خبر هل يستعد الصهاينة لحرب واسعة على غزة ؟ماهر رجا

الساعة 03:21 م|15 ابريل 2011

هل يستعد الصهاينة لحرب واسعة على غزة ؟ماهر رجا

 

يستعدون ولكن بخطوات هادئة..

ذلك ما يمكن أن تعكسه الصورة على حدود قطاع غزة وفي أجواء التطورات المرافقة مع مؤشرات تصبح أكثر وضوحاً في أفق الواقع الميداني والسياسي بمرور الوقت، وتتردد تفاعلاتها دون ضجيج كبير في الأوساط الرسمية الصهيونية السياسية والعسكرية.

ومع أن قادة الكيان الصهيوني يحاولون أحياناً أن يسلكوا سياسة غموض في إشاراتهم إلى الخيارات القادمة في مواجهة القطاع،  ويحرصون كما يبدو على  براعة التمويه في اختيار الكلمات ، فإن المؤسستين العسكرية والسياسية في الكيان الصهيوني لم تتوقفا خلال عامين عن تقييم وضع القطاع العسكري والأمني واختبار سيناريوهات وتدابير اليوم التالي، وسط تهديدات لم تنقطع بحرب جديدة ضد القطاع (دون تحديد مداها).

حرب مستمرة

يجدر أن نتذكر هنا أن ما انتهى إليه الصهاينة بعد توقف العمليات العسكرية لحرب مطلع العام 2009 يشير إلى استراتيجية إسرائيلية لـ"حرب مستمرة" على القطاع. وعلى الرغم من اعتبارهم أن تلك الحرب حققت أهدافها المباشرة في ما أسمته بتحقيق أو استعادة قوة الردع، فإن التقدير العسكري الصهيوني الاستراتيجي اعتبر حملة " رصاص مصبوب" مرحلة انعطاف أساس في "احتواء" خطر القطاع ومقاومته منذ ما بعد الانسحاب الصهيوني عام 2005، وليس تدبيراً نهائياً.. بالمعنى الفعلي لم تكن الحرب قد انتهت ، ومن السذاجة اعتقاد ذلك، فبعد وقف النار مباشرة قالت وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة تسيبي لفني إن جيشها سيعود إلى القطاع في أية لحظة وإن الحرب متواصلة وإن توقفت بصورتها الراهنة.

وهكذا  فإن التهديدات الصهيونية بحرب على القطاع لم تنقطع خلال العام 2010 وتزايدت على نحو دراماتيكي في الأشهر الأخيرة، وشارك فيها تقريباً كل الطيف السياسي والعسكري في الكيان الصهيوني، تهديدات بدأت مع نتنياهو منذ بداية عهد حكومته وتصريحات متعددة لوزير الحرب ايهود بارك وتحذيرات استخبارية وتقارير تحليل استراتيجي تؤكد تنامي قوة المقاومة في القطاع وكفاءة صواريخها ، وتصريحات متكررة أخرى تشير إلى تآكل نتائج "رصاص مصبوب" وتدعو الجيش للاستعداد  لخوض حرب يمكن أن تقع  في أي وقت.

وبإجمال المشهد، ما هو أساسي في  الحسابات الصهيونية التي ترى أهمية القيام بعملية عسكرية ضد قطاع غزة عاملان:

الأول، ما تؤكده التقارير الصهيونية  الاستراتيجية عن تلاشي "إنجازات" الحرب السابقة.

والثاني فشل كل محاولات تركيع القطاع أو عزله سياسياً وميدانياً أو دفعه إلى خيارات سياسية وميدانية بعينها.

تجديد "الرصاص المصهور"

حين تسلمت حكومة نتنياهو مقاليد رئاسة الوزراء، طلب نتنياهو من وزارة الحرب تقديراً لواقع المواجهة مع قطاع غزة على المستويات كافة، وتعريف ما يمكن أن يكون قد طرأ من تحولات بعد حرب "رصاص مصبوب". وكما بينت المواقف الصهيونية في حينه فإن نتنياهو واجه تقارير تؤكد أن التقديرات الصهيونية لمرحلة وغنائم ما بعد الحرب كان مبالغاً فيها، وإن لم تستنفد كل توقعاتها بعد.

في تلك المرحلة بدأت – كما تؤكد مصادر صهيونية -عملية وضع تصورات جدية  لاحتمالات الحرب القادمة والسيناريو المتوقع ومراحل الاستعداد التي يمكنها أن تجعل الأمر حرباً حاسمة. وعلى مر الشهور الماضية، كانت الإشارات الصادرة عن الكيان الصهيوني تلمح إلى أن قيادة الجيش باتت تملك بالفعل تصوراً تنفيذياً لطبيعة المواجهة القادمة. وحسب تقارير صحفية إسرائيلية منها تقرير لهآرتس فإن مناسبات وأحداث كثيرة مرت كان يمكن أن تكون ساعة صفر مناسبة لحملة جديدة على القطاع.

 إلا أن حسابات  أخرى لم تكن تتقاطع مع ذلك، فالصهاينة كانت لديهم بقية أمل تعول على قدرة الحصار على حسم  المعركة، كما لم تكن الأجواء السياسية مواتية في الغالب خاصة وأن ارتدادات أخبار الجرائم الصهيونية في غزة على صورة إسرائيل في العالم والمحافل الدولية كانت لا تزال تلقي بآثارها الكابحة على القرارات العسكرية المحتملة للكيان الصهيوني.. وبكلمة اخرى لم تكن الأجواء مناسبة إقليميا ودولياً.

لكن يبدو ان هذه المعطيات تتغير الآن باتجاه ترجيح كفة العملية العسكرية الصهيونية لأسباب متعددة: فالحصار لا يؤدي نتيجة جذرية على الرغم من كل آثاره النافرة، والصمود الفلسطيني مستمر ولم ينقلب "حكم حماس" كما توقعت أوساط صهيونية وأميركية وفلسطينية في رام  الله، بل إن ثورة مصر وانهيار نظام مبارك أحدث واقعاً جديداً ، هذا فضلاً عن أن التقارير الصهيونية تؤكد نمواً مضطرداً في كفاءة المقاومة وقوتها وتنامي قدرتها التسليحية الصاروخية كماً ونوعاً، ثم إن الأسابيع الأخيرة شهدت تصعيداً في عمليات قصف المستوطنات الجنوبية فضلاً عن وقائع الاشتباكات المتكررة بين الجيش الصهيوني ومقاتلي المقاومة الفلسطينية، ويتحدث الإسرائيليون في رسائل تنقل إلى واشنطن عن نمو شأن ما يسمونها بالجماعات السلفية المقاتلة تحت ظل حماس في القطاع، كما يؤرق الصهاينة فشل كل محاولاتهم لاسترجاع الجندي الأسير جلعاد شاليت بما في ذلك إخفاقهم في فرض صفقة تبادل بشروط إسرائيلية.

حسابات تتغير

في هذه الظلال، يتركز الجدل في التجمع الصهيوني على قطاع غزة إلى جانب حديث العملية السياسية ومظاهر إخفاقها.. وبين الإخفاقين لا يستبعد مراقبون أن يتخذ نتنياهو في المرحلة القادمة قرارا مغامرا بعملية عسكرية ضد غزة.

ويعزز هذا الاحتمال تنامي الاحتجاج داخل التجمع الصهيوني كما في المؤسسة العسكرية حيال الاكتفاء بسياسات رد الفعل الإسرائيلي العنيف على عمليات المقاومة الفلسطينية، فالتصور السائد في هذا السياق يرى ان هذه السياسة لا تجدي نفعاً ولا بد من تغيير كبير في "قواعد اللعبة" والواقع القائم بشكل شامل في مواجهة القطاع.

ترجيح هذا الاحتمال، بالأسباب السياسية،  قد يعود أيضاً إلى موقف حكومة نتنياهو في العملية السياسية والجدل بشأن المفاوضات المباشرة، وليس مستبعداً أن يفكر نتنياهو  بخلط الأوراق عبر عملية عسكرية ضد القطاع وهو يشعر – وسط عطالته السياسية الآن- أن منافسيه التقليديين في كاديما والعمل فيما يسمى بالوسط واليسار قد يكسبون نقاطاً عليه بطرح توجه سياسي بديل وقادر على التأثير في المواطن الصهيوني، توجهٌ كان من مظاهره مؤخراً ما أسميت "المبادرة الإسرائيلية للسلام" التي تحاول أن تقارب المبادرة العربية من منظور إسرائيلي يوحي بتنازلات لكنها غير حقيقية في الجوهر.

على أن الترجمة الأشد وضوحاً لاحتمال التصعيد العسكري الصهيوني ضد غزة هي مظاهر التطورات الميدانية على الأرض، فالجيش الصهيوني قام مؤخراً بإجراءات عسكرية ذات دلالة، فأحدث مناقلات هامة في صفوف قواته وتوضعها، ونفذ مناورات جديدة للقبة الحديدية على "غلاف غزة" بعد أن أنجز نشر بعض بطارياتها، ويستعد لمناورات أخرى لما تسمى الجبهة الداخلية.

 كل هذه مؤشرات لا ينبغي التقليل من شأنها، فبعد أكثر من عامين على الحرب الصهيونية ضد قطاع، يبدو أن تلك الحرب لم تنته وإنما عبرت جولة من جولاتها فقط.. ومهما يكن حجم وطبيعة الجولة القادمة فإنها قد لا  تكون بعيدة عن خط الأفق.