خبر د.بسام رجا .. لن أبدّل ذاكرتي

الساعة 10:25 ص|03 ابريل 2011

د.بسام رجا .. لن أبدّل ذاكرتي

كم نحتاج من الوقت ليدرك بعض الذين أغلقوا عقولهم مصفقين لسياسة أوسلو من أشباه المثقفين، ويروا بعين الحقيقة لا غيرها ما خلفه اتفاق اغتيال فلسطين من كوارث سياسية ومفهومية مفخخة، أدخلت رأس بعض النظام الرسمي العربي إلى  سوق المزايدة على القضية الفلسطينية، ويا للعجب من أولئك الكتبة الذين لم ولن يصحوا من نوم الغفلة، وهم ما فتئوا يرددون هذا أفضل الممكن.. ويكتبون قناعة غيرهم في صحف غيرهم، مبتسمين للتنازل والتفريط والتسليم بحق 8 ملايين فلسطيني، أصغرهم لم يزل يردد أن فلسطين هي من النهر للبحر.

كم يصيبني الأسى حين أقرأ مقالاً لصحفي فلسطيني، أو أشاهد  بعض المُلمعين على شاشات بعض محطات "فضائيات الحياد الإعلامي" يتغنون بالدولة الموعودة، ويصفقون لسلطة في رام الله زادها البساط الأحمر! وكم هو محزن أن يتحول بعض المثقفين إلى جوقة تردد ما يريد "السياسي" الغارق في حبر التفاوض وهو يقول عن نفسه إنه لا يعرف أن يقول لا.. وهو أضعف مفاوض على الأرض، ولا داعي لذكر الأسماء، فالأفعال تفضح أصحابها.

تعلمنا في سنوات عمرنا، أن الثقافة والمثقف يصيغان المواقف، ويقدمان حلولاً وبرامج  للخروج إلى رحابة الرؤيا غير الملتبسة.. لكن اليوم هناك من يحاول أن يقلب المفاهيم، ويجعل من بعض المثقفين مجرد دمى تتحرك هنا وهناك على مسرح العبث بالمقدس، ولا أعرف كيف يمكن لشاعر يكتب عن الوطن والعذابات الإنسانية أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى قارع طبل لجوقة المفاوضين،ويبرر التفاوض، ويكتب هنا وهناك أن هذا الطريق هو طريق القوة لاستعادة الحقوق.. لا تستغربوا، فهذا ليس من بنات أفكاري، بل هو واقع يمرر بين ظهرانينا لكي يدب اليأس بالأقلام الشريفة، التي لم تنل منها سهام اليأس.

كلما قرأت لصحفي أو كاتب - كنت في يوم من الأيام احترمه - ما ينسف تاريخه، أحزن في أعماق أعماقي على هذا الانحدار، وأنا أرى التعاطف التركي والعالمي مع قضيتنا، واسأل كيف يمكن لهذا الكاتب أو ذاك أن ينظر إلى أطفاله إذا قرأوا ما كتبه عن تحرير فلسطين، واليوم يكتب عن التفاوض كقوة مثلى في تحصيل الحقوق!!

أنا من قرية أجزم/ قضاء حيفا، وأرى في  قريتي صورة كل فلسطين؛ بحجرها وشجرها، ولن أبدل ذاكرتي، مهما زينوا لي، ومهما تكاثروا سأظل أسمع كلمات أمي عندما كنت صغيراً: "إذا ما رجعت يمه برجعوا ولادك"، وسأعلم أبنائي أن فلسطين تستحق الحياة، وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة.. وسأزين أعمارهم بوصايا الشهداء، وسأقرأ لهم خيمة عن خيمة تفرق وسعيد الحمظوني وعابرون في كلام عابر.. سأظل أكتب أن فلسطين هي كامل التراب، ولن أبدل ذاكرتي ولو بدل كل العالم ذاكرته.. لن أبدل صوت أمي التي صرخت في يومها الأخير: "يمه فلسطين إلنا.. اجزم حلوة يمه وجنب النبعة والبير.. سمعت للمرة الأولى غناء القرى وكبرت هناك.. لا تنسوا يمه فلسطين"، ومن عينيها  طارت غيمه بيضاء إلى اجزم وحيفا. اطمئني يمه لن أبدل ذاكرتي.