خبر مسؤولية السوريين.. اليوم وغداً.. علي عقلة عرسان

الساعة 01:23 م|08 ابريل 2011

مسؤولية السوريين.. اليوم وغداً.. علي عقلة عرسان

 

إن صوت الاحتجاج التي علا في سورية، وتردد صداه في الأرجاء، والتوجه الجاد نحو القيام بإصلاحات سياسية وإدارية تجلى بعضها في مراسيم وإجراءات وتشكيل لجان ووعود تنتظر التنفيذ.. مازلا في حلبة صراع.. والمواقف المتعارضة بل المتضادة، من الأحداث الجارية وخلالها، بين "المؤيدين والمعارضين"، ما زالت في خضم الصخب الذي يثير الانفعالات ويشوش العقول وقد ينحرف بالتحرك والفعل عن المجرى الصحيح الذي تتطلبه معالجة الأوضاع وحل المشكلات بمسؤولية.. على الرغم من الدم الذي أريق، والأرواح البريئة التي أزهقت. ومما يدعو للأسى والأسف أن الأداء المرتجى في الاتجاهين لا يرتفع إلى مستوى الوعي الأعمق والأشمل، ولا يرتقي بالمسؤولية الوطنية العليا إلى الدرجة اللائقة بها، حيث تكون مصلحة الشعب وإرادته وحقيقة أنه مصدر السلطات، هي العليا، وحيث توضع مصالح الوطن وقوته وحمايته واستقراره فوق كل الاعتبارات، وفي المكانة المعيارية الحاكمة، أخلاقياً واجتماعياً وقانونياً وإنسانياً، لكل قرار وإرادة وسلوك وتصرف وقول، وحيث المواطن سيد كريم حر ومسؤول في وطن لا يحرره ولا يبنيه إلا أحرار. ذلك لأنه إذا كان الهدف الأسمى لمن في موقع القرار، ولمن يتطلع إلى ذلك الموقع ليؤدي باقتدار، حسب زعمه، أو لمن يطالب الأطراف كلها بأداء أفضل، هو الدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه وحرياته، وعن الدولة والقوانين والمؤسسات، وعن مصالح الشعب والوطن.. فإن الغلو الفج أو الحذر الزائد عن الحد الذي يبدو في مواقف وأقوال تصدر عن أشخاص في هذا الموقع أو ذاك، وتنزلق إلى ممارسات وأفعال ضارة ومنذرة بأضرار ومخاطر أشد، لا يعبر عن التزام مسؤول بالقيم والمصالح التي يفرضها الانتماء والوعي، ولا عن حرص وتبصر بالنتائج وبعد نظر كافيين، في وقت وظرف ومحيط ينذر بالكثير من شرور الفوضى وتربص الأعداء، ويساهم في خلق مناخ قد يُستعدى فيه الخارج على الداخل، ولا يرتقي بالمواقف والآراء والأفكار إلى مستوى يجعل الحقيقة والبحث عنها ونصرتها ونشدانها في المكانة العليا التي ينشدها السجال، ومصلحة الشعب والوطن فوق الأفراد والنزوات والمطالب والمكاسب والمراكز وحب الظهور والعنتريات والاعتبارات الأخرى التي يتردد صدى حضورها، بل طغيان ذلك الحضور، في وسائل الإعلام والفضائيات المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ومن ثم تترجم في الشارع بأشكال متعددة.

لقد وقفنا في الأيام الماضية على إسفاف وتشويه وتشهير وتهويش من جهة، وعلى تبرير ساذج، تُشتمُّ منه رائحة الكذب والمراوغة، لأفعال مدانة وأوضاع موجودة من جهة أخرى، كما وقفنا على غوغائية مفرطة في الابتذال، تقابلها عشوائية كلامية وشعاراتية تستهين بالوقائع والعقل وأهداف السجال.. وكل هذا الذي سمعناه وشهدناه، وما قد نسمعه ونشهده، من أقوال وأفعال وتحريض وتجييش وتهويش وممارسات لا تتسم بالمسؤولية، يصب في شعاب الأنفس ويحتقن داخلها، ويؤجج نارها وقد يحرق ما يحرقه فيها، ويترك آثاره هناك تتفاعل وتفعل فعلها على المدى البعيد.. إنه لا يصب في فضاء آخر بعيد عن الناس لا يؤثر فيهم ولا يعنيهم في شيء، بل هو يمس صميم تكوينهم ووجودهم، ومن ثم يترجم إلى فعل ورد فعل في حياتهم، ينعكسان عليها وعلى علاقاتهم بعضهم ببعض، وعلى الشعب والوطن، سلباً وإيجاباً.. ولا يتوقف تأثيرهما عند حد اللحظة، بل يختَزن في الذاكرة الفردية والجمعية، ويتفاعل في الداخل وينمو، وينتج ما تنتجه الضغائن من عداوات وكوارث وحروب أو يؤسس لذلك كله.. ومن يقرأ ما جرى ويجري من حولنا يتعظ، والسعيد من اتعظ بغيره.

 بين أبناء وطننا من لا يريد أن يرى الشمس وهي في كبد السماء، وبينهم من يريد أن يحجبها عن النظر بغربال، وموقف هذا وذاك لا يستقيم ولا يقنع، ومصلحة الوطن تقتضي وجود من يرى بدقة، ويحكم بموضوعية، ويحسِن التقويم بخبرة، ويتخذ مواقف موضوعية صادقة وقوية تساهم في وضع حد للشطط من أي جهة جاء، وتساعد صاحب القرار على الوصول إلى ما ينفع الناس ويعود على الوطن والأمة بالخير، ويعمل على أن يتجنب المواطن والوطن كل الأضرار والمخاطر التي يمكن تجنبها، ويصل بالناس إلى الهدف المبتغى من دون خسائر، أو بأدناها على الأقل.

هناك قضايا ومطالب ووقائع يتساجل حولها نفر منا على مسمع ومرأى من العالم أجمع، وهم يتموضعون في شبه خندقين أو متراسين متشددين، وتأخذ الحمية كل فريق منهما أخذاً شديداً، فيرشق الآخر بسهامه، من دون مراعاة للوقائع ولما ينبغي أن يكون، مما يذكرنا بأننا سنبقى أخوة في وطن واحد يتبدى الحرص عليه من خلال حرص كل منا على الآخر، وأن من حق كل منا أن يقول ما يشاء بحرية مسؤولة، تحت سقف الوطن وموجبات الانتماء.. ومن أجل هذا لا بد أن نأخذ بأصول السجال، ولا أقول الحوار هنا لأنه مفقود، لكي نصل إلى نتائج ترضي الله والناس والذات، وتخدم الحقيقة والوطن، وتقدم للناس صورة حقيقية عنا في سورية مهد الحضارات.. وأسوق هنا بعض القضايا مدار السجال، لأشير إلى بعض ما يمكن أن يرعى من معطيات ووقائع تساهم في تفاهم وتفهم وتقارب في الرؤية توصلنا إلى تحقيق المطلوب من دون تعصب وعصابية تلحقان بالرأي الخطل، وبنا وبالوطن الضرر .. والأمثلة على ما أشير إليه من قضايا ومطالب ومعطيات هي موضوع السجال، طاغية وحادة ومثيرة وتتفجر بالعداء إلى الحد الذي تستشعر معه أن الوطن مستهدَف من أعدائه بواسطة بعض أبنائه، الحسن النية منهم والمشدود إلى حسن النية بطيبته أو بخيط ما يربطه، ومن يسلك منهم مسالك يراها خيرة وسليمة وقد تقود إلى غير ذلك.. بحسن نية أيضاً.. وقد قيل إن جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة.. والأوطان قد تكون ضحية الحريصين عليها إذا لم يحسنوا التفكير والتقدير والتدبير، ولم يراعوا حقيقة أنهم في خدمتها، وبعض أبنائها، وعابرون في تاريخها، ومؤتمنون على قضاياها ومصيرها وأرواح أبنائها ومصالحهم وحقوقهم وحرياتهم وسمعتهم، حين يتسنمون هم مسؤوليات فيها أو يتصدون للدفاع عن حقوق ويرفعون مطالب.. وأن عليهم أن يتذكروا أنهم شركاء في خلق المناخ السلبي والإيجابي الذي يحيط بالشعب والوطن، وأن عليهم أن يراعوا الظروف المحيطة والمناخ الدولي الذي يساهم في تشكيل تلك الظروف التي تؤسس لاندفاع الطامعين والأعداء في دروب التدمير والعدوان.. ومن أمثلتنا الحية والآنية على ذلك ليبيا التي تحرقها نار الداخل والخارج، ويقتل أبناؤها بعضهم بعضاً، ويستعدي بعضهم الخارج على الداخل، وكل منهم يدعي الحرص على الحق والحرية والشعب ووحدة الأرض ومصالح البلد وثرواته..إلخ وهو يدمر ويحرق ويقتل ويطغى؟!

ومن الأمثلة التي أرى أن السجال حولها ينبغي أن يأخذ بالاعتبار حقائق ووقائع ومعطيات عند الخوض في الحديث عنها، ليكون منصفاً ودقيقاً ومقرباً لوجهات النظر، وقريباً من الغاية والهدف، وبعيداً عن التشنج والاستفزاز:

ـ  مجرى الحوادث المؤسفة والمؤلمة التي حدثت في مدن وبلدات وقرى في بعض المحافظات، حيث يجري تعتيم من جانب، وتضخيم من جانب آخر.. أما الإنكار التام الذي قال به بعض أولي الرأي فما كان ينبغي أن يحدث مطلقاً.

ـ المرسوم التشريعي رقم 51 الذي نص على إعلان حالة الطوارئ في سورية، فقد صدر بتاريخ 22/12/1962 كان قد ألغى في المادة 12 منه قانون حالة الطوارئ رقم 162 الصادر في 27/9/1958 وحل محله بنصوص وإضافات وتعديلات، وهو مرسوم فرض في عهد الوحدة، والمرسوم الجديد صدر قبل أن يتولى حزب البعث السلطة في سورية عام 1963.. ومن المعروف أننا كنا نعيش "حالة طوارئ " شبه مستمرة في عهد الانقلابات التي بدأت مع حسني الزعيم عام 1949. وإذا كانت الأوضاع في السنوات الأولى من ثورة آذار، وفي أثناء حربي حزيران 1967 وتشرين 1973 وبعض الأزمات الكبيرة والحروب القصيرة التي مرت بعد ذلك، تستدعي وجود حالة طوارئ من نوع ما ومحددة بزمن معين، فما كان يجوز أن يستمر ذلك القانون/ العبء، كل هذه السنين ووفق ذلك النص، لا سيما في ظل الاستقرار الذي عشناه ونتغنى به. وليس من المصلحة أن يتحمل الوطن والمواطن وزر الذين مارسوا في ظل ذلك القانون ممارسات مسيئة.. وكان من الواجب اتخاذ كل ما يلزم لمعالجة هذا الوضع منذ سنوات، تطبيقاً للمبادئ التي يرفعها الحزب.

ولا أظن أن ربط إلغاء قانون الطوارئ بسن قانون تحت عنوان" محاربة الإرهاب" ينسجم مع التوجهات المبدئية التي أعلنتها سورية بوجه إسرائيل والإدارة الأميركية اللتين طالبتاها بمكافحة الإرهاب، وهما تقصدان المقاومة وتتمان الإسلام بالإرهاب، حيث كان رد سورية الثابت ولدائم، أننا نفرق تفريقاً جوهرياً بين الإرهاب والمقاومة، فندي الإرهاب وندعم المقاومة، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وطالبت الأمم المتحدة بعقد مؤتمر دولي لتحديد مفهوم الإرهاب الذي يختلف عن مفهوم المقاومة.. ولم يُستجب لذلك الطلب حتى الآن. وسوف يفسَّر وضع قانون تحت اسم مكافحة الإرهاب أو محاربته، على أنه استجابة مجانية لمطالب أميركية ـ إسرائيلية سبق أن رُفضت بقوة. وكان وما زال على كل من المعارضين والمؤيدين أخذ هذا بمجمله بعين الاعتبار عند تناول موضوع حالة الطوارئ.

ـ أما ما يتعلق بالإصلاحات الأخرى المطلوبة مثل قانون الأحزاب، وقانون الإعلام، وقانون الضمان الصحي، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، ومكافحة الفساد والمفسدين، وحل مشكلة المتضررين من إحصاء عام 1962 في محافظة الحسكة ومعالجة المشكلات الأخرى في تلك المحافظة..إلخ فقد اتخذ المؤتمر القطري العاشر 2005 قرارات صريحة وملزمة بشأنها، ولكن تلك القرارات لم تصبح قوانين دولة نافذة.. وبدأ العمل على إصدارها أو التوجه نحو إصدارها الآن في ظل الأزمة التي تمر فيها سورية، وفي أجواء مشحونة بالكثير مما لا يريح.. ولا نعرف الأسباب التي كانت وراء عدم تنفيذ قرارات كانت قد أُشبعت بحثاً قبل عام 2005 داخل أطر قيادية متعددة، ثم صدرت بعد ذلك ولم تأخذها طريقها الرسمي للتنفيذ؟! لكن نعرف أن ذلك أدى عملياً إلى حرمان الحزب من إنجازات كان قد استشعر ضرورة القيام بها، وتوجه نحوها بوصفها من صميم خياراته، فضلاً عن كونها مطالب شعبية مشروعة لا يجوز التغاضي عنها، ليأتي تطبقها اليوم تحت ضغط الأزمة، وبعد إراقة دم، وتسجل في صفحة الاستجابة القسرية لضغط الاحتجاجات التي ظهرت في مدن وبلدات سورية عديدة، وليست إرادة سياسية سابقة تحسست حاجات وضرورات شعبية ملحة.

إن هذه الوقائع ينبغي أن تفرض نفسها على الطرفين في سياق السجال والتحرك والاستجابة والمطالبة، على حد سواء، بوصفها حقائق ووقائع لا يجوز القفز فوقها، ومن حق الجمهور أن يعرفها من جوانبها المتعددة.. فمن يطالب بها عليه أن يذكر ويتذكر أنها مطالب أعلن عن التوجه نحوها من قبل بوصفها حاجات وضرورات شعبية معنوية ومدية، لكنها لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ ومن الواجب أن تنفذ.. ومن يساجل بشأنها مدافعاً، عليه أن يواجه نفسه بالحقيقة ويسائل غيره من المسؤولين عن عدم تنفيذ مطالب وضرورات شعبية محقة غدت إرادة سياسية، وتأخر تنفيذها لأسباب غير معروفة، وربما غير مفهومة. 

   ما من شك في أن هناك سجالاً معلقاً حول قضايا لم تحسم بعد، منها مطلب فئة بتعديل الدستور أو تعديل مادة أو أكثر فيه، ومنها مطالب فئات أو أقليات، تعد الاستجابة لها خطوة في مشروعها الذي لا يحفظ وحدة الوطن.. كما هو معلن من بعض أطراف فيها على الأقل.. وهذا النوع من القضايا والأمور العويصة، أو الشائكة إن شئت، يحتاج أكثر من سواه إلى حوار هادئ، في مناخ بعيد عن التعصب والعصابية والاستفزاز والاتهام، لكي يصل كل فريق إلى لباب فكر الآخر وحقائق توجهه، ومن ثم يصل الجميع إلى حلول مرضية تكون في صالح الوطن والشعب والاستقرار والازدهار، وتقوية الجبهة الداخلية التي يحتاج إليها وطن محتلة بعض أرضه، ومستهدف من أعدائه، ويحمل تطلعات أمة وطموحاتها..

ولا بد أن يتحمل كل منا مسؤولية في السجال والتصرف تنم عن مكانة سورية ومستواها الحضاري من جهة، وعما تؤدي إليه المواقف والكلمات من نتائج، وما تجر إليه من أفعال وتكاليف مادية ومعنوية، لا سيما حين يتعلق الأمر بحياة البشر وحرياتهم وحقوقهم، وبمصير الوطن والشعب.. فتلك مسؤولية كل السوريين الشرفاء اليوم وغداً.

دمشق في 8/4/2011