خبر اعتذار جولدستون ضوء أخضر لمحرقة جديدة! ..محمد جمال عرفة

الساعة 10:33 ص|05 ابريل 2011

اعتذار جولدستون ضوء أخضر لمحرقة جديدة! ..محمد جمال عرفة

هي فضيحة من العيار الثقيل بلا شك وتفتح الطريق أمام تل أبيب لتنفيذ محرقة جديدة في غزة كالتي نفذتها في أواخر عام 2008 وحتى أوائل 2009 وقتلت وأحرقت فيها 1323 فلسطينياً بخلاف آلاف المصابين.. تلك هي فضيحة تراجع القاضي الدولي جولدستون عن تقريره الشهير الذي كلفته به الأمم المتحدة عقب مجرزة غزة عن اتهامه "إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب، واعتذاره ل"إسرائيل" عما فعله، وذلك في توقيت غريب حيث تستعد تل أبيب للقيام بعملية غزو جديدة لغزة وتنفيذ محرقة صهيونية جديدة هناك، ما يفتح الباب أمام "إسرائيل" لتنفيذ المجزرة الجديدة وهي مطمئنة لعدم نقدها دولياً أو محاسبتها!.

 

فالمقال – الفضيحة - الذي كتبه القاضي (اليهودي) ريتشارد جولدستون في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية يوم الجمعة الماضي أول أبريل (والذي يشبه كذبة أبريل) يزعم فيه بأنه أخطأ وتسرع في كتابة تقريره الذي وضعه منذ عام ونصف العام، عن تطورات الأوضاع في قطاع غزة واتهامه ل"إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب خطيرة في حق المدنيين الفلسطينيين.. ويزعم فيه أن "إسرائيل" كانت تدافع عن نفسها من هجمات حركة حماس التي تصاعدت قبل عملية الرصاص المصبوب مبرراً بذلك قتل المدنيين الأبرياء ومبرراً استخدام تل أبيب الفوسفور الحارق ضده وقنابل (دايم) التي تدمر أنسجة الجسم وقنابل الأعماق؟!.

 

والأكثر غرابة أن يأتي مقال جولدستون هذا في وقت تصعد فيه "إسرائيل" هجماتها علي غزة وتؤكد أن غزواً وشيكاً ومجزرة جديدة تنتظر فقط التوقيت المناسب(!) ، ويقول وزير الدفاع باراك إن: المواجهة مع حماس تقترب يوماً بعد يوم، بعدما استهدفت طائرة استطلاع إسرائيلية سيارة كانت تسير على طريق صلاح الدين الواصل بين مدينتي "خان يونس ودير البلح" بصاروخ ، مما أدى إلى استشهاد ثلاثة من كوادر حركة حماس.

 

هناك من قال – من المراقبين – إن تراجع جولدستون له علاقة بهذه المؤامرة الإسرائيلية الجديدة التي تعد للعدوان على غزة الآن وقبل أن تتفرغ مصر من حالة السيولة التي أعقبت الثورة للخروقات الصهيونية لاتفاقيات السلام، وهناك من يري أن السبب هو خوف جولدستون على حياته بعد تكفير اليهود له –كيهودي– واستحلال دمه.. إذ أن عدداً كبيراً من المتشددين اليهود كفَّروا جولدستون اليهودي الديانة، ونادوا بضرورة الانتقام منه خاصة بعدما أدى تقريره بإدانة "إسرائيل" (وحماس أيضاً) لطرح مطالبات دولية بمحاكمة قادتها العسكريين والسياسيين عن جرائم حربهم في غزة.

 

وقد طرح التليفزيون الإسرائيلي الكثير من التساؤلات عن الأسباب التي دفعت بالقاضي الجنوب إفريقي إلى التراجع عن موقفه السياسي وهل السبب هو اكتشافه للكثير من الحقائق الجديدة بعد كتابه تقريره – كما زعم - أم أن هناك أسباباً أخرى؟ وتساءل: "هل خاف جولدستون من تكفير الحاخامات ورجال الدين له، الأمر الذي دفعه إلى التراجع عن الأفكار التي أوردها في هذا التقرير؟".

 

وقالت صحيفة هاآرتس إن حياة جولدستون سواء العائلية أو الدينية تعرضت للكثير من الأزمات بسبب هذا التقرير الذي حول حياته إلى كابوس خاصة مع صدور فتاوى تكفيرية له من أكثر من حاخام يهودي عبر العالم، وهي الفتاوى التي وصلت إلى حد إهدار دمه، كما دعا بعض من كبار الحاخامات الأوروبيين عقب صدور التقرير مباشرة.

 

فرصة ل"إسرائيل"

 

ولكن أياً كان السبب، فالواقع أن اعتذار جولدستون أعطى فرصة كبيرة للصهاينة لاستغلال الموقف.. تارة بالسعي للتحرر من قيود وسيف العقوبات والمحاكمات عن جرائم الحرب المتكررة في غزة، وتارة أخرى بابتزاز جولدستون نفسه والسعي لاستغلال اعتذاره في شن حملة علاقات عامة دولية لتحسين صورة الدولة الصهيونية بعدما تدهورت صورتها بفعل جرائم الحرب في فلسطين، وبات الكثير من مراكز الأبحاث والقوي الأوروبية المعتدلة يطالب بنزع شرعية الدولة الصهيونية ومن ثم مقاطعتها دولياً ومحاكمة قادتها.

 

فرئيس الدولة العبرية شمعون بيريز، استغل الحديث وطالب القاضي اليهودي ريتشارد جولدستون رئيس اللجنة الأممية لتقصي حقائق العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، بـ "الاعتذار صراحة" عمّا تبناه في تقريره الصادر عام 2009 من اتهامات لجيش الاحتلال بارتكاب "جرائم حرب" ضد المدنيين الفلسطينيين في القطاع، وقال بيريز، في تصريحات نقلتها عنه الإذاعة العبرية الأحد (3/4)، "يجب على جولدستون أن يعتذر أمام دولة إسرائيل عما كتبه في تقريره حول عملية الرصاص المصبوب في غزة، وذلك بعد تراجعه عن هذا التقرير".

 

كما انتقد ما وصفه بـ "تجاهل" تقرير لجنة "جولدستون" للسبب الرئيسي وراء الهجوم العسكري على غزة؛ والذي يتمثل وفق الادعاءات الإسرائيلية، بوقف إطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة على أهداف إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

 

أيضاً توجهت تل أبيب إلى مجلس الأمن الدولي بطلب إلغاء تقرير "جولدستون" بعد تراجع رئيس لجنة التحقيق عمّا ورد فيه، بعدما أفاد القاضي جولدستون في مقاله الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست، أن تقريره "كان سيفضي إلى استنتاجات مختلفة لو توفرت لديه المعلومات الموجودة بحوزته حالياً عن مجريات الأمور في القطاع"، حسب قوله.

 

ابتزاز صهيوني أفضى للتراجع!

 

والملفت هنا أن وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف، أفيغدور ليبرمان، أرجع تراجع القاضي ريتشارد جولدستون عن موقفه إلى: "استجابة لضغوط مارستها عليه المحافل السياسية والعسكرية الإسرائيلية"!

 

وأوضح ليبرمان، في تصريحات متلفزة مساء السبت، أن وزارتي الخارجية والقضاء ومكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وسلطات الجيش الإسرائيلي، "بذلت جهوداً جبارة في هذا المضمار دون إحاطة الجمهور علماً بذلك"، على حد قوله!؟.

 

وتثير تصريحات ليبرمان هنا علامة استفهام خصوصا إذا علمنا أن موقف جولدستون، جاء بعد نحو أسبوعين فقط من تقرير صادر عن مجلس حقوق الإنسان يطالب بعرض تقرير "جولدستون" على مجلس الأمن الدولي، ما يعني الانتقال من الإدانة إلى تنفيذ العقوبات على "إسرائيل"(!!).. فهل جاءت تصريحات جولدستون (بعد الضغط الصهيوني والأمريكي عليه) من باب التخفيف عن "إسرائيل"، ومنعاً للعدالة الدولية أن تأخذ مجراها؟!.

 

أين الأمم المتحدة من جرائم الحرب الصهيونية؟!

 

ولهذا طالبت جمعيات حقوقية أوروبية الأمم المتحدة بـ "موقف واضح" من تصريحات القاضي ريتشارد جولدستون، معتبرة أن ذلك يحمل في طياته "محاولة لإيجاد المبررات لنزع تهمة ارتكاب جرائم الحرب عن تل أبيب".

 

وقالت هذه الجمعيات، التي تداعت لتدارس التصريح الصادر عن جولدستون، إن ما جاء به القاضي في مقاله ونشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية هو "موقف شخصي حتى اللحظة، يعبّر عن نفسه"، مشددة على أن "لجنة التحقيق الأممية تمثّل الإرادة الدولية، ويجب أن يصدر عنها موقف رسمي لا يقبل اللبس، في حين أننا لا تهمنا المواقف الشخصية الصادرة عن أي عضو فيها بقدر ما يهمنا قرار صادر عن اللجنة نفسها بصورة رسمية".

 

وأكد أنور الغربي، رئيس جمعية "الحقوق للجميع" السويسرية وعضو "الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة"، الذي شارك في الاجتماع، في تصريح مكتوب لوكالة "قدس برس": أن ما قاله جولدستون "يضع المجتمع الدولي ولجنة التحقيق الأممية على المحك"، لافتاً النظر إلى تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي التي تلمح إلى ممارسة ضغوط على جولدستون للتراجع عما جاء في تقريره، والذي أكد ارتكاب تل أبيب لجرائم حرب تصل إلى جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني في غزة.

 

وأبدى المجتمعون استغرابهم من موقف جولدستون، الذي جاء بعد نحو أسبوعين فقط من تقرير صادر عن مجلس حقوق الإنسان يطالب بعرض تقرير "جولدستون" على مجلس الأمن الدولي، مشيرين إلى أن تصريحات جولدستون "تدخل من باب التخفيف عن إسرائيل، ومنع للعدالة الدولية أن تأخذ مجراها"، على حد تعبيرهم.

 

واعتبرت الجمعيات الحقوقية الأوروبية أن حديث جولدستون على أن نتائج التحقيقات في الحرب كانت ستكون مغايرة لو أن تل أبيب تعاونت مع لجنة التحقيق الأممية، قد يكون "زلة لسان" من قبل القاضي، لأنه لا يمكن أن يكون هناك استباق لنتائج التحقيق قبل أن تبدأ، وقد يكون حديثه "محاولة لاستباق ما يمكن أن يخرج عنه مجلس الأمن الدولي".

 

ورأت أن توقيت تصريح القاضي جولدستون "خطير للغاية"، لا سيما وأنه يأتي بالتزامن مع قيام الاحتلال الإسرائيلي بقرع طبول الحرب من جديد على قطاع غزة، وما قيامه بقتل ثمانية عشر فلسطينياً في أقل من أسبوعين إلا بداية لهذا العدوان، الذي قد يتسع لا سيما وأن تل أبيب تعتبر تصريحات جولدستون بمثابة ضوء أخضر لتكرار المجازر ضد الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.

 

وقالت الجمعيات الحقوقية "إن القاضي جولدستون الذي أشاد في مقاله بالتحقيقات التي تجريها إسرائيل مع نفسها بشأن عدوانها على قطاع غزة، مع علمه بأن هذه التحقيقات مطعون بشرعيتها وبمضمونها، يناقض نفسه في المقال ذاته، عندما يؤكد أنه يتفق مع رأي رئيس لجنة الخبراء المشكلة من قبل مجلس حقوق الإنسان قاضي نيويورك الأسبق ماكجوان ديفيس، التي شكلت بهدف تقييم تحقيقات الاحتلال والطرف الفلسطيني، حيث شكك ديفيس في مصداقية وشرعية التحقيقات التي أجرتها تل أبيب".

 

وتمنى الحقوقيون الأوروبيون في ختام اجتماعهم من القضاة، أعضاء اللجنة الأممية، المشهود لهم بالنزاهة، أن يقوموا بعملهم بمهنية وحيادية، بعيدًا عن الضغوط التي تمارس عليهم، مشددين في الوقت ذاته على أنه لا يمكن ولا يجوز الاعتماد على التحقيقات التي يجريها الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه، لا سيما وأنها فاقدة للشرعية، على حد تعبيرهم.

 

أياً كانت دوافع تراجع جولدستون فهو مجرد فرد في لجنة تحقيق دولية ولا يجب التراجع عن التقرير – برغم أنه أدان الضحية أيضاً – والمضي قدماً من قبل الأطراف العربية لنقل التقرير عبر مجلس حقوق الإنسان على مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات علي مجرمي الحرب الصهاينة .. وبدون هذا فلا تستغربوا عندما تشن تل أبيب مجزرة جديدة علي غزة وتنفذ محرقة – هي الثالثة في غضون عامين – على أهل غزة الأبرياء ، ولا تستغربوا أن تقع ثورة شعبية عربية هذه المرة تطالب بأن تدخل الدول العربية مجتمعة – بعد تحرر أغلبها من النظم المتواطئة - في حرب ضد العدو الصهيوني وتسقط كل اتفاقيات السلام.. وهو تطور نراه اقترب كثيراً بعد سلسلة الثورات الشعبية العربية والتحرر من العدو (الديكتاتور) الداخلي تمهيداً للتحرر من العدو الخارجي!.