خبر أبو سيسي واللسعة الاردنية..إسرائيل اليوم

الساعة 08:23 ص|08 ابريل 2011

بقلم: يهودا سافرا

ما تزال قضية أبو سيسي تخفي غطاءً من السرية عما حدث هناك في الحقيقة. بحسب لائحة الاتهام كان مهندس الكهرباء الذي تم اعتقاله رئيس مشروع سلاح صاروخي بل نجح بقدر محدود في أن يدفع الى الأمام صناعة السلاح عند حماس بضع خطوات. بحسب لائحة الاتهام، أبو سيسي مسؤول عن ضحايا اسرائيليين كثير. يحاكَم عن هذا الامر ولائحة الاتهام عليه مفصلة جدا. لكن ما يزال يوجد تعتيم على طريقة اعتقاله وجلبه الى البلاد من اوكرانيا. بيد أن أنباءً منشورة في الخارج تكشف عن معلومات جديدة في هذا الشأن. من جملة ما كُشف النقاب عنه المساعدة على الاختطاف التي ربما قدمها "جهاز الامن العام" الاردني. ويتبين الى ذلك بحسب مصادر اجنبية ان اجهزة أمن اوكرانيا ايضا شاركت في عملية اعتقال أبو سيسي.

        خرج أبو سيسي من بيته في غزة في مطلع شباط وسافر الى القاهرة. وأقلع من هناك الى كييف عاصمة اوكرانيا. غير ان الطائرة هبطت هبوطا بينيا في عمان. وعندما هبطت الطائرة هناك، وفي حين كان الركاب يجلسون في الطائرة ينتظرون صعود ركاب آخرين في عمان، صعد الى الطائرة عاملون في جهاز الامن الاردني.

        تنقل هؤلاء بين مقاعد الطائرة وأنزلوا منها أبو سيسي، وأقلعت الطائرة فورا بعد ذلك من غيره.

        تزعم المصادر الاجنبية أن أبو سيسي بقي في عمان بأمر من اجهزة الامن الاردنية مدة ستة ايام كاملة. في هذه الايام نام في بيت لأبيه ومثل كل يوم في تحقيق في مكاتب جهاز الامن العام الاردني. طال كل تحقيق عدة ساعات، وطال أحدها عشر ساعات.

        تزعم عدة أنباء منشورة اجنبية أن التأخير في الاردن منح الموساد الاسرائيلي الزمن المطلوب للاعداد لاختطافه داخل اوكرانيا. عندما هبط أبو سيسي هناك كانت قاعدة اعتقاله جاهزة. وهكذا فان اجهزة الامن الاردنية قد ساعدت في واقع الأمر على عملية الاعتقال.

        اسرائيل تعتقل أبو سيسي منذ أكثر من شهر ونصف وهو يواجه لائحة اتهام فيها تسع مواد و18 شاهدا. إن أبو سيسي الذي أصبح اسمه سخرية بين السكان الاسرائيليين بعيد من ان يكون جبانا كما يوحي اسمه. فبحسب لائحة الاتهام التي أُجيز نشرها فانه صديق لمسؤولين كبار في حماس ويُعد ارهابيا من الطراز الاول. أو اذا شئتم فانه الوريث الميداني لـ "المهندس" يحيى عياش.

        تلقى الاعداد الذي جعله شخصا رئيسا في الذراع العسكرية لحماس في التسعينيات في اوكرانيا. أجرى أبو سيسي استكمالا تعليميا في جامعة في مدينة خاركوف عند مختص بأجهزة سيطرة على صواريخ سكاد، البروفيسور قسطنطين بتروفيتش. كان هذا الأخير مرشد أبو سيسي عندما عمل في اعداد الدكتوراة. وعلى نحو شاذ اهتم بتروفيتش الذي حاضر ايضا في الاكاديمية العسكرية للهندسة في خاركوف، باجازة دخول صديقه الغزي للمؤسسة الحساسة.

        استغل أبو سيسي حتى النهاية الباب السحري الذي فُتح له. كانت تذكرة الدخول بالنسبة اليه قفزة علمته عن مجالات جديدة كثيرة منها مجال اجهزة السيطرة على الصواريخ وتحريكها واقامتها – وهذه هي المعلومات المطلوبة لكل مطور صواريخ كي يظل الصاروخ بعد اطلاقه تحت السيطرة ويصيب بالضبط النقطة التي أُطلق نحوها.

        سبح مع التيار

        في ذلك الوقت كله الذي مكث فيه أبو سيسي داخل الاكاديمية العسكرية، رعته سلطات اوكرانيا تهديدا. لم يعجبها قربه الذي حظي به من المعلومات العسكرية، لكنه لم يتم شيء قليل لما يجري من قبل الشقيق الأكبر. عاد الطالب المجتهد في النهاية الى غزة محتضنا زوجته، وهي مواطنة اوكرانية تسمى فيرونيكا.

        كان يستطيع أن يجيب بسذاجة على كل من يسأله عن مهنته بأنه "مهندس كهرباء"، لكنه بحسب لائحة الاتهام كان هذا هو الجزء المكشوف من حياته فقط. بدأ أبو سيسي يثير انتباه الاستخبارات الاسرائيلية في مطلع الألفية الجديدة عندما تحول من دكتور في هندسة الكهرباء الى مسؤول عن تطوير الصواريخ التي تهدد سكان الجنوب. لم يعتقد أحد زمنا طويلا انه يقف شخص كهذا من وراء تطويرات حماس المتقدمة.

        "القسام" و"ياسين" و"أبو راسين"، و"البتّار" و"البنا" – كانت هذه هي منتجات الصواريخ المسؤول عنها أبو سيسي. جندته عناصر في المنظمة لاحظت في المسؤول الكبير في شركة الكهرباء في غزة الطاقة الكامنة الفتاكة. أصبحت لقاءات سرية في مساجد خالية، ومهاتفات سرية ولقاءات قصيرة في شقق سرية من نظام حياته المعتاد بعد ان ضاقت حماس ذرعا باطلاق قذائف صاروخية طارت بصعوبة كبيرة حتى بُعد أقل من 6 كيلومترات.

        في سنة 2002، بعد لقاء مع مسؤول حماس الكبير نزار الريان، وافق أبو سيسي على بدء طريقه في المنظمة الارهابية. زعم في البداية انه لا يجوز له بسبب عمله في شركة الكهرباء أن ينتمي الى منظمة ما، لكن جرى في نهاية الامر اقناعه بتقديم خدمات خاصة لحماس خارج ساعات العمل. وفي غضون زمن قصير، وفي سلسلة لقاءات سرية في مسجد الخلفاء في جباليا، عرف اعضاء في الذراع العسكرية للمنظمة وعمل خبيرا بزيادة مدى الصواريخ التي أُطلقت على اسرائيل.

        فعل أبو سيسي ذلك بنجاح جزئي، لكنه حظي بتقدير كبير بسبب العلم الكبير الذي جمعه في اوكرانيا. بل انه سافر الى خاركوف أكثر من مرة خلال السنين الاخيرة. عرف أبو سيسي كيف يصلح أعطالا وأنتج بالتدريج صواريخ تجاوزت حد ستة الكيلومترات. في البداية زاد المدى الى 9 – 15 كم، وفي النهاية الى 22 كم ايضا.

        محاولة بلوغ المركز

        بحسب النشرات الصحفية، فشل أبو سيسي في محاولة الوصول الى مدى كان سيُعرض للخطر جزءا كبيرا جدا من السكان في اسرائيل (37 – 45 كم)، لكنه طور في مقابلة ذلك صاروخا قادرا على اختراق دروع. هنا ايضا فشلت المحاولات الاولى، لكن بعد جهود أنتج أبو سيسي "أبو راسين" الذي اخترق بنجاح مركبة مدرعة للجيش الاسرائيلي.

        لم يُكمل مهمة انتاج صاروخ توربيد مضاد لقطع بحرية، قبل الرحلة الاخيرة التي خرج فيها. لم يعلم انه يوجد بين المحيطين به أناس يبدو انه وثق بهم – لكنهم سينتظرونه بعد ذلك اليوم في قائمة شهود الدعوى القضائية.

        عرفوا في اسرائيل حبه لاوكرانيا، وعندما خرج الى اوكرانيا في شباط الاخير، كما تكشف نشرات اجنبية، شاركت قوات الامن الاسرائيلية نظيرتها في الاردن وفي اوكرانيا لاحتجاز خبير الكهرباء "الساذج".

        في 19 شباط هذا العام، كما تزعم مصادر في الخارج، سافر أبو سيسي الى كييف، في قطار خرج من خاركوف، المدينة التي يسكنها البروفيسور بيتروفيتش، وهو اذا شئتم الأب الفني للكهربائي من غزة. مسافة السفر نحو من 500 كم.

        كان يفترض ان يلتقي أبو سيسي في عاصمة اوكرانيا واحدا من اخوته لم يره منذ سنين. لكنه في الوقت الذي تخيل فيه اللقاء العائلي مع الأخ الذي كان يفترض أن يأتي من هولندا، دخل المقطورة فجأة ثلاثة اشخاص مجهولين اثنان منهم يرتدون الزي العسكري الاوكراني، وأمروه بأن يعرض جواز سفره. رفض أبو سيسي بحسب المصادر الاجنبية طلب من يقفون أمامه، وبعد جدل وصراع جسماني أُخذ جواز السفر منه بالقوة.

        تابع القطار رحلته الى كييف، والثلاثة ملاصقون لأبو سيسي، وعندما وقف القطار في محطة بولتافا، وهي مدينة في شرقي اوكرانيا كانت تقع فيها المحطة التالية، أُنزل الى الرصيف حيث كُبل بقيود وغُطي رأسه وأُدخل بالقوة في سيارة نقلته الى شقة سرية في كييف. كانت هذه هي المرحلة التي انشقت فيها الارض وابتلعت أبو سيسي، على نحو رسمي.

        في تلك المرحلة ايضا أدركت عائلة أبو سيسي انه حتى السلطة الفلسطينية لن تساعدها. تم التوجه الى المفوضية الفلسطينية في اوكرانيا حقا، لكنها رفضت المساعدة بضغط من السلطات الاوكرانية. ويبدو ان مزاعم العائلة ان ضرار العزيز لا ينتمي الى هذه المنظمة أو تلك، باءت بالفشل. كذلك أنكرته حماس نفسها. في اثناء ذلك نُقل أبو سيسي الى الموساد الاسرائيلي.

        قاد أفراد الموساد، بحسب مصادر اجنبية، أبو سيسي الى مطار صغير حيث انتظرتهم طائرة ربما تكون طائرة مديرين جيء بها خاصة لهذه الغاية وأقلعت فورا مع وصول المجموعة، وبعد رحلة طيران لاربع ساعات الى خمس هبطت الطائرة هبوطا مرحليا قصيرا ثم هبطت بعد ذلك في اسرائيل. مع وصوله الى البلاد مُنع النشر الصحفي عن مكان وجوده في حين كان يخضع في مقابلة ذلك لتحقيق مكثف.

        اغتيالات في دبي وقصف في السودان

        إن الأنباء التي تظهر من آن لآخر عن اغتيالات في عواصم دول اسلامية، من دمشق الى دبي والى طهران، والقصف في اماكن نائية توجه بين الفينة والاخرى حزم الضوء نحو الحرب السرية لجهود التسلح من قبل ارهاب حماس.

        إن القصف الذي وقع هذا الاسبوع لمنطقة نائية في السودان، التي وجهت حكومتها اصبع الاتهام الى اسرائيل، كان حدثا شاذا يكشف فجأة عن الحرب التي لا تنقطع. كشفت شبكة تلفاز "العربية" أن الذي تم اغتياله في القصف كان عبد اللطيف الاشقر، وريث محمود المبحوح الذي اغتيل في دبي التي وجهت هي ايضا اصبع الاتهام الى اسرائيل بل نشرت صورا لمن كانوا في زعمها عملاء "الموساد" المسؤولين عن ذلك.

        زعم السودانيون أن طائرات اسرائيلية أقلعت من جهة البحر حددت موقع سيارة من طراز يونداي سوناتا، ضمن قافلة من أقل من اربع سيارات، وجعلتها هيكلا محروقا.

        زعمت أنباء منشورة في الماضي أن أحد دروس حماس من عملية "الرصاص المصبوب" كان انهم يحتاجون الى صواريخ ذات مدى أبعد – أي تبلغ مركز الدولة – وذات قدرة أكبر بأضعاف على التدمير. أي سلاح طاقة ضرره استراتيجية. وايران هي مزودتهم الطبيعية بالسلاح.

        بقيت المشكلة كيف تُنقل الصواريخ من ايران الى القطاع. يحاول الايرانيون جميع السبل الممكنة مثل: سفن ترسو قبالة الساحل في غزة وترسل شحنات الى الشاطيء في براميل مغلقة، وسفن ترسو في ميناء مصري وتهريب الصواريخ عن طريق سيناء، وسفن تحط حمولتها في السودان – وهي دولة ليس التفتيش فيها كثيرا بحيث لا يمكن الالتفاف عليه – ومن هناك في قوافل الى سيناء والى الأنفاق المجاورة لرفح. وهو مسار يُذكر في أكثره بما يقوم به مهاجرو العمل الذين يأتون الى اسرائيل عن طريق سيناء.

        الكلمة المفتاحية هي المعلومات الاستخبارية. فمن اجل أن يُكشف في أي غرفة يوجد هدف الاغتيال وفي أي فندق وفي أي دولة، يُحتاج الى عمل استخباري عميق، كذاك الذي يُحتاج اليه ايضا لاغتيال شخص يسافر في الظلام في صحراء في جهة نائية. ولن نتحدث عن معرفة في أي سيارة هو بالضبط. وبحسب مجلة "تايم" كان الاغتيال الدقيق ممكنا بفضل جهاز ارسال الكتروني أُدخل في ارسالية السلاح.

        هذه هي المرة الثانية في السنتين الاخيرتين التي زُعم فيها ان اسرائيل تقف من وراء قصف ارسالية سلاح في الصحراء السودانية. اذا كانت اسرائيل حقا هي التي تقف من وراء القصف، فانه يمكن أن نتحدث عن نضال شامل للعالم كله تقريبا لمواجهة تسلح حماس.