خبر جنين رافعة الصمود والانتصار بقلم: هيثم أبو الغزلان *

الساعة 12:45 م|05 ابريل 2011

جنين رافعة الصمود والانتصار بقلم: هيثم أبو الغزلان *

ملحمة جنين التي خاض فيها المجاهدون معركة الكرامة بكل ما حملت من دلالات انتصارِ وحدةِ السلاح الفلسطيني في مواجهة الغزو الصهيوني، تسطرت فيها يعبد والقسام واختزلت كل معاني الصراع الكبير، رافعة الشعار: إنه جهاد نصر أو استشهاد.كان المخيم، وكان فيه محمود طوالبة، والشيخ رياض بدير، وأبو جندل، وكانت فيه سرايا القدس، والأقصى، والقسام. كانوا جميعاً وما يزالون، بالدماء كتبوا وصاياهم، وبالجهاد سطروا سجلاتهم لتكون كتباً يقرؤها الصغار قبل الكبار، يتعلمون منها أن المستحيل المستحيل، أن يفكر الشعب الفلسطيني بالتنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين كل فلسطين.

كان الخيار أن نموت واقفين ولا نركع، كان الموت ـ استشهاداً ـ خيار الملتصقين بعقيدتهم، المؤمنين بحقوقهم، وكان الخيار... لن يمروا إلا على أجسادنا.. فكانت ملحمة السرايا، ملحمة طوالبة والقابضون على سلاحهم كالقابض على جمر.من هنا أقول لقد خاض ويخوض الكيان الصهيوني حرباً ضارية ضد الشعب الفلسطيني، إلا أنه لم يستطع كسر إرادة الصمود أو التحدي لديه بل انتقل مقاومو الشعب الفلسطيني إلى مرحلة جهادية أكثر شدة.

وقد شكل صمود المجاهدين في مخيم جنين علامة فارقة في مرحلة  الجهاد والمقاومة التي ينتهجها الشعب الفلسطيني وقواه المجاهدة. وما حصل في غزة من صمود رائع وإفشال لأهداف العدو إلا استمرار واقعي للمنهج الذي اختطه الشهداء الأبرار..

فعلى الرغم من هول المجازر البشعة التي نفذها جنود الإحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني في جنين ونابلس وبيت لحم ورام الله، إلا أن هذا العدو لم يستطع وقف الهجمات الإستشهادية والعمليات النوعية في عمق كيانه سواء في حيفا أو في القدس أو غزة والضفة.وككل محتل غاصب، يعيش على دماء الأبرياء، ويصنع من مجازره جسرا للعبور إلى نصر موهوم.

 نفذ جيش الإحتلال مجازر عديدة في مخيم جنين شكلت عنواناً جديداً إضافياً على بربريته ولا إنسانية ولكن هذا الإجرام لم يفلح في كسر إرادة الشعب المقاوم بل إن جيش العدو، حشر في جنين في زاوية حجمه الطبيعي، وتحطمت أسطورة جيشه الذي لا يقهر، فقد تجندل جنود العدو صرعى بكمائن المجاهدين ورصاصاتهم القليلة فأصبح مخيم جنين أسطورة المقاومة، ولعنة ستطارد المحتلين حتى يرحلوا عن أرضنا.  

لا يزال الكمين الذي نصبه المجاهدون في مخيم جنين لجنود الاحتلال في نيسان 2002 مثار جدل واسع في صفوف   كيان الاحتلال، وقد أدى الكمين يومها إلى مقتل (13) جندياً بحسب اعتراف الاحتلال نفسه.وقد كتبت مراسلة صحيفة معاريف الصهيونية إيتان رابين تقريراً حول هذا الموضوع (26/8/2002)، استعرضت فيه العملية ـ بحسب وجهة نظر جيش الاحتلال ـ ، ونقلت رابين خلاصة تحقيقين أجريا من قبل قيادة سلاح الميدان وعائلات الجنود القتلى، ومفاده أن الجيش «لم يضع في خدمة الـ 15 جندياً الذين سقطوا في العملية بجنين معدات قتالية في منطقة مبنية ولم يتم تزويدهم بسترات واقية، وكان سلاحهم الشخصي (M 16) لا يناسب القتال في منطقة مبنية.وتستمر في رواية الموضوع فتقول «..خلال حركة الجنود الذين وصلوا إلى الساحة وإلى محيط المنازل، كانت الساحة، بسبب انخفاضها الطوبغرافي قد سميت «الحمام» وتحولت إلى فخ موت عندما فتح (المخربون) الذين كانوا أعلاها النار على الجنود، وفي هذه العيارات النارية قتل ثلاثة جنود وأصيب عدد آخر بجروح.

 حاول جنود السريّة إخلاء الجرحى... ونتيجة لذلك أصيب كل الجنود الذين كانوا في الساحة».ويضيف التقرير: «خلال إخلاء الجرحى وصل ضابط ومعه جنديان إلى المنزل المطل على منطقة الحادث، من أجل التمركز في الموقع، حينها انفجرت عبوة ناسفة كانت مزروعة في المنزل أدت إلى مقتل الضابط وإصابة الجنديين.. وتمكن «المخربون» من جر ثلاث جثث للجنود إلى الطابق الثالث في منزل مجاور».ويضيف التقرير نقلاً عن التحقيق «أن قائد كتيبة المشاة حذر في لقاء من كمين، مثلما حدث لجنوده في عدة حالات سابقة.. وبعد أربع ساعات من ذلك التحذير دخلت القوة إلى الكمين نفسه الذي حذر منه العميد أوفيك بوخريس».

وهاتان الروايتان تخالفان بشكل كبير الرواية التي قدمها المجاهدون الذين نجوا من مذبحة جنين، فيقول الدكتور رمضان بعد الله شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي حول هذا الكمين في لقاء صحفي:«المعلومات التي وصلتنا من بعض المجاهدين الناجين من مجزرة جنين تقول ان ما حدث كان مكمناً مدبراً بإحكام من قبل المجاهدين. فعندما بدأ الجيش الإسرائيلي يحقق اختراقات داخل المخيم ويقترب من إحدى النقاط التي يتمترس فيها المجاهدون بقيادة الشهيد محمود طوالبة قرر الشباب التوقف عن إطلاق النار وطلبوا من النساء أن تخرج من البيوت وتقول للجيش الإسرائيلي أن الشباب نفدت ذخيرتهم وغادروا المكان. وكان هنا اتفاق مع إحدى النساء أن تعطي إشارة للشباب إذا وصل الجيش للمكان المفخخ المزروعة فيه العبوات.

 وفعلاً عندما وصل الجيش إلى مكان المصيدة أعطت المرأة إشارة إلى الشباب فقاموا بتفجير العبوات فقتل على الفور 8 جنود إسرائيليين، وعندما تقدم جنود آخرون فتح الشباب نيران أسلحتهم الرشاشة عليهم فقتل خمسة آخرون وكانت الحصيلة الفورية مقتل 13 جندياً وإصابة بضع عشرات آخرين وارتفع عدد القتلى في اليوم التالي إلى 15...

 يقول أحد المجاهدين الناجين من المعركة إن الجنود الصهاينة أصيبوا بحالة هستيرية من الرعب والفزع لدرجة أن بعضهم بدأ يصرخ ويولول ويعدو في كل اتجاه لا يعرف أين يذهب لدرجة أن بعضهم جاء يجري نحونا... وسمعنا قائدهم (يقول الأخ) ينادي بمكبر الصوت ويطالب بوقف فوري لإطلاق النار». [المصدر: صحيفة الحياة اللندنية 30/04/2002].والسؤال المحدد الذي يطرحه الجميع ويحاصر الجميع، هو كيف تمكنت هذه الحفنة من المقاتلين، من الثبات تسعة أيام متواصلة أمام أعتى جيوش الشرق الأوسط؟ كيف سجلت صمودها الإعجازي على النحو الذي شاهد العالم أجمع!؟في أغلب الحالات لم يكن يتسنى العثور على إجابة، وفي أفضلها كانت الإجابة (قررنا القتال وقررنا الصمود فصمدنا، ولولا تلك الجرافات العملاقة، لما دخل الجيش حارة في المخيم!).وأخيراً إن نظرة فاحصة لمعركة الصمود في جنين وإفشال أهداف العدو في غزة، لدليل إضافي على قدرة شعبنا والمقاومة على الصمود أولاً، وصنع تاريخ جديد لأمتنا مداده الدم والعزة والكرامة...

كاتب فلسطيني/ لبنان