خبر بعد خراب غزة.. خيري منصور

الساعة 10:54 ص|14 ابريل 2011

المثل العراقي الشهير والقائل بعد خراب البصرة، قد لا يعرف الناس الذين يرددونه متى قيل لأول مرة، لكنهم يعرفون عدد المرات التي استخدموه فيها والتي لم يكن آخرها احتلال العراق وإناطة هذا الاحتلال ببريطانيا التي رأى فيها الأمريكيون الأكثر خبرة في العراق، رغم أن موروث ثورة العشرين التي كانت أدواتها الهراوات وأدوات الحراثة والحصاد لا يعتبر ساراً “لأبي ناجي” وهو الاسم الذي أطلقه العراقيون على الجندي الإنجليزي لعدة عقود .

الآن، وبعد فوات الأوان على الأقل بما يخص الجامعة العربية، يأتي النداء بصوت بدأ هامساً من أجل مطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بحظر جوي في سماء غزة، تلك السماء التي خلت منذ زمن من الطيور، لأن غربان الفولاذ لو استطاعت لطردت الغيوم أيضاً فوق غزة، كي يكتمل الحصار من جهة خامسة.

أين كانت الجامعة وغيرها عندما كانت غزة مستباحة براً وبحراً وجواً، و”الأباتشي” كما “الفانتوم” تصول وتجول في فضاءاتها، تقصف الأطفال في مهودهم ولا تسلم من قذائفها حتى المقابر وعربات الإسعاف والمستشفيات؟

إن كان المقصود بهذا النداء الذي جاء بأثر رجعي، البحث عن توازن ما في هذه اللحظة العربية الحرجة، فإن غزة وأهلها لن يقولوا لأولي الأمر “عفا الله عما سلف”، لأن الله سبحانه وتعالى لن يعفو عمن أغمضوا عيونهم وصموا آذانهم عن استغاثات ذويهم وهم يذبحون بالسكاكين الباردة . ما فوتته الجامعة على نفسها ودورها أكثر من ذلك وقد لا تتحمل هي وأمينها العام الوزر كله، لأنها تعرضت عدة مرات لإبطال مفاعيلها وتحويلها إلى متحف سياسي، تنوب فيه الطقوس البروتوكولية والدبلوماسية عن تماثيل الشمع كما هو الحال في المتحف البريطاني .

نعرف أن هناك من يقول إن الله لا يكلف العباد ومنهم الجامة العربية ما لا يطيقون، لكن مجرد المناداة بفرض حظر جوي في سماء غزة لم يكن لحظة العدوان الهمجي أكثر من محاولة لتغيير المنكر باللسان وهو المرحلة الوسطى بين أقوى الإيمان وهو الفعل وأضعفه وهو بالقلب والصمت.

يأتي هذا النداء من الجامعة في وقت يكثر فيه الحديث عن حملة عسكرية وشيكة على القطاع، وهي حملة كما يحدد جابوتنسكي أهدافها إبادية، بحيث تقضي نهائياً على الفصائل الفلسطينية والناس كلهم .

بالطبع لن يغيب عن ذاكرتنا ما يمكن أن يحول دون إصدار قرار من هذا المستوى، مادام “الفيتو” جاهزاً ولا يحتاج إلى أكثر من التسخين بعد إخراجه من الثلاجة الأمريكية في مايكرويف البنتاغون أو الخارجية المعسكرة .

إذن يأتي هذا النداء بعد خراب غزة إذا استعرنا المثل العراقي المترع بالشجن، لقد كانت المطالبة عربياً ودولياً بفرض حظر جوي على سماء غزة وحتى في برها وبحرها أمراً لا يقبل التأجيل في لحظة الانتهاك السافر .

فلماذا كان الصمت هو البديل لتلك المطالبة وكانت عبارات الأسى والإدانات التي لا تترجل من مكبرات الصوت إلى الأرض ولا تقبل الترجمة الميدانية هي كل ما جاء به ذوو القربى؟

أما المفارقة فإن هذا النداء يأتي متزامناً مع وداع الأمين العام للجامعة، وفي فترة اختلط حابلها الجوي بنابلها البري أو البرمائي، واختلطت الأوراق بحيث لم يعد العربي يدري عم يتحدث هؤلاء؟ وعن أي احتلال أو غزو أو مقاومة، فما جرى في واقعنا العربي منذ احتلال العراق للكويت هو تعويم المصطلحات، وقبل ذلك كانت كلمة الاحتلال تكفي وحدها ليعرف الناس أن المقصود فلسطين وكذلك كلمة التحرير .

إن من تحركوا بعد خراب البصرة هم أنفسهم الذين يتململون الآن بعد خراب غزة .