والدفاع “الإسرائيليتين”، على دوافع سلبية النتائج وشريرة العواقب، وذلك عندما يقول ينون الذي عمل مستشاراً بوزارة الخارجية “الإسرائيلية” إن مستقبل “إسرائيل” إنما يكمن في تحويل المنطقة العربية إلى “موزاييك متنوع” من الكيانات الصغيرة والدويلات القزمية التي تقوم على أسس عرقية وطائفية ودينية ومذهبية، وتغذي النزعات الانفصالية للأقليات في البلدان العربية، باعتبار أن ذلك سيضفي على وجود “إسرائيل” كدولة دينية، شرعية سياسية وإقليمية باعتبارها كدولة يهودية قامت على أساس ديني وستكون جزءاً من منطقة مملوءة بالكيانات الدينية والدويلات الطائفية والعرقية والمذهبية .

وفي صحيفة “هآرتس” 29/3/2011 كتب الوف بن، وهو محلل سياسي، مقالاً بعنوان “خريطة المنطقة الجديدة بعد الثورات العربية”، تناول فيه مستقبل العالم العربي في ظل التغيرات الحاصلة والفكر النهضوي الذي سيصاحبه سقوط الأمم وتشكيلات من التراكيب القومية والمذهبية، إذ يقول الكاتب الوف بن “في السنوات المقبلة ستظهر على الخريطة أعلام لدول مستقلة جديدة ومتجددة مثل جنوب السودان، فلسطين، كردستان، جنوب اليمن، دولة شرق ليبيا، الصحراء الغربية، إضافة إلى انشقاق سوريا إلى دولة سنية ودولة علوية ودولة درزية، وتقسيم العراق إلى ثلاث دول كردية وسنية وشيعية في الجنوب، وإقامة دويلة للأقباط في صعيد مصر، وللبربر في شمال الجزائر” .

بهذه الانحرافات والعبارات الصريحة والواضحة التي يتحدث عنها الباحثون الاستراتيجيون “الإسرائيليون”، والتي ترتكز على ما يسمونه في علم التحليل النفسي بالتفكير الذاتي للنفسية الصهيونية التي تنبع من فكر منشغل بذاته، وغير ملتزم بغير ذاته، ومقيد بالماضي، ولا يعيش في المستقبل ولا يستفيد من الماضي، وهي عبارات تجعل الأمة العربية تعيد قراءة هذه الأفكار بعد ما تم الاتفاق على انفصال دارفور عن شمال السودان، وتمعن في التصورات الاستراتيجية “الإسرائيلية” المتمثلة في تقسيم الدول العربية .

ولاريب في أن بعض الدارسين لتاريخ اليهود يعدّون قادة “إسرائيل” الحاليين أتباعاً لمدرسة الميكابيين، الذين قاموا بثوراتهم دفاعاً عن معتقداتهم الدينية وامتداداً للمدرسة الدموية في السياسة التي أسسها يشوع بن نون، الذي لم يكن يكتفي بالانتصار على سكان فلسطين الأصليين، بل كان بعد النصر، يبيدهم طفلاً وشيخاً، رجلاً وامرأة، فضلاً عن نهب كل ما يملكون، لإيمانه بعقيدة تهيمن عليها الروح العسكرية على غريزته وعقله وضميره وانعتاقه في التمركز حول ذاته . وقد لا يعرف البعض أن قادة “إسرائيل” وزعماء الصهيونية العالمية لم يحددوا حتى الآن حدوداً لدولتهم، فحدود “إسرائيل” هي عبارة عن خطوط متحركة وفقاً لسياسة المرحلة واستراتيجياتها .

على هذه الأمة التنبه إلى خطورة ما يروجه الباحثون والدارسون والخبراء الاستراتيجيون “الإسرائيليون” من قضايا وتصورات في النظرية والتطبيق سياسة ومنهجاً بعد أن نجحوا في جعل الصهيونية الإطار العملي الوحيد للقومية اليهودية ودليلها في الاستراتيجيات والتكتيك معاً، وذلك عندما حدد ديفيد بن غوريون المؤسس الفعلي ل”إسرائيل” هوية الصهيوني بقوله إن الصهيوني هو كل يهودي يسارع بالعودة إلى صهيون مضحياً بكل شيء في سبيل ذلك ومؤثراً الحياة في “إسرائيل” على كل حياة في أي بلد آخر غير “إسرائيل” . ويرى بن غوريون أيضاً أنه لا الدين ولا اللغة العبرية هما اللذان يحددان هوية الصهيوني، إنما هو ايمان الفرد اليهودي بأن خلاصه في عودته إلى صهيون، حيث أقام سليمان هيكله .

هذا هو منبع ديناميكية الحركة الصهيونية، ولن تتم عودة الصهاينة إلا بعد تفتيت الدول العربية وتكوين دويلات مستقلة وكيانات على أسس عرقية، بما يخدم المصلحة “الإسرائيلية” ويعززها، ويسهل تهجير اليهود إلى فلسطين المحتلة .