خبر حرب (الأنصاف) في هذيان الطرح.. وفضيحة العُري ..د. بسام رجا

الساعة 08:26 ص|07 ابريل 2011

حرب (الأنصاف) في هذيان الطرح.. وفضيحة العُري ..د. بسام رجا

في قصيدة له، يقول الناقد والشاعر المسرحي  الألماني الشهير برتولد بريخت:

جالسا في مقدمة القارب/

بينما تلاحظ تسرب الماء في الناحية الأخرى/

من الأفضل لك ألا  تدير بصرك بعيداً/

يا صديقي/ فلست بعيداً عن بصر الموت/

 

بكلمات عميقة الدلالات يشير بريخت إلى أولئك الذين لا يصغون إلى صوت الحقيقية، ويكابرون في ارتفاع مهاترات التنظير، ويقذفون بمطولات البطولة الجوفاء العارية من شمس النهار، التي تكشف عتم أفكارهم العرجاء.

 لم يذهب بريخت في تشخيصه كثيراً، إنما ترك العنان لمخيلة القارئ، فمقدمة القارب هنا تخبرنا عن أولئك المتنطحون في مشاهد الثرثرة اليومية، الذين لا يشبعهم علك الكلام وتجميل صورة الرديء.

ولعل حال مشهدنا اليومي يطابق الكثير مما قاله برتولد بريخت، فهناك من يروّج للغة تصالح مع العدو،ويتغزل بعشيقة ستهبط عليه، بينما الحال  يقول إننا نغرق في كارثية لا مثيل لها في التاريخ، حيث بيننا "أولئك " ممن يتصدرون الصحف والشاشات ويزورون التاريخ والذاكرة، ويتفننون بصياغة جمل البلاغة المقيتة، لأنها تصدر عن أنصاف أو أرباع مثقفين، ليقدحوا بالمقاومة وفكرها.. ويتطاولوا على رموزها، ويشككوا بالقيم، وهم جزء لا ينفصل عن قارب هالك.. ويعرفون أنهم مجرد أدوات تستخدم متى يشاء صاحبها، ويرميها عندما تنتهي لعبة الوقت.

لا نتحدث هنا عن طلاسم ولا أحجيات، إنما عن نفر يقدم نفسه اليوم بأنه الحريص على الأوطان.. ولا هوية هنا لتلك الأفكار سوى أنها تأخذ جرار مائها من مستنقع تفوح منه رائحة الطعن بكل ما هو  وطني وشريف.. وكأن أولئك قد عادوا من عصور طروادة الحصار، بسهام مشحوذة بسم أميركي وصهيوني.. وهنا نسمع من نفر  الصلح ذاته مع الكيان الصهيوني، أن المفاوضات أقصر الطرق لإنهاء الصراع، ويهودية الدولة ليست مشكلة! وعلينا ألا نكابر، فالكيان هو المنتصر، والمقاومات مجرد أوراق في أيد نظم عربية وإقليمية.. هكذا ببساطة يفلسفون الأمور.

وحين تواجههم بأنفسهم وبأطروحاتهم، تراهم وكأنهم شربوا -حليب سباع- فيثورون ويصرخون على الفضائيات التي تستضيفهم، والملاحَظ أن معظم أولئك يشبهون بعضهم. ففي حين تسمع "صحافياً" يهاجم المقاومة الإسلامية في لبنان، ستجد أنه يشبه آخر يهاجم المقاومة الفلسطينية، فوحدة الكلام تكاد تكون متماهية إلى حد كبير، وهم يدركون أن القارب المثقوب سينال منهم قبل غيرهم، ومهما غيروا من جلودهم فإن واقع الحال سيقول لهم إنكم في وسط دائرة الحرائق، ولسنا هنا في مجال ذكر الأسماء،فأسماؤهم ليست مهمة، حتى لا نُتَّهم بالتجريح الشخصي، وتُرفع علينا سيوف الثأر.. يثأرون لأنفسهم، ولا يرون الحالة التي وصلت إليها الأمة من المهانة! .

يحق لهم أن يجولوا ويصولوا بالطول والعرض، وعندما تواجههم يصبحون "فرساناً"، مع اعتذاري من الفرسان.. أما قضايانا التي تباع في بزار الكلام، والتنظير في قراءة أفكار العدو فهي وجهة نظر، فبيع الأوطان وجهة نظر، والتحالف مع القتلة وجهة نظر، واستباحة دم الأطفال وجهة نظر، وكم هي كثيرة وجهات النظر في هذا الوطن العربي الكبير.

إنهم لا يجلسون في القارب فقط، بل يفعلون كل شيء كي يزداد نزيف القارب.. يفعلون أي شيء كي يغرسوا سكاكينهم المسمومة في صفحة الصبح، وفي ذاكرة الشهداء، فهم يخلعون عن أنفسهم أرديتهم،ويظهرون على حقيقتهم عراة من أوطانهم.. ومتاجرون بالكلمة والرأي.. وهمهم أن يزيدوا ثقوب القارب، لكن نخبرهم وبهدوء الكلمة، أن قاربهم غير قاربنا، وصبحنا غير صبحهم.. وليكتبوا ما شاءوا، وليقولوا ما أرادوا، أو كما أُريد  لهم ولأسيادهم.

وأختم بمقطع آخر من قصيدة للشاعر الكبير بريخت، علَّ الذاكرة المثقوبة تقرأ ما هو إنساني وعميق وخالد ومستمر، مهما كثرت طحالب الوقت:

 

أيعني ذلك إذن أن نستقر راضين/ ونقول هذا هو الحال وهكذا لابد أن يكون دوماً/ ونرفس الكأس الطافحة من أجل التي أفرغت/ لأننا سمعنا أن العطش أفضل/ أيعني ذلك أن نظل هنا نرتجف/ لأن غير المدعوين لا يسمح لهم بالدخول/ وننتظر بينما من يقرر في القمة/ ما يسمح به من آلام ومباهج/ نعتقد أن الأفضل أن نهب غاضبين/ وألا نمضي أبداً دون أدنى متعة/ ونصد من يجلبون الألم والجوع/ ونصلح العالم لنحيا فيه على راحتنا.