خبر مرايا عبد الله الشاعر .. معركة المخيم.. دمٌ يهزم السيف

الساعة 10:42 ص|07 ابريل 2011

مرايا عبد الله الشاعر .. معركة المخيم.. دمٌ يهزم السيف

من قال إن معركة المخيم لم تكن نطفة الرفض التي تشكلت في ضمير الأمة ووعيها؟! من قال إن مخيم جنين لم يرسم بأضلاعه المكسّرة خريطة الزحف الآتي؟!

كل الدماء النازفة.. كل الأرواح التي مضت إلى حتفها باسمه.. كل العذابات، وكل الانتصارات التي تفتّحت عليها عيون أمة طال بها السبات كانت كفيلة باسترداد الوعي واستعادة الثقة التي تآكلت بفعل الهزائم العسكرية التي ألحقتها النخب السياسية بالشعوب...

بوعي أو بغير وعي، كانت ملحمة المخيم تفتح بوابات النهار على مصاريعها لتستشرف الأمة مستقبلا يمكن لها أن تصنعه إن هي أرادت أن تتخلص من منظومة خوف ومنصّات رعب زرعها الساسة المهزومون في عقول الجماهير وقلوبٍ ظلت على مدار عقود أشد فتكاً من ترسانة "إسرائيل" وحربها النفسية التي تحاول التستر على حقيقة كونها أوهن من بيت العنكبوت.

اليوم، وبعد قرابة عقد من الزمن تستلهم الشعوب العربية جانبا من تجربة المخيم لتؤكد إمكانية انتصار الدم على السيف وقدرة الشعوب على كسر أغلالها، والصراخ في وجوه الطغاة بكل المفردات الرافضة.

لقد استطاعت أضلاع المخيم أن توقف عجلة الانهيار، وتفتح في جدار الموت نافذة تُطل على الحياة.

كانت دماء القائد محمود طوالبة وإخوانه المقاتلين تؤسس للأمة مشروعها النهضوي القادم، وها هو ذا يتحول اليوم من وعي إلى ممارسة، ومن نظريات مثالية إلى واقع عملي يبهر الأبصار وتُحار معه العقول...

تتهاوى نظريات الاستبداد التي شُيّدت على مدى أربعة عقود ويزيد.. تتساقط أصنام لم يخطر ببال أحد أنها ستسقط، ولطالما حاولت أجهزة القمع أن تنفث في روحنا أن هذه العروش دونها القيامة!!

اليوم تؤتي دماء المخيم أُكلها، وتكون بطولات جنين في عتمة اليأس العربي بدراً من رجاء.. شعلة انتصار تضيئها الشعوب في انتفاضاتها الباسلة.. في تلك البطولة تقدمت أرتال العدو صوب المخيم.. حشدوا لتلك المعركة أمهر الجنود وأفتك السلاح وأكثر القادة سوءاً وبطشاً..

جاءوا المخيم من فوقه ومن تحته ومن أسفل منه، وتبدّى الحقد الصهيوني بكل ملامحه، لكن الفرسان ظلوا على عهودهم، فلا دويّ الطائرات غطّى على بسالتهم، ولا قصف المدافع أسكت صوتهم.. وفي ذروة الالتحام وحملة (السور الواقي) كما سمّاها شارون وزبانيته كانت جنين تحطم هذا السور وتنقل المعركة إلى حيث ظنّ الطغاة أنهم في مأمن..

تقدم الشهيد الرسالي راغب جرادات نحو حيفا ثائراً أشلاءه هناك، ومحدثا في أجهزة الأمن الصهيونية صدمة قاتلة، وفي أرواح الجنود ازهاقاً.. وفي أجسادهم عبرة للذين ظنوا أن الشعوب يمكن قهرها إلى الأبد.

تهدّم المخيم على رؤوس ساكنيه، فحطّم "راغب" نظرية الأمن على رؤوس أصحابها وهزّ شباك العدو بأكثر من أربعين قتيلا وجريحا.. تماماً مثلما كانت جدران المخيم تهتز تحت وابل القصف والدمار لتصعد ارواح الناس إلى حيث أراد المخيم أن يرتحل.

في شهر نيسان من كل عام ينهض المخيم من تحت الدمار.. ينفض الغبار السياسي الذي تراكم فوق القضية، ويهز جدار الوعي الذي أريد له أن يكون مزيفا وعبثا وهونا...

بعد تسع سنوات من معركة المخيم وما شكّلته من مبادئ وقيم في الوعي يحق لفرسان تلك المعركة أن يظلوا أنموذجا للثورة ضد الظلم ورمزا للمقاومة في زمن لا بد للكف أن تنتصر فيه على المخرز، ولا بدّ للدم أن يهزم السيف.