خبر غولدستون إذ يبدي الندم!../ نواف الزرو

الساعة 09:09 ص|05 ابريل 2011

غولدستون إذ يبدي الندم! نواف الزرو

من كان يخطر بباله أن يطل علينا ذلك القاضي ريتشارد غولدستون صاحب التقرير الذي عرف باسمه والذي أدان الدولة الصهيونية باقتراف جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة عام2008-2009، ليتراجع عن تقريره وليبدي الندم على ما جاء فيه من إدانات لـ"إسرائيل"...!

 

فبعد أن كان القاضي غولدستون وضع تقريره الذي جرم فيه الاحتلال باقتراف جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة، إذ أدان الدولة الصهيونية في تقريره البالغ عدد صفحاته 575 صفحة بـ"القتل المتعمد عن سبق تخطيط واصرار، وبالتعذيب والتسبب بالمعاناة الكبيرة عن عمد"، يعود القاضي غولدستون اليوم وبعد أكثر من عامين على العدوان المحارقي ليتراجع وليبدي الندم قائلا: "إنه يجب إعادة النظر بتقرير بعثة مجلس حقوق الإنسان التابع للأم المتحدة التي رئسها للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت خلال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في نهاية العام 2008 وبداية 2009، خصوصاً الاتهامات التي وجهت لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب وتعمّد استهداف المدنيين"، موضحا في مقالة نشرها في صحيفة "واشنطن بوست" السبت أنه يعرف الآن عمّا حصل في الحرب على غزة في تلك الفترة، أكثر مما كان يعرف حين رئيس البعثة-يديعوت احرونوت-2011-4-2، مضيفا "لو كنت أعرف يومها ما أعرفه الآن، لكان تقرير غولدستون وثيقة مختلفة"، مردفا:"أن الاتهامات لإسرائيل بتعمّد استهداف المدنيين "استندت على وفاة وجرح مدنيين في حالات لم يكن لبعثة تقصي الحقائق دليل يمكن على أساسه استخلاص أي استنتاج آخر معقول"، معتمدا تقرير جيش الاحتلال قائلا:"في المقابل، إن التحقيقات التي نشرها الجيش الإسرائيلي، واعترف بها تقرير لجنة الأمم المتحدة للخبراء المستقلين برئاسة القاضي ماري ماكغوان ديفيس، خلصت إلى أن المدنيين لم يُستهدفوا عمداً وبناء على سياسة محددة، وأن تلك التحقيقات أكدت صحة بعض الحوادث التي حققت فيها البعثة، وشملت حالات تورط فيها جنود بشكل فردي، إلا إنها تشير أيضا إلى أن تلك الحوادث لم تكن كسياسة تستهدف المدنيين عمدا"، مبررا مجزرة عائلة السموني التي قتل منها 29 فردا منهم في قصف منزلهم، مشيراً إلى"أن هذا القصف جاء، على ما يبدو، نتيجة تفسير خاطئ من قبل قائد إسرائيلي لصورة التقطتها طائرة من دون طيار ويتم حالياً التحقيق مع ضابط إسرائيلي لإعطائه الأمر بشن الهجوم".

 

ويختم غولدستون بابداء الندم قائلا: "يؤسفني أنه لم يكن لدى بعثة تقصي الحقائق الأدلة لشرح الظروف التي قلنا إنه تم فيها استهداف مدنيين في غزة، لأنه لو كانت لدينا هذه الأدلة لكان ذلك أثر على الأرجح على النتائج التي توصلنا إليها حول جرائم الحرب وتعمّد استهداف المدنيين".

 

ولم يكتف غولدستون بابداء الندم بل انتقل إلى التهجم على ما اعتبره "انحياز مجلس حقوق الإنسان ضد إسرائيل"، مجددا تأييده لحق الدولة العبرية في الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم خارجي أو داخلي"، مختتما: "إنه يأمل بأن تبدأ مع التقرير "حقبة جديدة من روح الإنصاف في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي لديه تاريخ لا شك فيه من الانحياز ضد إسرائيل".

 

وللتذكير ببعض أقوال غولدستون، فقد قال بشأن الحرب على قطاع غزة "إن الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة لم يفاجئه بقدر ما فاجأته درجة قساوته في بعض التصرُّفات خلال الحرب "والتي أثارت دهشتي أحيانًا- وكالات- 29/09/2009 "، وقال بعد ذلك بفترة: "إن اليهود في جميع أرجاء العالم كان من المفروض أن يرحبوا بالتقرير الذي صدر عن الحرب الإسرائيلية على غزة/6 /10/2009"، مردفا في حديث للجيروزاليم بوست: "لقد وصفوني بأنني يهودي كاره للذات ومعاد لإسرائيل والصهيونية". مضيفا:" ليس هناك أي صحة لتلك الاتهامات فانا أحب إسرائيل وعملت لصالحها في العديد من المجالات"، موضحا: "ما يحزنني هو أن اليهود سواد داخل إسرائيل أم خارجها يعتقدون أنني لمجرد كوني يهوديا يجب أن لا أحقق مع إسرائيل".

 

فما الذي جرى إذن كي يتحول ذلك القاضي "النزيه-في حينه-" الذي تعرض لحملات تحريض إسرائيلية شنيعة، ليصبح تائبا يهوديا وليلحق بالمؤرّخ بيني موريس، الذي تراجع عن شهادته حول النكبة قائلا: كان على الدولة اليهودية الناشئة أن تستكمل "التطهير العرقي" في أرض ـ إسرائيل"...؟!

 

لم يفت ولم يؤخر أقطاب الدولة الصهيونية الإعراب عن سرورهم من تراجع غولدستون بل واعتبروا هذا التراجع والندم بمثابة ترخيص لهم لشن عدوان جديد على غزة...!

 

رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق الذي قاد العدوان على غزة عقب قائلا: "إن أقوال غولدستون هي بمثابة قليل جدا ومتأخرة لأن الضرر حصل، ونحن لا نحتاج الى أقوال لنعرف أننا عملنا وفقا للقانون الدولي-أي أن إسرائيل لم تقترف جرائم حرب-".

 

تصوروا... رئيس الدولة الصهيونية شمعون بيريز يطالب القاضي غولدستون بـ"أن يعتذر أمام دولة اسرائيل عما كتبه في تقريره حول عملية الرصاص المصبوب في قطاع غزة، وذلك بعد تراجعه عن هذا التقرير في سياق المقال الذي نشره الجمعة 2011-4-1 في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية"، "إن غولدستون تجاهل في تقريره السبب الرئيسي لعملية الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة وهو إطلاق آلاف القذائف الصاروخية على مدنيين إسرائيليين أبرياء"، مضيفا: "أن الجيش قد تصرف من منطلق الدفاع عن النفس وأجرى تحقيقات في طريقة أداء عملياته"، زاعما: "أن جيشه سيبقى في المستقبل أيضا من أكثر جيوش العالم التزاما بالأخلاقيات".

 

ومن جهتها نقلت الإذاعة العبرية صباح الأحد 2011-4-3 عن مصادر في مكتب نتنياهو قولها "إن تصريحات غولدستون التي أكد فيها أن إسرائيل لم ترتكت جرائم حرب بغزة ستساعد إسرائيل كثيرا في أي حرب قادمة على قطاع غزة في ظل توفر نفس الظروف التي سبقت الحرب الأخيرة من حيث إطلاق الصواريخ على جنوب الدولة"، مؤكدة: "أنه يجب استغلال تراجع غولدستون والتعاون معه في الوصول إلى كل مكان في العالم ليعطي الدولة العبرية الشرعية التي تحتاجها والتي فقدتها سابقا لشن أي حرب قادمة في غزة أو لبنان".

 

وقال المحلل العسكري للقناة التلفزيونية الأولى إنه" يجب عدم مهاجمة غولدستون شخصيا الآن ومطالبته بالاعتذار بل يجب العمل معه على تحسين صورة إسرائيل".

 

أما رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو فـ"دعا الأمم المتحدة لإبطال مفعول تقرير غولدستون الذي أدان إسرائيل بقتل المدنيين المتعمد في قطاع غزة"، وذلك بعد تراجع القاضي غولدستون بخجل عن تقريره !!

 

بل إن ردود الفعل انتقلت كالنار في الهشيم إلى مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين وإلى المنظمات اليهودية المختلفة في الولايات المتحدة حيث دعوا إلى إلغاء تقرير غولدستون في الأمم المتحدة- يديعوت2011-4-3"، وقال البروفيسور الن درشوبيتس الذي واجه غولدستون في حينه: "إن مقال غولدستون يجب أن يمنع أي إمكانية لإجراء تحقيقات دولية ضد إسرائيل التي يجب أن لا تكون في موقع الدفاع عن النفس".

 

ما سبق هو في الحقيقة غيض من فيض هائل ماثل ولاحق من ردود الفعل على ندم قولدستنون، ونعتقد أن الغياب والضعف والسلبية العربية في التعاطي مع تقرير غولدستون وغيره من تلك التقارير التي تجرم الاحتلال باقتراف جرائم حرب ضد الفلسطينيين، هو التي تقف وراء تراجع غولدستون عن تقريره...!

 

فلو كان للعرب حضور وفعل واهتمام لانتقل ملف غولدستون منذ ذلك الوقت إلى حيز التنفيذ وإلى محكمة الجنايات الدولية، ولكان عدد من جنرالات الحرب والإجرام الصهاينة في قفص الاتهام...؟!